كثيرة هي الربورتاجات التي أنجزت من طرف عدة طواقم صحفية من إذاعات ووكالات، ومنابر إعلامية، ورقية وإليكترونية، ومن قنوات تلفزيةأرضية وفضائية، مغربية وشرقية عن المدرسة العلمية العتيقة سيدي وگاگ، في سعي منها إلى الإحاطةبهذه المعلمة والتعريف بمؤسسهاوبتاريخها وإشعاعها الديني والعلمي على مدى عدة قرون، غير أن قلة قليلةمن هذه الأعمال الصحفية هي التي اتسمت بالاحترافية وبالجدية، وكانت لذلك جيدة في التناول شكلا ومضامين، فيما ظل معظمها قاصرا عن الإيفاء بالمطلوب، وذلك بما شابها من تسرع وارتجالية، وافتقار للوعي بضرورة الالتزام بتحري التواتر، و التشبثبالأمانة والقيم العلمية عند جمع المادة المعرفية ذات الصلة، فكان من جراء كل ذلك تقديم معطيات غير صحيحة، ونشر مغالطات تسيء، من حيث تدري أولا تدري، لهذه المنارة العلمية العريقة. وقد نبهنا في "مركز اگلو للبحث والتوثيق " غير ما مرة إلى مثل هذه الأخطاء، وعملنا على تفاديها بالمشاركة الفعلية في بعض من هذه الروبورتاجاتعند إعدادها، وراسلنا في شأنها الجرائد الألكترونية والورقية التي وقعت فيها، فحررنا في هذا السياق مقالا تضمن مؤاخذاتنا على ما نشرته جريدة ( الجنوبية)في عدديها الرابع/ 20 يونيو 2012 م، والخامس/ 1 غشت 2012 م، تحت عنوان:"مدرسة سيدي وگاگ أول مدرسة عتيقة ظهرت في المغرب"، وقد تجاهلت الجريدة مؤاخذاتنا هذه، ورفضت نشرها، فتفضلت بعد ذلك جريدة (أخبار الجنوب) مشكورة فنشرت المقال. أكثر هذه الأخطاء شيوعا تطال أكثر ما تطال ما يساق لمقاربة تساؤلات عن ماضي هذه المدرسة وعن حاضرها، عن تاريخ وسياق نشأتها مثلا، وعن شخصية مؤسسها، وعن مواردها ونظام تسييرها، كما عن مناهج وطرق التدريس بها، وعن شيوخها وخريجيها، و الأدوار التي أدتها في التاريخ السياسي والديني والعلمي والصوفي للمنطقة وللمغرب والغرب الإسلامي بشكل عام،إذ أن كلا من هذه التساؤلات يشكل قضية أو إشكالية قائمة بذاتها،تتطلب مقاربتهامن شروط البحث والتحري ما ليس بالضرورة من مواصفات العمل الصحفي السريع، ومن ثم فإنا لا نطالبه باستيفاء كل هذه الشروط بقدر ما نطالبه على الأٌقل بالحفاظ على بعض ما أضحى معروفا من خصوصيات هذه المدرسة،ومنها ما يلي: عراقتها وارتباطها إلى حد التماهي مع مؤسسها سيدي وگاگ على مدى أكثر من ألف عام، وما زالت كذلك إلى اليوم. أنها في الوقت ذاته رباط، ومدرسة، ومسجد، وضريح، وقلعة دينية وصوفية، أي أنها متعددة الوظائف والأدوار والمهام. أنه بالعلاقة مع تعدد مهامها هذه تحددت هيكلتها التنظيمية والتربويةفي شكل طورين تعليميين مستقلين ومتمايزين،لكنهما متكاملان، يفضي أولهما إلى ثانيهما، طور التعليم الأولي وحفظ كتاب الله، ويشرف عليه مدرر أو مقرئ، ثم طور تلقين و تلقي علوم اللغة العربية ومختلف العلوم الدينية ويشرف عليه فقيه متمكن من هذه العلوم. بالإضافة إلى مهامه التعليمية فالفقيه هنا هو عميد المدرسة وإمامها وخطيبها والمشرف على تدبير مختلف شؤونها، فيما تنحصر مهمة المقرئ في الإقراء، وقد ينوب عن الفقيه/الإمام في بعض المهام متى ما كان هذا الأخير غائبا أو لهذا السبب أو ذاك. تقوم الموارد الاقتصادية للمدرسة على ما تم وقفه عليها من العقارات والأراضي الزراعية البورية منها والسقوية،ومن العديد من حصصالاستفادة من مياه عين البلدة،بالإضافة إلى الأعشار والعطايا والصدقات، وتسهر القبيلة على استغلالوصرف ما يتحصل من هذه المصادروفق تقاليد وأعراف عريقة. بالعلاقة مع مهامها الآنفة أيضا تحدد منهاجها التعليمي من حيث أهدافه ومواده، وتحددت وسائلها التعليمية وطرق التلقين والتلقي بها، وكذا أساليب التقويم ومواصفات المتخرجين منها والمهام التي سيتولون مزاولتها. تربط بين "لمدرست" كما يسميها الأهالي مع رمزهاوگاگ وبين قبيلة أگلوشبكة من العلاقات والطقوس الضاربة في عمق التاريخ، وهي ذات أبعاد اجتماعية وثقافية وربما وجودية،تعهدتها السنوات الألف ونيف الماضية، ورسّخت لها في الوجدان الجماعي تصورا تآلف فيه ما هو أسطوري وما هو واقعي. هذه في تقديرنا بعضالمعطياتالتي أضحت متداولة في مختلف المراجع والمصادر بما يكاد يكون إجماعا عن المدرسة العلمية العتيقة سيدي وگاگ، وهي مع ذلك لا ترفض المزيد من المراجعة والتمحيص، ولا تحول دون إضافة غيرها مما قد يكشف عنه الجديد من الدراسات والأبحاث العلمية. هذا، وعلى مدى أكثر من ألف سنة تخرج من هذه المدرسة بجناحيها القرآني والعلميما شاء الله من قراء وعلماء، على أيدي ما شاء الله من الأئمة والشيوخ، أما حاليا، أي عام 2015 م، ومنذ ثلاثةعقود زمنية كاملة، فالذي آلت إليه مقاليد عمادتهاوإمامتها، وتدريس العلوم الشرعية بها هو الفقيه العالم العلامة سيدي محمد بلمكي بن أحمد بن عبد الله البوجرفاوي، وهو سليل أسرة درّس أقطابها وعلّموا بأبهاء هذه القلعة منذ جدهم الأعلى مقرئ القراءات العشر الشهير سيدي أحمد أنجار المتوفى 1286ه ( خلال جزولة ج1 ص 78 ). أما الجناح القرآني فإن الذي يشرف عليه حاليا هو المقرئ سيدي محمد وسميح، وهو من تلامذة الفقيه البوجراوي ذاته، ومن خريجي المدرسة ذاتها، وقد تولى هذه المهمة بعد تخرجه منها منذ ما يزيد عن عقدين من الزمن، وهو مقرئ جيد متمكن من كتاب الله، و متقن لبعض قراءاته، وإلى جانب أداء مهامه التربوية فهو الذي يشرف حاليا على تدبير موارد المدرسة الاقتصادية، ذات الصلة بإيواء وإطعام الطلاب وما يرتبط بذلك من مهام، وذلك بعد غياب مسؤولي الجمعية الإحسانية التي عهد إليها بهذا التدبير، وتراجع أداء الجمعية تدريجيا إلى أن أضحت مشلولة بشكل كلي، فكان خير بديل لهذه الجمعية في مزاولة هذا التدبير،ولله الأمر من قبل ومن بعد.