عندما نتحدث عن دور الفكر المستنير في معركة الحرية و الكرامة، لابد من الحديث عن ثقافة المقاومة من منظور سياسي تنويري ، و إذا كان البعض في مجال الأدب ،بوجه عام يميز بين ما يسمى أدب التعبير ، و ما يطلق عليه أدب التفسير ، فإننا نستطيع القول بأن ثقافة الصمود تدخل في إطار ما يسمى أدب التفسير ، فهدف التعبير هو مجرد إحداث لذة وجدانية و غريزية ، أما أدب التفسير فهو الذي يرتكز على أسس و أغراض محددة تتجاوز مجرد اللذة الوجدانية ، بحيث تتخطى الفرد إلى إحداث التأثير في المجتمع و في الكون بل في العالم بناءا على نظرية محددة و قراءة علمية، و نشير هنا أن ثقافة المقاومة لها مجموعة من الصور و المجالات للتعبير عنها . نجدها في الشعر و النثر الرسم و حتى الرقص و الموسيقى ، كما نجدها في الكتب المؤلفة و المقالات الجادة ، ، نجدها كذلك في الصحافة و الإذاعة و التلفزة. و تسعى تلك الثقافة الموسومة إلي ترسيخ روح المواطنة و شعور كل فرد بكرامته بحيث يفخر و يتفاخر بأمته، بوطنه الذي نشأ على أرضه و ارتوى بمائه، و أكل من تربته، بحيث يبادل وطنه حبا بحب و عطاء بعطاء. و من ثم يجب غرس روح المقاومة في أنفسنا و عقولنا ووجداننا ، خاصة في وقتنا الحالي فهي فرض "عين" و ليس " فرض كفاية" تعد من ألزم اللوازم، كالماء و الطعام ، في زمن بني صهيون و كيانه الوهمي المسمى " اسرائيل " التي تقضي على كل مظاهر الحياة في فلسطين و غزة الصمود، تقتل الرجال و النساء و الأطفال دون ذنب اقترفوه تقضي على الأخضر و اليابس و كل فعل لابد له من رد فعل ، و هذا لا يتمثل إلا في المقاومة ، و في ثقافة المقاومة التي يجب أن تكون شعارا و مرشدا لكل مواطن من المحيط إلى الخليج .بل حتى فوق هذا الكوكب البيضاوي الشكل. فثقافة المقاومة هي التي جعلت فارسات وفرسان من مختلف الأعمار و الجنسيات يبحرون على متن السفينة مرمره وسفن أخرى من اجل منازلة القراصنة الصهاينة حقوقيا إنسانيا قانونيا في عمق المياه الدولية و أمام أنظار العالم كله من اجل غزة المقاومة و الصامدة حتى أصبحت المعابر بفعل تلك المقاومة السلمية تفتح اتوماتكيا فدماء الشهداء من النشطاء والمتضامنين سممت ليالي نتانياهو و اوباما و فلاسفة الخراب من مهندسي أقفال المعابر و الحصار . و لازال نشطاء أجانب من مختلف الجنسيات ، فعبر عقود متوالية لم تتوقف المذابح التي يرتكبها الكيان الصهيوني في حق أرض فلسطين وشعب فلسطين، أما اليوم ومع ظهور جيل الصهاينة الجدد في الإعلام والنخب العربية وجب علينا أن نتذكر نوعًا آخر من المتضامنين سواء أولئك الذين حسموا أمرهم وجاؤوا للتضامن إلى غزة، أو حتى من التبس عليه ترويج الإعلام الصهيوني فجاء حاملاً الكاميرا يبحث عن الحقيقة، بالتأكيد عنت لهم القضية “أو الحقيقية” كثيرًا حتى يتجاوزوا حواجز الأرض والتاريخ والدين واللغة ويتضامنوا معها، بل وصل الأمر ببعضهم أن دفع حياته ثمنًا لتضامنه مع القضية العادلة التي يؤمن بها. أما في مصر فالقيادة الحالية مفلسة و غير شرعية مثل الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين ، وكسلوك تعويضي عن أزمتها الوطنية العميقة عملت على تدمير الأنفاق و إشعال معارك وهمية في سيناء ، لتصبح مصر فندق مفتوح أمام مخابرات و سياح الصهاينة بل جبهة صهيونية لحصار غزة و إبادة الشعب الفلسطيني و يضيف نفس المتتبعين هل كان أعداد الشهداء في غزة يصل إلى حد الرقم لوكانت هناك قيادة حقيقية في مصر " أم الدنيا" ؟ و الفلسفة حافلة بإبداعات تزرع هذه الثقافة، فإذا رجعنا إلى أفلاطون قبل الميلاد خاصة في كتابه"الجمهورية" وجدنا هناك دعوة صريحة إلى الحرية و التمسك بالوجود، لاسيما عند حديثه عن القوة "الغضبية" التي تمثل طبقة الجند ، و وظيفة الجندي أو الحارس هي رد كل اعتداء على وطنه. ومادام الإنسان حيوان سياسي، فإن هذا الطرح يلزم المثقف بأن يهتم بالقضايا السياسية، و من بين تلك القضايا خاصة في مجتمعنا العربي الحالي قضية ثقافة المقاومة و التحرر، إنها قضية الساعة، بل كل ساعة ، فلا ضمان للوجود و الحياة و البقاء، و الاستمرار ، إلا بأن تكون لدى الإنسان ، فلكل إنسان روح المقاومة و التحرر حتى يتخذ مكانا لائقا به على كوكبنا الأرضي ، فلا يمكن أن نعترف بمثقف إلا إذا أضافه إلى تخصصه و اهتمامه الرفيع،على أساس معرفة شاملة بالأبعاد السياسية و الاجتماعية، و إحاطة واسعة بكل أنواع الفنون و الآداب. و هناك من يجهل ما يحيط به من أحداث اجتماعية و سياسية ، و من هناك لا يعد مثقفا. و نجد تأكيدا على ذلك عند أرسطو في كتابه السياسة، كما نجده في العديد من أقوال الإسكندر الأكبر...و بشكل واضح في كتابات القديس أوغسطين، و هو من فلاسفة عصر أباء الكنيسة، و حين يبين لنا الهدف الرئيسي . ليس الهجوم و الاعتداء على الناس بل رد العدوان، حفاظا على حق كل إنسان في الحياة و الوجود، فالحرب من أجل الدفاع حرب مقدسة و مشروعة، إننا نعيش في عصر لا مكان للضعيف فيه ، و الويل كل الويل للضعيف إذا استبعد فكرة المقاومة و الكفاح ، فإن التحول من الوهن إلى القوة، من العدم إلى الوجود ،و من الموت إلى الحياة ، لا يتحقق إلا عن طريق المقاومة.و هي لا تعبر عن البعد العسكري و الحربي وحده، بل تعني كل ما يمثل الوجود و البقاء من ثقافة و فنون و آداب . لأن القصد ليس الاعتداء على حقوق الآخرين ، بل إنه يمثل الحفاظ على وطني و حياتي و أسباب وجودي و مصيري ، إن ثقافة المقاومة هنا تعد تعبيرا عن إرادة الحياة، و كل إنسان له الحق في الحياة، له الإبقاء على أسباب وجوده و حفظها من الخطر ،إنها تعد شيئا غريزيا، كما يقاوم كل فرد منا العقرب و الثعبان و كل الحيوانات المفترسة، خاصة أذا أدرك أنها تتجه نحو إيذائه و إنهاء حياته. و هذه الفكرة يحاول تمريرها مجموعة من المناضلين و المكافحين عبر الأفلام السينمائية و المسرح لأن تعد معبرة عن فكرة من الأفكار النبيلة و السامية للمقاومة عبر الانفتاح و ليس الانغلاق، الوصل لا الفصل من خلال لغة التواصل، و ليس لغة الانقطاع. إن نشر ثقافة المقاومة يعد معبرا عن كل ما هو مشرق ووضاء، معبرا عن السمو و الاعتزاز و الدفاع عن الكرامة ، وتعني في نفس الوقت انتصار الخير على الشر ، نشر النور حتى ينحسر الظلام تعني أيضا التمسك بتراب الأرض و كل ما يعد نبتا جميلا مبدعا ، تعني إحياء روح الوطن و المواطنة، فإذا لم نتسلح بثقافة المقاومة ، فإن مصيرنا إلى الضياع ، لأنها في ماهيتها تكون تماما كما يكون الشروق مؤذنا ببداية يوم جديد. وأطالب من هذا المقال البسيط بتسمية بعض الشوارع في الدول العربية و الإسلامية و الأمريكية بأسماء من أسهم في خدمة الشعب الفلسطيني ، وخصوصا المتضامنين المرابطين في قطاع غزة أثناء العدوان و الشهداء منهم ، كما يجب تسمية شوارع رئيسية باسم جليلة عياد (60 عاما) أول شهيدة مسيحية سقطت في قصف الاحتلال الصهيوني الذي استهدف منزلها شرق مدينة غزة ، و قد شيعت المسنة عياد إلى مثواها الأخير بعد أن سجي جثمانها في كنيسة القديس برفوريوس للروم الأرثوذكس وسط مدينة غزة. أينما وجد فرعون و جد موسى ففتح من الله ونصر قريب لغزة.