[email protected] شهدت مدينة الدارالبيضاء الأحد الماضي مسيرة مليونية ،عرفت مشاركة كل القوى الوطنية والسياسية والنقابية ومكونات المجتمع المدني. عبر فيها المشاركون عن استنكارهم الشديد للمواقف المتطرفة المتحاملة على المغرب، التي تبناها الحزب الشعبي الإسباني المتطرف على خلفية الأحداث المأساوية والبشعة التي وقعت بمدينة العيون خلال نونبر الماضي ، والتنديد كذلك بالقرار الذي صدر عن البرلمان الأوروبي الداعي إلى إرسال لجنة تحقيق أممية إلى المنطقة للتحقق من الانتهاكات التي قد تكون المنطقة عرفتها بعد تفكيك المغرب لمخيم أقديم إيزيك.فماذا يستفاد من هذه الملحمة التاريخية؟ دفاع الشعب المغربي عن وطنه بعد إخفاق المخزن في حملاته ضد الخصوم : لقد أبان الشعب المغربي من خلال مسيرة الدارالبيضاء عن وحدة صفه وتماسكه ،رغم اختلاف توجهاتهم وانتمائهم ،وهذا يؤكد على أن هناك إجماع الأمة حول قضاياها المصيرية والتي لا يمكن التنازل عنها ولو بشبر،وعبروا كذلك من خلال تلك المسيرة عن حبهم لوطنهم وتعلقهم به ،مما يعني أنهم مستعدون للدفاع عنه من كل المخاطر التي تهدده ،وبالتالي يكون الشعب المغربي قد أرسل رسائل إلى كل من يكن العداء إلى المغرب ، مفادها أن الشعب المغربي هو من له الحق في تقرير مصير قضاياه ،وليس لأحد أخر الحق في التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد. على الشعب المغربي أن يستثمر مثل هذا الإجماع الذي عبر عنه في مسيرة البيضاء ليشمل القضايا الداخلية ،كالعمل من أجل توحيد الصفوف لمواجهة الاستبداد والظلم اللذان يمارسهما المخزن في هذا البلد فالاستبداد السياسي هو الداء الذي يعطل حركة التقدم في المجتمع والحكمة تقول "الاستبداد أصل لكل فساد"، فلا يخفى على أحد الوضع المزري الذي يعيشه البلاد جراء الفساد المهول المتفشي في كل مؤسسات البلاد التي يحتكر النظام بمفرده تسيرها وتدبيرها، ناهيك عن كل ما يمارسه من إقصاء وقمع وتضييق وحصار وتعتيم ،فكل المشاكل والإخفاقات المتكررة التي يتخبط فيها البلاد سببها السياسات الفاشلة للنظام المغربي ، ،فالوطنية لا تعني فقط الدفاع عن حوزة البلاد من الإخطار الخارجية التي تهدده بل تمتد كذلك إلى المساهمة في بناء الأمة والحرص على كل ما يؤدي إلى تحقيق الازدهار للبلاد في مختلف الميادين،وهذا لا يتأتى إلا بتوحيد الصفوف ضد المفسدين والمستبدين . إذا كان المخزن تهمه مصلحة هذا البلد وشعبه فيجب عليه أن يعبر عن ذلك من خلال التوقف عن ممارسة الظلم والاستبداد ضد الشعب وان يحقق تنمية حقيقية للبلاد ،وان يعمل على محاربة الفقر والهشاشة وان يستجيب لكل مطالب الشعب المغربي التي تضمن له العيش الكريم ،وان يقوم بإشراك الشعب في صنع القرار وكل هذا لا يتأتى إلا إذا تم تعديل الدستور الممنوح وتغييره بدستور يساهم الشعب بمختلف مكوناته في إعداده والمصادقة عليه ومتابعة حسن تطبيقه، إخفاق الدبلوماسية المغربية في صد المواقف العدائية ضد البلاد : لقد فشلت الدبلوماسية المخزنية مجددا في التصدي للمواقف العدائية ضد المغرب ،وهذا يؤكده التجاء المخزن لمكونات الشعب المغربي من أجل تنظيم مسيرة شعبية استنكارية للمواقف العدائية الصادرة من الحزب الاسباني وقرار البرلمان الأوروبي،مما يعني أن الدبلوماسية الرسمية جد ضعيفة ،بحيث أبانت في مختلف الأزمات والملفات عن فشلها الدريع في حلها وهذا راجع إلى استمرار المخزن في نهج الأسلوب الدبلوماسي القديم والذي أصبح لا يصلح في عصرنا الحالي ،وبالتالي فالمخزن لا يلجأ إلى التحرك الشعبي ومبادرات المجتمع المدني وعلاقات الأحزاب الخارجية التي تعتبر نوعا أو أسلوبا دبلوماسيا يواكب العصر إلا عند فشل الدبلوماسية الرسمية في حين يجب أن يتم استثمار الدبلوماسية الموازية باستمرار وأن لا يتم تقيدها بمناسبات وظروف معينة ،وبالتالي يجب تقوية هذه الدبلوماسية المعاصرة بشكل تصبح قوة ضاغطة ومؤثرة على صناع القرار العالمي تشتغل بالموازاة مع الدبلوماسية الرسمية. وتجب الإشارة إلى أن كل الاحدات الأليمة التي وقعت لا ينبغي أن تؤثر على علاقات حسن الجوار مع المحيط الإقليمي المغاربي والدولي الأوربي وعلى المصالح المشتركة؛ وبالتالي يستدعي هذا تشجيع الدبلوماسية الغير الرسمية لتواصل مع نظيرتها الجزائرية والاسبانية والأوروبية ومع باقي دول العالم قصد تحقيق تفاهم بين الأطراف بشكل يحترم كل طرف سيادة الآخر والكف من التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد ،لان ذلك يسئ إلى مشاعر الشعب خاصة إذا تعلق الأمر بقضايا مصيرية . أحزاب لا تتحرك إلا إذا حركها المخزن: الملاحظ للشأن الحزبي بالمغرب يجد أن هذه الاحزات أصيبت بالشيخوخة بحيث أنها لا تظهر إلا في بعض المناسبات وبشكل باهت ،فهذه الأحزاب أصبحت لا تعبر عن هموم الشعب ،فهي تجري وراء مصالحها الضيقة ،فكل الأحزاب تمخزنت ، يمكن أن اعتبرها بأنها جزء لا يتجزأ من مؤسسة القصر لأنهم في كل مرة يتبنون مشروع وأفكار المخزن التي تهدم أكثر مما تبني ،فلا نكاد نسمع حزب يحمل مشروعا مجتمعيا يناضل من أجل تحقيقه ،بل بالعكس نجد الملك هو من يبادر دائما ( المبادرة الملكية للتنمية البشرية ، مشروع الحكم الذاتي مبادرة ملكية ، مبادرة الجهوية الموسعة ) وهلم جر ،فأين مقترحات الأحزاب ومشاريعها المجتمعية ، لاشك أن الإخفاقات المتوالية لبلادنا في مختلف الميادين تأتي بسبب انفراد الملك بكل شيء في هذا البلد ،ومما لاشك فيه أن المبادرات الأحادية مآلها دائما الفشل ،وبطبيعة الحال فالوضع الذي تعيشه هذه الأحزاب يتحمل المخزن قسطا كبيرا من المسؤولية في ذلك فهو الذي ساهم في تمييع العمل الحزبي وإفشاله بشكل يمكن له احتكار كل المؤسسات بمفرده وهذا هو مكمن الداء بهذه البلاد. معالجة أصل الداء: إن الهجمات المعادية التي تعرض لها المغرب من قبل خصومه لا يمكن أن تنسينا المطالب التي طالب بها النازحون الصحراويين فهي مطالب مشروعة وعادلة ، وترك معالجة الملفات الاجتماعية التي كانت وراء الاحدات ستجعل الوضع يتأزم أكثر وهو ما سيستغله خصوم المغرب من جديد ،فالصحراويون متذمرون جدا من تجاهل المخزن لمطالبهم المتمثلة أساسا في السكن اللائق والتشغيل وتحسين ظروف عيش الساكنة ولاشك أن السياسة المخزنية المعتمدة في المنطقة هي التي كانت وراء اعتصام المواطنين الصحراويين بمخيم أكديم ازيك وهو الأمر الذي يحتم على المخزن تغيير سياسته في كيفية تدبير شؤون هذه المناطق الصحراوية ،وهذا يستدعي من الجهات المسؤولة العمل من أجل تنفيذ مشاريع تنموية كبرى شاملة مع عدم إغفال مراقبتها على أرض الواقع ، بشكل يضمن لكل سكان الأقاليم الصحراوية العيش الكريم، وأما من يظن أن هذه الأقاليم تعرف تنمية كبرى فهو مخطئ ،فهذه المناطق تعيش تهميشا كبيرا ولاشك أن السبب يرجع إلى الفساد المنتشر بكثرة في مؤسسات هذه المناطق ،وبالتالي لا يجب علينا حجب الشمس بالغربال فالواقع يعبر على نفسه. كما يجب على النظام المغربي تمكين المواطنين الصحراويين من التعبير عن أرائهم بحرية ،وأن يتم إشراكهم في تدبير شؤونهم بأنفسهم واستشارتهم في كل ما يهم قضاياهم ،فهم يعانون من إقصاء كبير ،وهذا يلاحظه الجميع ،وعلى رأسهم الصحراويين بأنفسهم، فهم مغيبون جدا في المنابر الإعلامية الوطنية العمومية . كما يجب على الجهات المسؤولة السماح بإجراء تحقيق نزيه ومستقل حول ملابسات الاحدات المؤلمة التي وقعت بالعيون بدون الانحياز إلى أي طرف . ، لاطلاع الشعب على الحقيقة التي دفعت إلى وقوع تلك الإحداث. الإسراع من أجل إيجاد حل نهائي لقضية الصحراء : إن الاحدات المؤلمة التي شهدتها العيون وما ترتب عنها يندر بكارثة بالصحراء ،وبالتالي يتطلب من المعنين تجنب ذلك من خلال الإسراع من أجل إيجاد حل سلمي وعادل للقضية ينبني على تدبير تشاركي منفتح على جميع القوى الوطنية ،بعيدا عن الاحتكار الرسمي للقضية ،والتدخل الأجنبي والأجندة الاستعمارية . إن مسيرة البيضاء يجب أن لا تبقى حدثا عابرا بل يجب الاستمرار في نفس النهج ،وأن تكون الانطلاقة الفعلية لمسيرة التنمية بالبلاد ،وذلك بتحقيق برامج تنموية كبرى هادفة تمكن من تجاوز الأزمات والمشاكل التي تقف حجر عثرة أمام تنمية هذه البلاد المباركة ،والعمل على فضح كل المفسدين الذين يسعون إلى احتكار تروات البلاد وتضييعها في مالا ينفع .