هناك، في بعض بلدان الشرق الأوسط، وهنا، في بعض بلدان المغرب الكبير، ثمة حراك اجتماعي غير مسبوق، وثمة عزيمة شعبية تستيقظ لتخبي جبروت السلطة التي احترفت إسكات الأصوات وطمسها إلى أبعد نقطة من البكم. وفي المغرب، تم إلهاء الناس بصراعات داخلية بين الأحزاب، وخرجات إعلامية للوزراء، ونقاشات زائفة بين أطراف إديولوجية مختلفة، لكي لا تعميهم أشعة الحقيقة المرعبة، بما ترسله من سهام الفقر والقمع والاستبداد. ذعن الشعب، واستسلمت النخبة، وتكلست العقول، وتراجع التفكير النقدي لصالح عقّار مسكن للخوف اسمه "الاستقرار"، وهو عقار من بين عقاقير أخرى تشَرّع بها السلطة ممارساتها القمعية في حق شعبها، وقد صدق "ماكس فيبر" حينما عرف الدولة بالقول إنها "الاحتكار الشرعي للعنف". وفي هذا السياق، يندرج ما قامت به الدولة المغربية في حق الأساتذة الذين خرجوا ذات 19 نونبر 2014 من مقرات أعمالهم، متوجهين إلى الرباط ليطالبوا بترقيتهم بعد حصول بعضهم على شهادة الإجازة، وبعضهم الآخر على شهادة "الماستر". وقد قامت وزارة التربية الوطنية، بعد أن فشل إضراب الأساتذة لظروف مختلفة أسهمت الوزارة ونقابات التعليم في خلق بعضها، بتطبيق عقوبات كثيرة، كان أولها الاقتطاع من الأجرة، وتلاها إيقاف الأجرة كاملة لأزيد من 1200 أستاذ، وجاء بعدها إجراء المجلس التأديبي على عدد كبير منهم، الذي تمخض عن "عطلة" تتراوح ما بين 10 إلى 17 يوم. وفضلا عن ذلك، حكمت المحكمة الابتدائية بالرباط على 8 أساتذة بالحبس شهرين موقوفي التنفيذ، بتهمة التجمهر غير المرخص، وإهانة رجل أمن. ويعتبر المتخصصون في مجال التشريع أن هذه العقوبات لا تحترم القوانين الجاري بها العمل في المنظومة التعليمية، إذ سجلوا عيوبا كثيرة تخللت تلك الإجراءات قبل وأثناء تطبيقها، ومنها: 1- أن الاقتطاع خالف القانون رقم 03.01 بشأن إلزام الإدارت العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية بتعليل قراراتها الإدارية. 2- أن الوزارة أخطأت في تفسير المرسوم رقم 2.99.1216 الصادر في 10 ماي 2000 الذي يخص المتغيبين بصفة غير مشروعة دون المضربين، لأن الإضراب حق دستوري مشروع، فضلا عن أن الدولة لم تصدر قانونا خاصا بتنظيم الإضراب. 3- أنه تمت مخالفة مبدأ المساواة حين طبق قرار الاقتطاع من الأجرة، إذ سبق للوزارة أن قامت بإرجاع المبالغ المقتطعة من أجور المضربين بعدة نيابات، مما يعتبر إقرارا ضمنيا بعدم مشروعية الاقتطاع. 4- أن قرار الاقتطاع خالف الاجراءات الخاصة بالمتغيبين حين حصرت حالات الغياب في التغيب مع استئناف العمل، وفي ترك الوظيفة. فضلا عن أن المضربين لم يتوصلوا كالعادة بإشعارات الاقتطاع من الأجرة. ولعل المؤسف في كل ذلك، هو أن الوزارة تجري عقوباتها بشكل عشوائي لا ينضبط لتوقيت محدد، فهي مثلا لم تصرح إلى حدود اللحظة عن تاريخ إعادة الأجرة إلى أصحابها، ولم تحترم ما هو معمول به في هذا الحالات من تسريع وتيرة العقوبات لكي لا يكون لذلك أثر على المدرسة المغربية، فالمعلوم أن الآلاف من التلاميذ المغاربة يتلقون دروسهم من أساتذة غاضبين، كارهين لمهنة المتاعب، عازمين على ترك الوظيفة في أية لحظة، بسبب إحساسهم بالضيم والإقصاء. ومن بين ما يؤسف له، هو العقاب التأديبي الذي أسفر عن حرمان التلاميذ من التعلم لأيام كثيرة يصل أقصاها إلى 17 يوم، وهو ما يدل بشكل قطعي على أن وزارة التربية الوطنية لا تلقي بالا إلى مصلحة التلميذ التي تعتبرها في كل مناسبة في أعلى عليين. ومع ذلك فالأساتذة يعتبرونها أيام راحة يستعيدون فيها أنفاسهم، بعد أسابيع من العمل ب"جيوب مثقوبة". مبارك أباعزي http://www.facebook.com/mbark.abazzi