من بين ما قرأت، واحتفظت به ذاكرتي، قصة الشيطان الذي فشل في تفكيك أسرة بسيطة، رغم ما حاكه مندسائس، وما دقه من أسافين بين الزوجين لتشتيت شملهما، بينما نجح إبنه الشيطان الصغير في ذلك، وعندما سأله الأب كيف فعلت ذلك؟ رغم أنني نصبت كل المكائد لتفريقهما، فأجابه الشيطان الأصغر، أنا فقط حركت الوتد،وفك وثاق النعجة الوحيدة التي يملكانها فدخلت حقول قبيلة معادية قامت بقتل تلك النعجة، مما أثار حمية قبيلة الأسرة فاندلعت حرب طاحنة بين القبيلتين انتهت بطلاق الزوجين. عندما تذكرت هذه القصة، وأنا أتابع ما يدور في فلك الدول العربية، قمت بعملية استرجاع لبداية هذه المآسي، التي عمت هذه البلدان، وأسقطت رؤوس، خلخلت شعوب، قبل أن يقفز السؤال عميقا في ذاكرتي، هل البوعزيزي مفجر ثورة..أم شيطان حرك الوتد؟ ! هكذا،خلقت ما يسمى ب"الثورات العربية" مناخا جديدا يتنوع بين الدعم والتنديد، من الدول المجاورة لبلدانه، وانعكست في عمومها بشكل سلبي على جميع الدول، مما أنتج هبّات شعبية أخرى سميت ب"ثورات تصحيحة" من طرف البعض، و"ثورات مضادة" من الآخرين، منهم فصيل "الإخوان المسلمين"، المنتشرين في أكثر من سبعين دولة، في كل أنحاء القارات، وخاصة دول الشرق والخليج العربي والمغرب الكبير وأوربا، وأميريكا، بل حتى أفريقيا الوسطى ودول الصحراء والساحل، الممتدة كحزام للقتال على حدود الجزائر وموريتانيا ومالي.وكانت دول هذا"الربيع" غير المزهر تحلم بوطن ديموقراطي، آمن، وكريم، حلم دفعت من أجله شهداء، خلدهم البعض، وشتمهم الأخرون، شهداء يرى فيهم البعض منقذين، ويرى فيهم الآخرون سبب "الفتنة" التي كانت نائمة. ويبقى السؤال: من أجهض الثورات؟ أو بالأحرى من سطا عليها؟ بالإلتفاف والتحوير. في تونس، قفز المبعدون من الشعب، "إخوان النهضة" بزعامة راشد الغنوشي، على رفاق البوعزيزي، وتربعوا على كرسي حكم غير متوازن، قوامه "البورقيبيين" الأعداء التاريخيين ل"لإخوان"، لحبيب بورقيبة الرئيس الذي أسس تونس الحديثة، والمعاصرة، والذي فاوض الفرنسيين على استقلال بلاده، حررها بالفكر قبل أن يحررها من الإستعمار، ويشهد على ذلك الدساتير الحديثة للدولة، وقوانين المرأة، التي وصفها الجميع بأنها أعطت تونس طابعا تقدميا. لم يتوقف طموح "التنظيم الدولي للإخوان"عند حدود تونس، بل أصبح حقيقة، بعدما اعتلى إخوان "البنا" عرش الكنانة، وفتح مرسي العياظ أزرار بذلته في ميدان التحرير، مؤديا قسم الوفاء أمام أهله وعشيرته التي أمّنت على كلامه، رافضا مراسيم أداء اليمينالمتعارف عليها في الجمهورية المصرية، الذي يقتضي الذهاب إلى المحكمة الدستورية، لأداء القسم أمام قضاتها وفقا للإعلان الدستوري المكمل. هذا اللهط والتعطش للحكم، الذي تولد في لحظة غير منتظرة، بعد أن كان الحلم بحكم مصر مؤجلا إلى حين، جاء بعد محاولات انقلابية، كان منها ما قَتل، كاغتيال السادات في 1979، الذي يعتبره الكثير من المراقبيين المسؤول عن إخراج المارد من قمقمه. لم يشارك "الإخوان"في التظاهر، الذي انطلق يوم 25 يناير 2011، وخاضوا مفاوضات في الكواليس مع المجلس العسكري، واعتبرهم البعض ممن يأكلون على كل الموائد، في نفس الوقت الذي كان فيه الشهداء يتساقطون في ميادين مصر، ثم انتقلوا للمشاركة في المظاهرات يوم 28 يناير، ولكن بطريقتهم الخاصة، بعدما فروا من السجون. ويبقى سوء التقدير، هو من قاد الإخوان إلى الحكم في مصر، وكما قال محمد محسوب في حواره "شاهد على الثورة" الذي يديره الصحافي الإخواني أحمد منصور على قناة "الجزيرة"، حيث آعتبر دخول "الإخوان" للإنتخابات الرئاسية التي أفرزت فوز الرئيس العزول محمد مرسي "خطوة غير محسوبة". موقف الإخوان الجاف، والقاسي اتجاه الفاعلين الأخرين، واستعدائهم لهم، جلب عليهم نقمة العديد من الأطراف الداخلية والدولية، وتعاطف الأخرين مثل قطر وتركيا، اللتان أعلنتا بشكل صريح دعمهما للإخوان ضدا على إرادة الشعب المصري الذي أزاح حكمهم في ما أصبح يعرف في الأدبيات الإعلامية ب"ثورة 30 يونيو" التي عصفت بالرئيس الإخواني المخلوع محمد مرسي وبحكمه، وأدخلته السجن. من جهة أخرى، نجد الدول المعارضة لتجربة الإخوان، كالسعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة الصديق القديم لمصر، هذه الأخيرة، ناصبت العداء للإخوان رغم الدعم الذي أبدته في بداية حكم مرسي، إلا أن التصريحات الرعناء لبعض قيادات الإخوان ضدها، انعكس بالسلب على العلاقات، قبل أن تتطور إلى حرب باردة بين دولة قائمة وجماعة "متلصصة"، ثم حرب صريحة، انعكست إعلاميا، بشكل مدعوم من قطر، عبر قناة "الجزيرة". هذه الأخيرة التي تحولت إلى بوق للجماعات الإرهابية، والتي أمعنت في الإساءة لمصر وحلفائها، أهمها الإمارات العربية المتحدة، عندما سمحت لرئيس المؤتمر الإسلامي بمهاجمة الإمارات العربية. ويرى المتتبعون أن لولا الضوء الأخضر من قطر ما تجرأ يوسف القرضاوي على مهاجمة شريك خليجي أساسي مشمول بالإتفاقيات الموقعة والتي تنص على احترام سيادة الدول الأعضاء، والدفاع المشترك.