السي بنكيران . أكتب إليكم رسالتي هذه مع بدء الموسم الدراسي العشرين لي ك"معلم دولة" ،و أنا بعد لم أكمل دورتي التاسعة و الثلاثين حول الشمس . فقد كنت، خمسة وخميس علي، من بين أصغر معلمي المغرب يوم تخرجت و تعينت ذات خريف أواسط التسعينيات ، و أحمد الله شاكرا و ممتنا لنعمته أن العديدين ممن تتلمذ على يدي قد صاروا ذوي شأن عظيم ( ها اللي استاذ ، ها اللي مهندس دولة ،ها اللي بوليسي ، ها اللي شاف شانطي ،ها اللي معطل و زيد و زيد … ) . المحظوظ منهم صار "كادرا" و المنحوس اكتفى بكونه "كوادرو" يؤطر مشاهد الحياة العبثية . ومن بين من شطحت لهم القردة فتيات قليلات ، فأنتم أدرى مني بعدد الصعوبات و العراقيل المرفوعة في وجههن ،و لعل " العرقول" الأكبر كون الكثير من الاباء ما يزال يؤمن ، مثلكم تماما ، أن مكانهن المنزل و وضيفتهن الاشتعال ثريات تضئن أو شمعات تحترقن كي تنار الوجوه المكنززة لأزواجهن و المفعلصة لأبنائهن السي بن كيران . بالأمس اكتشفت أن إحدى تلميذاتي هذه السنة سبق وأن درست أمها منذ زمن بعيد . و لأني ما أزال في ريعان شبابي ، خمسة وخميس علي مرة أخرى ، فلا شك أني سأدرس ابنتها بعد حين و حفيدتها بعد حين ثالث ورابع ، لأنكم بصدد جرجرتي حتي سن الخامسة و الستين : في نفس القرية فحركتكم الانتقالية قد صارت جمودا دائما و في حال ململتها لا يستفيد منها غير أصحاب البركات ممن لهم خالة نقابية في العرس الانتقالي … و في نفس المهنة لأنكم تمنعونني من متابعة دراساتي العليا التي يمكن لشهاداتها تخويلي فرصة الالتحاق بأحد الدواوين مديرا أو الجامعات أستاذا أو الوزارات مستشارا كما هو حال معلمي و أساتذة حزبكم العتيد الملتفون حولكم هناك بالعاصمة . السي بنكيران من هم على شاكلتي في الدول التي تحترم عطاءات أبنائها لا شك أنه قد أحيل على شي قرينة كحلة ، موشحا بالترقيات المعنوية الكافية ليبدع و ينتج أكثر و التحفيزات المادية الكفيلة بتغطية مصاريف عطله السنوية بلاس بالماس أو تاهيتي . عكسي أنا، تماما، المكبل بنصائح أمين نقابتكم بالسفر في الذات و الاستمتاع بشمس و رمال و مياه الروح و الخاطر، و المظطر بعد كل سفر في تفاصيل و تلابيب و تجاعيد النفس لاقتراض مزيد من الصبر و الجلد لأتابع موسمي الدراسي الجديد . السي بنكيران لكم أن تتخيلوا ما أنا ملزم بتحمله إذا ما قررتم ، سعادتكم، تمديد سن التقاعد : إنها ستة و أربعون موسما دراسيا كاملا (كل موسم ينطح أخاه) . و أنا معكم أتصورني أحضر و أجتهد ، أنشط و أدبر ، أيسر و أمرر بحركاتي و قفشاتي و دعاباتي . و على نفس مستوى حماستي يتفاعل التلاميذ و التلميذات . يراقبون بالصوت و الصورة كيف يغزو الشيب رأسي و التجاعيد وجهي و الأمراض جسدي النحيل سكرا و ضغطا و كوليستيرولا… أتصورني متجها نحو المدرسة بالنفس ذاته ، و في القسم أحنقز و أطير من المقلاة بالإيقاع عينه ، أصول و أجول بين الطاولات شارحا ، موجها ، محفزا أطفالا في سن حفيد ابني (لا تستعجبوا السي بنكيران فقد تزوجت في سن مبكر أيضا ) السي بنكيران . سأضطر للعمل مدرسا لمدة لا تقل عن ستة و أربعون سنة ( حفظني الله و إياكم من العين و الحسد ) و صندوقكم البئيس هذا لم و لا و لن يتوقف يوما عن الاقتطاع من راتبي ، بل و ستزيدون الفيل فيلة إضافية تجعل مني أكبر ضحية لإصلاحكم الجديد ، إذا ما أطال الله في عمري و رزقني كرم و كرامات الصندوق بعد سنة 1951 . السي بنكيران . بناءا على كل ما سبق، و بالنظر لما أنتم علبه من حيرة ، و رغبة مني في رفع الحرج فإني ألتمس منكم الأمر بإغلاق الصندوق نهائيا و الاستعانة بما بقي فيه من بركة لتغطية مصاريف خلواتكم الحكومية هنا و هناك. أو على الأقل ، و هذا ما أتحمل مسؤوليتي فيه كاملة ، إيقاف مساهماتي الشخصية في الصندوق و التبرع برصيدي منه لصالح من توقفت أجرته بدواوين وزاراتكم . أقول هذا ،السي بنكيران ،لأني قد قررت من جهتي التعاقد مع تلامذتي السابقين و اللاحقيين ، الله يرضي عليهم ، و بشكل حبي لا يخلو من عاطفة ، ليخصص كل مشتغل منهم مبلغ 30 درهما شهريا للمساهمة في تغطية تعاقدي ، و بذلك سأحصل على مبلغ 3 مليون سنتيم شهريا إذا ما افترضت أن مجموع عدد تلامذتي طيلة السنوات الستة و الأربعون لن يقل عن الألف . نعم السي بنكيران ! إنه مبلغ أكبر بكثير مما تعدونني بتلقيه من صندوقكم بعد ربع قرن ينتظرني فيه الكثير من الكد و الهد و الصد . في الأخير ، و رغم كل انفعالي المبرر ، تقبلوا السي بنكيران فائق الاحترام ، و الله يحسن عوانكم