ما الذي ستفعله إذا ما رأيت الملك و هو يمر بجوارك أو ربما ينبثق أمامك مباشرة؟.إنه سؤال لذيذ يدغدغ في نفوسنا تلك الأمنيات الحالمة و الرغبات الطفولية التي علقت بلاشعورنا و نحن نقرأ كتاب ألف ليلة و ليلة أو نستمع لحكايات جداتنا قبل أن نغط في نوم عميق. هذا السؤال أو الحلم اللذيذ و الذي يستهوي الكثير منا، يكشف عن جانب مهم من ثقافتنا التي تصور لنا العالم على أنه مجموعة من الأعطيات المجانية و الفرص العمياء التي ينبغي تصيدها، إن بذكائنا أو حتى بتملقنا و خنوعنا. لذلك ارتبط"النجاح الاجتماعي" بمفهوم"الحظ"، ليس بمعناه اللغوي أو القرآني و الذي يفيد النصيب، ولكن بمعنى الصدفة و التي نسميها في قواميسنا الشعبية غير المكتوبة ب"الكوراج" أو "الزهر". لذلك فالذي يمسي و قد جنى ربحا وفيرا، راجع لكونه ذا "كوراج" عظيم، و الذي يصبح وقد وجد نفسه معدما لا يجد ما يسد به رمقه و ألم الجوع الذي ينغص عليه نومه و يقظته، راجع لكونه"ماعندو زهر"، و هو نفس المعنى الذي تستبطنه كلمة"مزلوط". هكذا يتم اختصار المسافات بهذه السرعة و يتم إصدار الأحكام على النتائج دون النظر إلى مقدماتها و وسائطها، و هكذا أصبح مطلوبا منك، في مجتمع كمجتمعنا، أن تنجح فقط، أي أن تحصل على المال و مزيد من المال، و لا يهم الطرق التي تتوسل بها في ذلك! حتى تثبت لنفسك و للآخرين أنك محظوظ و تزيل عن نفسك تهمة "سوء الحظ" و"الزلط". أما أن يكون طريقك إلى الثروة سريعا و غير مكلف أو متعب، فستكون نموذجا تضرب به الأمثال و يذكرون اسمك في جلسات الشاي و السمر..بل أكثر من ذلك، سيجعلون منك قدوة للقيم التي يريدون تعليمها لصغارهم!...فإذا ما أتيحت لك فرصة مشاهدة الملك و الاقتراب منه، فيمكنك عندئذ أن تعيد تاريخ ألف ليلة و ليلة و تحييه من جديد..إنك، في هذه الحالة، مثل الصياد الفقير الذي قاده الحظ ذات صباح ليعثر قرب الشاطئ على " فانوس سحري" يخرج منه مارد من الجن يسأله عن أمنياته ليحققها له، فيعود الصياد فرحا سعيدا ليوقظ زوجته و قد حمل معه مفاتيح كنوز الذهب و هو يترنم بكلمات أغنية" بودعك.."!.. الآن، ليس ضروريا أن تكون صيادا، نقصد صيادا للأسماك، و إن كان من المطلوب أن تكون صائدا للفرص، كما أنه ليس شرطا أن تكون محتاجا و بسيطا و متواضعا لتكسب تعاطف الغير، فربما مثل هذه الصفات هي التي يمكن أن تمنع الحظ من أن يحط رحاله في "رحبتك". كما أنه ليس شرطا أن تستيقظ مبكرا، كما فعل الصياد، فالذي تترصده و تقتفي أثره قد لا يكون من عادته أن يستيقظ في مثل هذه الأوقات. و تذكر جيدا، أن لا تسال الملك، عندما تقابله، أموالا و ذهبا، فهو لا يحمل مثل هذه الأشياء معه في ترحاله و تجواله، و لكن إذا سألت فاسأله " ڴريمة"، و لا تنس أن تدس في جيبه- لا أعلم إن كانت له جيوب- ظرفا مكتوبا عليه اسمك و أمنيتك حتى يتذكرك إذا ما أنساه الشيطان ذكرك.عندئذ تكون من الذين أنعم الله عليهم بدجاجة تبيض ذهبا، لا تكلفك شيئا في إطعامها، فتتكئ على جنبك المريح، و تغير قنوات التلفزيون بيد و تحتسي الشاي باليد الأخرى و أنت تردد في قرارة نفسك: "الله إخلي لينا المخزن لي يبرعنا و يحمينا من عيون الحساد و المغيارين.."! لكن سي "رباح" غفر الله لنا وله، حرك الوحل من تحت الماء الراكد، فأثار شهية الفضوليين ليفسدوا على "المحظوظين" سكينتهم و يدخلون الرعب إلى نفوسهم، حيث أصبحوا يعانون من كوابيس مزعجة تؤرقهم يرون فيها ذواتهم و قد انتزعت منهم الدجاجات التي كانت تبيض لهم في كل شهر بيضة –و بعد ما تبيضها تقول كي كي..-!. لقد كان على "سي رباح" الله يربحو أن يعلم أن عملية الفطام هي أصعب مرحلة يمر منها الإنسان في حياته، ففيها من القسوة و الألم و الحنين ما لا يعلمه إلا الله عز و جل، لذلك لن نجد مواطنا مستعدا ليفطم مرتين، مرة من حليب أمه و الثانية من "ڴريمته"! لذلك استبق المحظوظون الأحداث، و خرجوا يدافعون عن أنفسهم و عن استحقاقهم للنعمة التي فضلهم بها الله على العالمين جزاء لجهدهم و خدماتهم التي أسدوها لهذا البلد...حتى الذي كان يأمر الناس بالمعروف و ينهاهم عن المنكر و الفواحش فطن إلى أنه يستحق هو الآخر تعويضا قبل أن يجف عرقه!.."و زمان القيم المادية هذا..كلشي بالفلوس!"..نسأل الله أن يرزقنا العفاف و الكفاف و عزة النفس التي تمنعنا من سؤال الناس، و أن يجعل خير أعمالنا خواتمها، إنه سميع مجيب.