في سابقة هي الأولى من نوعها مجلس بلدي سيخرج للاحتجاج ضدا على تماطل السلطات المحلية في التصدي لظاهرة الباعة المتجولين، فالمجلس البلدي لتيزنيت، الذي يرأسه عبد اللطيف أعمو عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ونائبه الاول الحسن البنواري النائب البرلماني الاتحادي، يخوض مند مدة حربا صامتة مع عامل تيزنيت سمير اليزيدي صديق دراسة الملك وباشا المدينة بسبب تحديد المسؤوليات حول من يساهم ويرعى ظاهرة الباعة المتجولين بالمدينة، وهي أزمة لن تتكرر في أي مدينة بالمغرب غير تيزنيت وكأن القانون لم يحدد صلاحيات العامل ورئيس البلدية، بل متى كانت الداخلية تتنازل عن صلاحياتها للمجالس المنتخبة ! في رأينا المتواضع نرى أن مشكل الباعة المتجولين يستدعي مقاربة اجتماعية تراعي حق هذه الفئة في العيش الكريم، كما أن الحفاظ على الجمالية والنظام في الفضاء العام مسألة لاجدال فيها، ولكن في المقابل هناك دائما شئ مما يبعث الحياة في المدن، وهي بعض تعبيرات الفوضى والاقتصاد غير المهيكل، وهذه نجدها حتى في كبريات المدن العالمية، مابالك بمدننا التي لا تحمل من جينات المدن الحديثة غير الاسم اقتصاديا وسوسيوثقافيا.. وعودة الى موضوع مقالنا، فالمجلس البلدي يعتبر مسألة التصدي للباعة المتجولين من صميم مهام السلطات المحلية وأنه استنفذ كل صلاحياته، في حين ترى السلطة أن هناك مستشارين جماعيين يغضون الطرف عن "الناس ديالهوم" المحتلين للملك العام… ولكن هل حقا الى هذا الحد يعجز المجلس البلدي والسلطات المحلية في تدبير هذا الملف على غرار باقي المدن المغربية؟ ألايمكن اعتبار هذا الملف مجرد واجهة شكلية لصراع خفي تعيشه المدينة بحسابات انتخابية وايقاعاتها مظبوطة على زمن انتخابي مفتوح على كل الاحتمالات؟ هل ممثلي وزارة الداخلية بالمدينة "بغاو الخدمة" في التحالف المسير للمجلس البلدي الحالي؟ و ان هذه التجربة في نظرهم استنفذت زمنها الافتراضي وقد آن أوان نهايتها؟ نعم فكل المؤشرات تذهب الى العودة القوية لوزارة الداخلية عبر آلية الظبط والتحكم سواء في تحديد زمن الاستحقاقات الانتخابية أوفي الاشراف العام وإعداد المراسيم والقوانين الانتخابية. لهذا نرى أن تأجيج الصراعات والمشاكل بين البلدية والتجار الصغار المتذمرين من الباعة المتجولين هو مدخل من مداخل زعزعة القاعدة الانتخابية لأعمو والبنواري، لأن التجار الصغار والمتوسطين يشكلون رقما مهما في معادلات الانتخابات بتيزنيت، مادام الأعيان الكبار ينحازون دائما للسلطة وان مصلحتهم كلوبي مالي وعقاري ليست مع هذه التجربة الجماعية، دون ان ننسى ان هؤلاء الاعيان الكبار كان لهم اسهام كبير في صنع بدايات هذه التجربة الجماعية في التسعينات من القرن الماضي ولكن سرعان ما فك اعمو الارتباط معهم، مادام هذا الارتباط مكلف تنمويا وسياسيا لأعمو وبنواري، وخاصة انه هذا اللوبي الاقتصادي انتعش بالريع والامتيازات في أوج تحكم ادريس البصري ووزارة الداخلية بمفاصل السياسة والاقتصاد بالمغرب.. ولكن علاش بغات الداخلية الخدمة في تحالف اعمو والبنواري؟ كمتتبعين للشأن المحلي فالسلطات المحلية تدبر الشأن المحلي مع مجلس بلدي مسيس وواع بصلاحياته، ويتعذر على أي عامل اخضاعه وترويضه لصالح سلطات الوصاية ، )طبعا بلدية تيزنيت ليست في مستوى جرأة تجارب قريبة منا كالوحداني في سيدي افني او القباج في اكادير( و دون ان نغفل المعارضة التي يمثلها فريق العدالة والتنمية في المجلس البلدي والذين يساهمون هم أيضا في تصليب وتقوية هذه التجربة بقوتهم النقدية والاقتراحية. كما ان لحظات مفصلية لايمكن ان تنساها الداخلية لأعمو والبنواري، وخاصة حين انحاز فيها المجلس البلدي للحركات الاحتجاجية بالمدينة وانصت لنبضها ، مثل ما حدث اثناء الاحتجاج على المحطة الحرارية حيث امتثل المجلس لتوصية الحركة الاحتجاجية بإدراجه نقطة حول المحطة الحرارية في إحدى الدورات ليخرج بقرار رفض المحطة وتسجيل التعرض على انشاء هذه المحطة الحرارية، مما شكل احراجا كبيرا للعامل السابق ادريس بنعدو والذي لم يتردد في ان يعلن أن "المنتخبين خواو بيه".. كما ان الكثير من الملفات التي شغلت الرأي العام كان المجلس البلدي ورمزيه حاضرين بها، سواء في أسئلة اعمو بمجلس المستشارين كتضييق الداخلية على حرية تأسيس الجمعيات بتيزنيت أو تدهور الوضع الأمني بالمدينة ، وكذلك في الخروج اللافت لبنواري في مسيرة 20 فبراير، أو توجيهه أسئلة حول عنف الدولة ضد نشطاء الحركات الاجتماعية بالمدينة.. هي مؤشرات وخرجات لن تروق طبعا الداخلية وحرسها بتيزنيت، وكان آخرها اصرار المجلس البلدي على افتتاح القاعة المغطاة اناروز في الصيف المنصرم والذي سجل إبانه غياب "العامل والوفد المرافق" عن لحظة الافتتاح لأن السلطات كان لها تصورا آخر "لطقوس الافتتاح" وزمنه، في حين تجاوب المجلس مع مطالب الشباب للتعجيل بافتتاح القاعة.. طبعا هذا الصنف من المنتخبين ماخدامش لهذا الحرس القديم/الجديد. ختاما، لابد من التأكيد على كون ملف الباعة المتجولين لايمكن ان يكون موضوع مزايدات وتصفية حسابات أواحراج متبادل بين المجلس البلدي والسلطات المحلية، بل يجب ان يعالج بجرأة وتعقل ضمانا لحق هذه الفئة في مصدر رزق قار يطعمهم من جوع ويأمنهم من خوف، واذا كنا دأبنا فيما سبق توجيه النقد لتجربة المجلس البلدي بمخططاته وبرامجه وخرجات بعض مستشاريه، ورغم اقتناعنا بعدم جدوى التواجد أصلا داخل مؤسسات مازالت الداخلية تخضعها لطقوس الوصاية والتحكم، فأنا كمواطن لايمكن إلا ان أتموقع في صف الدفاع عن مصالح مدينتنا والحد من تغول الداخلية والتصدي لعودة محتملة لتحالف التسلط ولوبيات الفساد لتدبير الشأن المحلي ، لان مايحدث هنا والآن في تيزنيت تعبير مختزل عما يعتمل داخل المشهد وطنيا، فالتسلط والاستبداد وتسييد الفساد يخضع دائما وأبدا لقانون ضربة الفراشة.. في انتظار أن تكون لأعمو والبنواري الجرأة في اعلان الحقيقة كل الحقيقة حول هذا الصراع الخفي وخيوطه وكومبارسه،هذه قراءة من اقصى المدينة، ومدينة مواطنة من وراء القصد.