تنص القاعدة القانونية على أن إخطار الإدارة بالإضراب عن العمل يندرج في سياق ترتيب الأوضاع الإدارية والقانونية لتفادي عرقلة سير المرفق، كما تنص على أن قرار الاقتطاع من الراتب مشروع لثبوت عدم التزام الجهة المضربة بالضوابط المقررة لممارسة هذا الحق، وأن القاضي الإداري يكون ملزما بوضع ضوابط ومعايير من شأنها أن تضمن لهذا الحق البقاء والحماية وعدم التعسف في استعماله لحسن سير المرفق العام بانتظام واضطراد في إطار خلق قواعد قانونية عندما يخلو المجال من التشريع..في قضية اليوم سنناقش ملف مدى حدود شرعية الإضراب عن العمل، ومدى شرعية الاقتطاع من الأجر بسبب الإضراب من طرف التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي؟ ما هي حيثيات هذه القضية..وما تعليل المحكمة حين قضت برفض طلب الطعن في قرار الاقتطاع؟ قرار الاقتطاع تفاجأت "فاطمة" التي تعمل كأستاذة بإحدى الثانويات الإعداديات بتاريخ 30 نونبر 2004 بقرار إداري صادر عن مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بتطوان يشعرها بالاقتطاع من الأجرة بسبب ما أسماه بالتغيب عن المبرر عن العمل، وهو القرار الذي سبقه استفسار بتاريخ 20 أكتوبر 2004 حول أسباب التغيب عن العمل يوم 13 أكتوبر 2004.لم تستغ "فاطمة" هذا الاقتطاع فقررت اللجوء إلى القضاء في مواجهة وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي للمطالبة بإلغاء قرار الاقتطاع من أجرتها الذي أصدره وزير التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي. أكدت "فاطمة" في رسالة استجوابية للمحكمة أن القرار المطلوب إلغاؤه مؤسسا على مقتضيات المرسوم رقم 1216-99-2 الصادر بتاريخ 10 ماي 2000 في شأن الاقتطاعات من رواتب موظفي وأعوان الدولة والجماعات المحلية المتغيبين عن العمل بصفة غير مشروعة، وأن تغيبها لا يقع ضمن ما نص عليه المرسوم المذكور ذلك أنه بتاريخ 03 أكتوبر 2004 انعقد لقاء وطني بدعوة من الكتابة الوطنية للجنة متابعة ملف أساتذة الإعدادي الذين لم يسبق لهم أن كانوا معلمين، وذلك بالمقر المركزي للجامعة الحرة للتعليم بالرباط وتقرر على إثره خوض إضراب وطني يومي 13 و28 أكتوبر 2004، وذلك من أجل الدفاع عن مطالب هذه الفئة الاجتماعية، وأن تغيبها يوم 13/10/2004 كان مبررا ومشروعا خلافا لما جاء في هذا الاستفسار لأن تأسيسه على المرسوم رقم 2.99.1216. وأضافت فاطمة في تعليلها للطلب الذي تقدمت به أمام المحكمة أن تغيبها غير مبرر، وينطوي على عيب جوهري يبرر إلغاءه، ذلك أن المرسوم المذكور يحدد من خلال مادته الأولى أسباب الغياب المبررة للاقتطاع في: (الغياب بدون ترخيص من لدن الرؤساء والغياب بدون عذر مقبول)، وواضح مدى الفرق بين الغياب غير المشروع والغياب بدون عذر مقبول، وأن القرار يتضمن سببا غير موجود في المرسوم رقم 2.99.1216 وهو الغياب غير المشروع مشددة أن القرار معيب، وبالتالي فهذا السبب لوحده يكفي للقول بإلغائه-تضيف فاطمة في رسالتها الاستجوابية. مشروعية الإضراب من جهة أخرى أكدت "فاطمة" في جوابها عن الاستفسار الموجه لها من طرف المدعى عليه تضمن تنصيص الدستور من خلال الفصل 14 على الحق في الإضراب، وباعتبار المبدأ القانوني الذي ينص على أنه لا يمكن لنص قانوني أدني أن يخالف نصا قانونيا أعلى منه مرتبة لا سيما إذا كان ذلك القانون في البلاد وأن القرار المطعون فيه قد جعل كيفية ممارسة الحق في الإضراب تحدد من خلال نص تنظيمي دقيق وأنه بالرجوع إلى مشروع هذا القانون التنظيمي الموجود حاليا قيد المناقشة -على سبيل الاستئناس- أكد في مادته الرابعة على عدم جواز معاقبة أي شخص مشاركته في إضراب مشروع، وأن الدستور قد جعل ممارسة حق الإضراب مشروعا من حيث المبدأ مقيدا من حيث الممارسة العملية فإن ذلك راجع بالأساس لتفادي البلبلة والفوضى وهو ما ذهب إليه الفصل 288 من القانون الجنائي الذي اشترط لتجريم التحريض على الإضراب استعمال الإيذاء أو العنف أو التهديد أو وسائل التدليس، وأن الاقتطاع الذي يقع على أجرة الموظف بسبب المشاركة في الإضراب هو عقاب لا مبرر له، بل إن مشروع القانون التنظيمي حرم هذا العقاب وذلك تحت طائلة عقوبة صارمة في حق المأجورين المخالفين تصل إلى الحكم بغرامة قدرها 1200 درهم في حق كل مؤاجر يعاقب الأجير بسبب مشاركته في الإضراب، ومن جهة ثالثة فإن القرار المطعون فيه مس بحق من الحقوق الأساسية للأجيرة وهي الحق في ممارسة العمل النقابي ومن شأنه أن ينتج آثارا وخيمة على ممارسة هذا الحق سيما بالنسبة لهذه الفئة من الأجراء التي تؤدي خدمات حيوية في تربية وتكوين الناشئة، وأن الأجرة الشهرية لهذه الفئة غير كافية ملتمسا لذلك الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه. الأجر مقابل العمل ارتأت الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بتطوان من خلال المذكرة الجوابية المدلى بها من طرف أن الطعن غير مقبول لعدم إدلاء الطاعن بواسطة الإثبات ومن حيث الموضوع فإن تغيب الطاعنة عن العمل كان خارج إطار القانون، وبالتالي فإن القرار مبرر وأن الدستور وإن قرر من حيث المبدأ الحق في الإضراب إلا أنه قيده بصدور نص تنظيمي وأنه في غياب ذلك يبقى هذا الحق معلقا إلى حين، ومن جهة أخرى فإن الأجر يؤدى مقابل العمل وأن الطاعنة لا تستحق أجرا لعدم تأديتها لأي عمل ملتمسة رفض الطلب. وبناء على المذكرة الجوابية المدلى بها للمحكمة من طرف الوكيل القضائي للمملكة بصفته هذه، ونيابة عن الدولة المغربية في شخص الوزير الأول ووزير المالية ووزير التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي والنائب الإقليمي لهذه الوزارة بتطوان ومدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بتطوان، يعرض فيها أن الطعن غير مقبول شكلا، وفي الموضوع فإن القرار المطعون فيه جاء مشروعا، وذلك لأن الإدارة احترمت مقتضيات المرسوم رقم 2.99.1216 الصادر بتاريخ 10 ماي 2000، وأنها وجهت للمعنية بالأمر استفسارا كتابيا حول أسباب تغيبها عن العمل طبقا لمقتضيات المادة الرابعة من المرسوم المذكور، كما أن قرار الإدارة جاء منسجما مع المقتضيات القانونية المنصوص عليها في الفصلين 11 و41 من المرسوم الملكي عدد 330.66 الصادر بتاريخ 21/04/1967 بسن نظام عام للمحاسبة العمومية ملتمسا الحكم برفض الطعن لعدم ارتكازه على أساس. تعليل الحكم يهدف الطلب إلى الحكم بإلغاء قرار الاقتطاع من أجرة "فاطمة" بسبب تغيبها المبرر عن العمل باعتبار ممارستها لحق مكفول دستوريا وهو الحق في الإضراب حسبما جاء في المقال. وحيث تمسك الوكيل القضائي بقانونية الاقتطاع من الأجر استنادا إلى الفصل الأول من المرسوم رقم 2.99.1216 الصادر بتاريخ 10 ماي 2000 الذي يخضع رواتب موظفي وأعوان الدولة والجماعات المحلية المتغيبين عن العمل بدون ترخيص أو مبرر مقبول للاقتطاع باستثناء التعويضات العائلية وأيضا بناء على مقتضيات الفصلين 11 و41 من المرسوم الملكي عدد 66-330 الصادر بتاريخ 21/04/1967 بسن نظام عام للمحاسبة العمومية الذي يجعل أداء الأجرة معلقا على ضرورة تنفيذ العمل. تبعا لهذه المعطيات تكون النقطة النزاعية مثار المناقشة في نازلة الحال هي تحديد ما إذا كان تغيب الموظف عن العمل بسبب مشاركته في الإضراب يعتبر مبررا أم أنه غير مبرر، ويعطي للإدارة إمكانية تطبيق مقتضيات الفصل الأول من مرسوم 10 ماي 2000 بخصوص إخضاع الراتب للاقتطاع. وحيث إن إضراب الموظفين هو امتناعهم عن تأدية أعمال وظائفهم بصفة مؤقتة، تعبيرا عن عدم الرضا عن أمر معين، وهو من الحقوق المكفولة بمقتضى الدستور الذي نص في فصله 14 على: "أن حق الإضراب مضمون وسيبين قانون تنظيمي الشروط والإجراءات التي يمكن معها ممارسة هذا الحق". لكن، حيث إنه أمام عدم إصدار الجهات المختصة للنص التنظيمي المشار إليه، فإن القاضي الإداري بما له من دور في خلق قواعد قانونية عندما يخلو المجال من التشريع، يكون ملزما بوضع ضوابط ومعايير من شأنها أن تضمن لهذا الحق البقاء والحماية من جهة ومن جهة أخرى عدم التعسف في استعماله لحسن سير المرفق العام بانتظام واضطراد، وهذا المبدأ تم تأصيله من طرف مجلس الدولة الفرنسي من خلال "قرار دوهين" عندما أعطى الاختصاص للقاضي الإداري في خلق الموازنة بين مبدأ استمرارية المرفق العام والحق في ممارسة الحرية. حق الإضراب كحق أصيل لا يقتضي طلبا من قبل صاحب الشأن، ولا يلزم لنشوئه صدور قرار من الإدارة بالترخيص كما هو الشأن بالنسبة لبعض الحقوق السياسية الأخرى، إلا أنه لاعتبارات النظام العام وحسن سير المرفق فإن ممارسته تستوجب التقيد بنظام الإخطار “la déclaration”، أي أن على الجهة الراغبة في خوض إضراب ما لأسباب مهنية أن تخطر الإدارة بذلك حتى تتمكن هذه الأخيرة من اتخاذ الاحتياطات اللازمة وأن يتم الإعلان المسبق عن الإضراب لتوضيح أسبابه ومدته يتم تبليغه للجهات المعنية داخل أجل كاف ومعقول. وحسب تعليل المحكمة، يؤخذ من تصريحات الأطراف بجلسة البحث أن الإضراب موضوع الاقتطاع خاضته فئة أساتذة التعليم الإعدادي الذين لم يسبق لهم أن كانوا معلمين وعددهم 22866 أستاذ وأستاذة بعد فشل النقابات الخمس ذات التمثيلية في الوصول إلى اتفاق بخصوص الملف المطلبي لهذه الفئة وقد تم إخبار وزير الداخلية ووزير التربية الوطنية وكذا ولاية الرباط بخوض هذه الفئة لإضراب يوم 13 أكتوبر. وإذا كانت ممارسة حق الإضراب رهينة بضرورة إخطار الإدارة المعنية لترتيب أوضاعها الإدارية والقانونية وعدم عرقلة سير المرفق، فإنه لم يقم دليل من أوراق الملف على ثبوت إخطار السلطات الإدارية المذكورة رغم تكليف الأطراف بذلك أثناء جلسة البحث، وبالتالي فإن إضراب فئة عريضة من الأساتذة (22866 أستاذ) مرة واحدة دون إخطار الجهات الإدارية المعنية بشكل أدى إلى توقيف العمل بمرفق هام ألا وهو مرفق التعليم وما له من انعكاسات سلبية على المجتمع، لمن شأنه المساس بشكل كبير بهذا المرفق، ويجعل بالتالي الغياب عن العمل لأجل ممارسة الإضراب خارج الضوابط المشار إليها غير مبرر، وبذلك يكون تفعيل الإدارة لمقتضيات مرسوم 10 ماي 2000 قد تم في إطار المشروعية، كما أن تمسك الطاعنة "فاطمة" بكون مشروع القانون التنظيمي ينص على عدم جواز معاقبة الموظف على مشاركته في الإضراب بكون مشروع القانون التنظيمي ينص على عدم جواز معاقبة الموظف على مشاركته في الإضراب يبقى ذي محل طالما أن مقتضيات المادة الأولى من المشرع لا تخاطب فئة الموظفين، بل تهم فقط الأشخاص الذاتيين والمعنويين الخاضعين لأحكام قانون الشغل، فضلا على أن عدم جواز المعاقبة الذي أقرته المادة 4 منه إنما يتعلق بالإضراب المشروع وهو ما لا ينطبق على نازلة الحال وفق ما تقدم أعلاه. وأمام كل هذه الحيثيات قضت المحكمة الإدارية بالرباط (قسم الإلغاء) برفض الطلب لعدم جديته.