قريبا سيصبح مرجان جزءا من حياتنا اليومية، حيث سيأخذ نصيبه المحترم من أحاديثنا و ثرثرتنا و رسائلنا القصيرة و الطويلة و واجهات بيوتنا و شوارعنا، و كذا سيكون حاضرا بقوة في مناسباتنا و أعيادنا و أفراحنا و مشكلاتنا و رواتبنا و ما لا يعلمه إلا الله الذي يعلم السر و أخفى. يعني أننا في هذه المدينة الصغيرة، التي لن تعود صغيرة، مقبلون على تحول كبير في نمط حياتنا و رؤيتنا للأشياء و للعالم من حولنا، تحول سندخل فيه عالم الاستهلاك المرجاني من أوسع أبوابه – و هل يعقل أن تكون أبواب مرجان ضيقة؟!-...حيث سيصبح للاستهلاك طعم خاص و مقدمات بديعية تجعله يختلف عن الاستهلاك الجاف و اليابس الذي تعود عليه الناس و ألفوه و تطبعوا معه لسنوات و سنوات..إذ عوض أن يذهب الواحد منا إلى "مول الحانوت"، الذي لا يكون، في الغالب، لهندامه و هيئته و كلامه علاقة بالحرفة التي يمتهنها، و يعطيك الخبز بيدين اتسختا بقنينات الغاز أو تعطرتا برائحة"جابيل" المعد للبيع بالتقسيط الممل أو ما شابه ذلك من "التخنفيس"، و الذي قد لا تسعفه أدبياته المتواضعة ليفكر قليلا و يضع لك الخبز في كيس أو يلفه في أوراق منزوعة من دفاتر و كراسات المتمدرسين، إلا بعد أن تطلب منه ذلك!..عوض هذا العناء كله، سوف يمكنك أن " تشري و تنزه" في الآن ذاته، و تتجول بين أروقة "المرجان" و "تخضر عينيك" بأصناف البضائع المصففة على الرفوف و هي تمارس إغراءها عليك في كل حين، و لن تشعر إلا و أنت تملأ بنفسك سلتك المتحركة بما تشتهيه نفسك و تحرضك عليه رغباتك، لينتهي بك المطاف في طابور منتظرا دورك لتستخلص منك الفتاة الأنيقة تلك الدريهمات " لي مسخنات عليك جيوبك"!..و تخرج من الباب الأوتوماتيكي مثل بطل سينمائي شهير يحمل بيديه أكياسا مرجانية كما لو كان عائدا لتوه من رحلة ممتعة و مشوقة في بلاد العجائب! وإذا ما عرفنا أن أرباح سلسلة أسواق مرجان المملوكة للشركة الوطنية للاستثمارات هي أرباح خيالية، حيث وصل صافي ربحها سنة 2011 إلى 4.3 مليار درهم، فإن الذي يعنينا نحن في هذا الأمر، هو أن نتساءل عن نوع الاستفادة التي يمكن أن نستفيدها من مثل هذا المشروع الذي لا يهمه في الأول و الأخير غير مخاطبة بطوننا و دغدغة نزعتنا الاستهلاكية المتوحشة!..ألم يكن من الأجدر لبلدية هذه المدينة، أن تشترط على الشركة العملاقة أن تخصص نسبة معينة من أرباحها من أجل استثمارها في تنمية المدينة و تأهيل ساكنتها و المساعدة في حل مشاكلهم الاجتماعية و الاقتصادية؟..أليس السكان يعانون من ضيق الأفق و قلة فرص الشغل و غياب الأوراش التي بإمكانها أن تستوعب فئات خاصة و تدمجهم في الحياة الاجتماعية؟...أما السلع، فإنها أصبحت تحاصرنا حتى في بيوتنا و تطرق علينا الأبواب صباح مساء مسببة لنا التخمة و عسر الهضم و التبلد و غيرها من الأمراض المستعصية...نعلم أن منتخبينا، قد لا يفهمون و لا يستوعبون مثل هذه الملاحظات المدرسية، و أن ما يعنيهم بالأساس هو غير ما يعنينا، و أنهم بقدر ما نجحوا في ممارسة سيطرتهم الصامتة على أصواتنا الموسمية، بقدرما نجحوا في تسليم الدور لسوق مرجان ليمارس هو الأخر سيطرة صامتة، أكثر ضررا و توحشا، و لكن هذه المرة على جيوبنا و دريهماتنا و نمط حياتنا.. بقي أن نشير لقرائنا أن سمعة ضيفنا الجديد كانت سيئة، فلم تستطع بهرجته و طلاسمه أن تحجب عيبه الكبير المتمثل في كونه، كان دائما و أبدا قبلة للسكارى، يحجون إليه أفواجا أفواجا في نهاية كل أسبوع، يقفون بلا كلل أو ملل في طوابير طويلة بعد أن يكدسوا في سلالهم أطنانا من الخمور بألوانها و أنواعها المختلفة و كأنهم على موعد مع جنة الأرض التي تنسيهم هموم دنياهم...مما دفع واحدا من العلماء المغاربة، ليحرم التعامل التجاري مع ضيفنا. إلا أن خبرا كان قد نشرته الصحف في وقت سابق يفيد بأن مرجان " تنادم عليه الحال" و عاد إلى رشده و تاب إلى ربه و قطع مع "ديك البلية" و لكن بالتدرج!..يعني أنه أوقف بيع الخمور فقط في بعض نقاط بيعه..أما الأخرى فإلى أن يصلها الدور و يبلغها التحريم!..إلا أن الذي يقلقنا هو أن أننا نعلم أن توبة مثل هذه الشركات أشبه بتوبة فرعون الذي لم يؤمن إلا بعد أن أشرف على الغرق، و الذي يقلقنا أكثر هو أن تكون مدينة كلميم واحدة من المدن المرجانية التي لم تصلها توبة هذا الأخطبوط، فينطبق عليها المثل المغربي " أش خاصك ألعريان؟ خاتم أمولاي!" فلله الأمر من قبل و من بعد، إليه نشكو ضعفنا و نسأله حسن الخاتمة...