بدأ انخفاض أسعار النفط مند الربع الأخير من السنة الماضية بشكل مفاجئ. فتوقع المحللين أن يتوقف الانخفاض في حدود 80 دولارا إلا انه استمر في الهبوط إلى ما دون ال 50 دولارا للبرميل. وقد فسره البعض بانخفاض الطلب العالمي و ارتفاع العرض. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لمادا لم تخفض الدول المنتجة للنفط إنتاجها ليبقى ثمن البرميل في حدود 100 دولار للبرميل و الذي يراه الكثير من الخبراء مناسب للدول المصدرة كما أنه لا يضر بمصالح الدول المستوردة. إن ارتفاع العرض ليس مصدره منظمة – اوبك- لوحدها. بل، هناك دول أخرى خارج هذه المنظمة كالولاياتالمتحدةالأمريكية و الدول الأخرى التي بدأت في استغلال النفط الصخري و قد رشحت الكثير من الدراسات الولاياتالمتحدة لتصبح أكبر منتج للنفط في أفق 2020 متجاوزة بدلك السعودية. كما أن احتياطها الاستراتيجي من الخام ارتفع إلى اعلى مستوى له مند عشر سنوات في مارس الماضي. لكن الانخفاض الحالي للأسعار أرغم الكثير من المنصات (منصات التنقيب و الاستخراج) بها والتي تحتاج إلى مستوى يتجاوز 60 دولارا على الإغلاق. و إدا استمر الانخفاض فان لعنة الإفلاس ستصل إلى الباقي نظرا لتكلفة الإنتاج العالية مقارنة بالنفط العادي. لكن المشكل، يكمن في كون دول –اوبك- غير قادرة حاليا على تخفيض إنتاجها لرفع الأسعار لأن أي تخفيض سيؤدى إلى فقدان حصص سوقية مهمة لصالح الدول المنتجة خارج المنظمة، خاصة الدول الإفريقية التي أصبحت تنادي بضرورة خفض الإنتاج بغية رفع الأسعار. وكذا الدول المنتجة للنفط الصخري. إن الجماعات المتطرفة كذلك أثرت على قطاع الطاقة بسيطرتها على مجموعة من الحقول النفطية بل و حتى بعض المصافي خاصة في العراق و سوريا، من خلال بيعها لكميات مهمة من النفط بالسوق السوداء بأثمنة بخسة، لتغطية تكاليف عملياتها العسكرية. نفس المشكل تعاني منه ليبيا و من المحتمل إن تنظم اليها نيجيريا لاحقا في حالة لم يتمكن الرئيس الجديد من دحر "بوكو حرام". أما بخصوص إيران، فإن رفع العقوبات عنها من طرف الغرب سيؤدي إلى رفع العرض النفطي في السوق الدولية مما يبشر الدول المستوردة بانخفاضات جديدة للأسعار. أسعار النفط و ميزانيات دول الخليج: صحيح إن تكلفة الإنتاج في الخليج لا تتجاوز 6 دولارات للبرميل. أي الأدنى في العالم مقارنة مع الدول الأخرى المنتجة للنفط. لكن هدا لا يعني أن هده الدول ستستفيد من أي ثمن يباع به على أن يتجاوز ذلك السعر. فانفاق هده الدول بسخاء على مجموعة من القطاعات الاجتماعية كالصحة و التعليم، بالإضافة إلى الأمن في منطقة مضطربة يهدد امنها القومي على المدى المتوسط و البعيد، نظرا لتوفر صناديقها السيادية على استثمارات مهمة في الخارج بالإضافة إلى مليارات أخرى على شكل مدخرات مالية. فرغم تأثير السعر الحالي للبرميل على هده الدول في المدى المتوسط، إلا أنها لم تبدي أي رغبة في تخفيض الإنتاج للرفع من الأسعار. بل إن انتاج السعودية من الخام ارتفع إلى مستوى قياسي خلال 13 سنة الماضية خلال شهر مارس الماضي. وقد عللت السعودية عدم تخفيض إنتاجها بكون سعر النفط يحدد وفق نظام العرض و الطلب كما أن السعر الحالي سيمكن من التخلص من النفط الرديء الذي يباع في الأسواق. و في المقابل تعلن استعدادها لمناقشة أي اقتراح لإعادة التوازن لأسواق الطاقة. إلا أن الواقع يقول غير دلك فبالإضافة إلى الأسباب السالفة الذكر، ندكر تدخل روسيا في الشرق الأوسط و دعمها لنظام بشار الأسد و النظام الإيراني. خاصة و أن السعودية أكدت على ربط أسعار النفط بالسوق الدولية للطاقة مباشرة بعد زيارة مسؤوليها لروسيا. الغرب و روسيا و سلاح النفط : مند اندلاع الأزمة في أكرانيا بين السلطات المركزية المدعومة من طرف الغرب – الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد الأوربي- و الانفصاليين المدعومين من طرف روسيا. و الطرف الأول يحاول إركاع روسيا و إرغامها على التخلي عن دعم الانفصاليين. وقد بدأ الأمر بفرض عقوبات اقتصادية و تجارية على روسيا من خلال منع كبريات الشركات الغربية من التعامل معها مع منع تصدير التقنيات و الوسائل التكنولوجيا إليها. إلا أن دلك لم يؤدي إلى النتائج المتوخاة منها، فقد فرضت روسيا عقوبات مماثلة على الدول المعنية فخسر الاتحاد الأوربي وروسيا لمليارات الدولارات. أما الولاياتالمتحدة فتعاملها التجاري مع روسيا أصلا محدود. أمام صمود الدب الروسي في وجه هده العقوبات. و نظرا لكون اقتصاده مرتبط بشكل كبير بالنفط. انخفضت فجأة أسعار النفط إلى مستوى لم يتوقعه أي محلل اقتصادي أو متتبع لتقلبات أسعار النفط في العالم. مما جعل روسيا تتحسس تأثير العقوبات الاقتصادية على ميزانيتها فبدأت قيمة عملتها المحلية تتهاوى أمام الدولار و اليورو وبدأ التضخم بالارتفاع مهددا القدرة الشرائية للمواطنين الروس. لتجاوز هده المحنة فان روسيا مرغمة على البحث على جميع الموارد الأخرى لميزانيتها خارج قطاع الطاقة. و بدلك تم امتصاص قدرتها على الرد من خلال عدم القدرة على استعمال سلاح الغاز ضد دول الاتحاد الأوربي و الذي في حالة استعماله سيؤدي إلى ازمه إنسانية بسبب موجات البرد القارس التي تضرب أروبا في فصل الشتاء. كما أن الموقع الجغرافي لأروبا لا يسمح لها باستيراد الغاز من الخليج بسبب التكلفة و الغاز الجزائري بالنسبة لأروبا غير كاف لوحده لسد حاجياتها من هده المادة الحيوية. و بالتالي فان أي انتعاش مرتقب لأسعار النفط مرتبط بحل الأزمة الأوكرانية بين الغرب و روسيا من جهة. و التخلي عن دعم النظامين السوري و الإيراني في منطقة الشرق الأوسط من طرف الكرملين من جهة أخرى. وهده المشاكل بحد ذاتها مرتبطة بقدرة الاقتصاد الروسي على الصمود أمام العقوبات الاقتصادية و انخفاض أسعار النفط. و كدا بوضع اتفاق اطار بين منظمة الدول المنتجة للنفط و الدول المنتجة للنفط الصخري، ينظم السوق الدولية للطاقة.