قد تكون الزيارتان المُتبادلتان بين إستضافة السعودية للأمير تميم آل ثاني، وإستضافة قطر للأمير متعب آل سعود، هي بداية حقيقية لكسر الجليد المُتراكم على العلاقات الداخلية في الخليج العربي، وطي ملف الخلاف بين السعودية والإمارات مع الجارة قطر. ولا شك أن الجهود التي بذلها أمير الكويت بعد القمتين الخليجية والعربية توجت جزءا كبيرا من مساعي المُصالحة الخليجية، والعربية كذلك. كما علينا أن ندرك أن الطبقات الجليدية المُتراكمة يُمكن إذابتها بغير الوسائل الدبلوماسية، وإزالة الطبقات الخلافية التي صنعها الإعلام العربي الذي انحاز عن سياق العرض الإعلامي بالمنهجية الأخلاقية، حيث التصعيد المُتبادل أخذ يلوح في الآفاق الخليجية، وكأننا مقبلون على حرب داعس والغبراء. سوف تُصبح العلاقة السعودية القطرية نموذجا حقيقيا لأي مُصالحة عربية، ولكن عندما نقرأ الخلاف السعودي القطري بتوازن وعلى حياد، وأنه لم يتفاقم إلا بعد أزمة الداخل المصري، وأخذ يتطور بالتصعيد بين طرفي الخلاف في مصر، نرى أن رفض التنازلات بين الخُصماء المصريين هو سبب نقل المعركة الى منطقة الخليج العربي. ففريق الرئيس السيسي يعتقد بأن وجوده على ساحة الُحكم المصرية فيه حفظ للأمن القومي العربي على حساب الديموقراطية، وفريق الرئيس السابق مرسي يعتقد بأن حرباً تُشن ضد الإسلام على حساب تطويق منظومة الإخوان المسلمين. وإعتدالاً.. يُمكن القول أن مصر جزءٌ من الأمن القومي العربي وليس كله، والإخوان جزء من الأمة الإسلامية وليس الإسلام كله، وغير ذلك هو التطرف بعينه يُمارسه الفريقان. كما أن الأمن القومي العربي له مُقومات تتناسب حسب الزمان والمكان؛ فأمن الخليج العربي قائم على تفريغه من الحزبية السياسية والدينية حسب موقعها الجغرافي وتركيبته الإجتماعية، فنقل خلاف الأحزاب المصرية بين قبول الإسلامي السياسي أو رفضه إلى الجزيرة العربية هو بمثابة تأسيس مدارس سياسية جديدة غير تلك المُتبعة في الخليج العربي. فليس المطلوب هو طرد القيادي محمد دحلان من الإمارات أو طرد الشيخ القرضاوي من قطر، فكلاهما يخضع لضوابط الدولة المُضيفة وقوانينها، بل نريد وضع ضوابط قانونية وأخلاقية للحد من التطرف الإعلامي، حيث الإعلاميون العرب بين فريق يدعو إلى تكفير من ينتقد سياسة حماس، وفريق يدعو إلى دعم إسرائيل في حربها ضد حماس. نريد رؤية خليجية موحدة تجاه الخطر الحقيقي الذي يلحق بأمنه في العراق وسوريا، بل نطالب برؤية واضحة للدور الخليجي المُشترك من أجل منظومة الأمن القومي العربي، ولماذا لا نقولها صراحةً؛ أن غياب الجامعة العربية عن دورها الحقيقي في تمثيل جميع الشعوب العربية هو سبب التحركات الفردية، وقبل المُطالبة بُمصالحة خليجية علينا أن نطالب بإصلاح الجامعة العربية، لكي تكون رؤية واحدة لجميع العرب دون تهميش دور أو طرف. فما حققته دولة قطر في البحرين كان يتناسب مع منظومة الأمن القومي الخليجي، كما أن الحضور السعودي في لبنان وسوريا واليمن هو الأمن القومي العربي بذاته، فالرؤية واحدة ولكن تعدد الأساليب هو الطُعم الذي يقتات عليه الصيادون على صفحات الإعلام العربي.