إذا سلمنا بأن أمر الحرب أخطر من أن تترك للعسكريين فقط، فإن ترك أمر التعليم للأحزاب، والتكتلات الأيديولوجية المختلفة، والجمعيات ذات النزعة العرقية السطحية، واللوبيات السياسية ذات الارتباط الخارجي لهو أخطر من أمر الحرب ونتائجها الكارثية والمدمرة. ومن هذا المنطلق لا بد أن تتحمل الدولة المغربية كامل المسؤولية في الإصلاح الجذري لمنظومة التربية والتكوين، بعيدا عن الترقيعات المتوالية، حتى لا نقول إصلاحات. ويحق لنا أن نتساءل عن مصير أطفالنا في ظل الفشل المتوالي لإصلاح التعليم، والنتائج الهزيلة للمدرسة المغربية التي تعد من أسوأ النماذج على الصعيد العالمي حسب تقارير أصدرتها منظمات عالمية. ففي دراسة حديثة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، جاء فيها أن المدرسة المغربية تعيش أزمة حقيقية ما جعلها في الرتبة 73 من أصل 76 دولة شملتها الدراسة من حيث جودة التعليم. فهل نرهن مستقبل أطفالنا بيد لجنة آخر ما يهمها هو إصلاح التعليم؟ ماذا يمكن أن نجنيه من إقحام الأمازيغية – السوسية - في الصفوف الدراسية غير التشويش على المدرسة العمومية؟ لأن المدارس الخاصة ومدارس النخبة غير معنية بهذه (اللغة) لا من قريب ولا من بعيد. بل إن اللغة العربية نفسها؛ باعتبارها لغة رسمية للمملكة المغربية شبه غائبة عن مدارس النخبة. أما مطالبة البعض بالتدريس باللهجة الدارجة المغربية بدل اللغة العربية الفصحى، فإن مجرد الرد عليه يعتبر تكريما لصاحب المذكرة المرفوعة لملك البلاد وتشريفا له ولمن دفعه من وراء الكواليس لرفع هذه المذكرة. لذلك، وصونا لألسنتنا نمسك عن الرد على هذه البلادة في التصور لإصلاح منظومة التربية والتكوين. إن إصلاح منظومة التربية والتكوين لا يمكن أن يعتمد التجريب ولا التصويت ولا التوافقات السياسية والحزبية والأيديولوجية. فاعتماد التجريب، قد يؤدي في حالة الفشل إلى إفراز جيل وطني من المتعلمين ذوي عاهات وتشوهات في مجال التربية والكفايات التعلمية الأساسية والجودة، والتي في النهاية سيجدون صعوبة في حشدها وتعبئتها في مستقبلهم التعليمي والوظيفي والتواصلي. وأما التصويت على اللغة التي يمكن اعتمادها في التدريس، فهو العبث بعينه، لأن اللغة الرسمية للبلد هي العربية فلما التصويت إذن؟ إن هذا الخيار لأكبر دليل على لا مسؤولية هذه اللجنة والقائمين عليها. فالمسألة لا تحتمل ترجيحا بالتصويت على أشياء تبدو للمواطن الغيور على مستقبل هذا البلد من البديهيات التي يجب أن تقرها اللجنة دون لف ولا دوران حول ماهية الإصلاح. فاللغة ليست سوى وعاء يحمل الأفكار والعلوم والآداب والفلسفات... فاللغة في حد ذاتها ليست مسؤولة عن ضعف الجودة في التعليم والتكوين. ولمن يدعي عكس ما قلناه فحري به أن يطالب باعتماد اللغة الانجليزية في المدرسة المغربية بدل العربية أو الفرنسية. لكن المسألة كلها مرتبطة باللوبي الفرانكفوني الذي سعى ويسعى جاهدا لإضعاف اللغة العربية؛ وعلى أقل تقدير يريد أن يقنعنا بضعفها. إن المسألة محسومة بنص الدستور الذي يقول برسمية اللغة العربية، بل ويدعو إلى دعمها وتطويرها. لم كل هذه المعارك الدونكيشوتية إذن؟ أما بخصوص ترك التعليم للتوافقات السياسية والحزبية والأيديولوجية، فإن ذلك مما لا يستقيم عقلا و منطقا. فمسألة التربية والتكوين يجب أن تكون بعيدة عن التجاذبات السياسوية الفجة، والأيديولوجيات المتعارضة، لأن هذه التوافقات لن تكون إلا على حساب جودة التعليم، وبالتالي على حساب المتعلمين. إننا لا ندعي أسطرة اللغة العربية، لكن لها قصب السبق في اعتمادها كلغة تدريس للآداب والعلوم على حد سواء دون ادعاءات مغرضة، الهدف من ورائها إحلال لغة المستعمر السابق محلها. ولا يمكن لأحد أن يقنعنا بأننا من أنصار فكرة المؤامرة. نحن نقر صراحة بصعوبة التخلي عن اللغة الفرنسية؛ كلغة ذات نفوذ في الإدارة المغربية. ونحن لا نتصور أن أرشيف الدولة المغربية والوثائق الإدارية للمواطنين ومحتويات المكتبات العمومية ومكتبات الجامعات والكليات والبحوث العلمية... المكتوبة باللغة الفرنسية، يمكن أن نأتي عليها بجرة قلم واحدة لنمحوها من الوجود. فهذا مما لا يمكن أن يطالب به أي عاقل. لكن مع ذلك لا يجب أن نرهن تعليمنا بلغة تراجع تأثيرها كثيرا على الصعيد العالمي. ولا نجد غضاضة في المطالبة بإقرار اللغة الانجليزية في المدرسة العمومية بشكل تدريجي؛ والتي أصبحت لغة العلم والتقانة والاقتصاد في القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين. كما نطالب بالحذف التام للأمازيغية - السوسية من المدرسة العمومية لعدم جدواها ولمحدودية إمكاناتها اللغوية والثقافية والعلمية. أو على أقل تقدير، إدراجها كلغة اختيارية في الجامعة. إن أي إصلاح لمنظومة التربية والتكوين سيحكم عليه بالفشل ما لم يستحضر مستقبل الاقتصاد المغربي، والتنافسية الدولية في مجال التقانة، والتنمية المستدامة للعنصر البشري، ومستقبل العلوم على الصعيد العالمي، والتوجهات الكبرى في مجال توفير الخدمات المختلفة للمواطنين والوافين على حد سواء، وتكوين الرأسمال البشري الذي سيساهم في الرفع من التحديات التي سيعرفها القرن الواحد والعشرين.