بقلم الأستاذ عبد الرحيم العلام كتبنا في مقالات سابقة عن إيجابيات الاقتطاع من أجور المضربين، واعتبرنا ذلك مهما من أجل تثوير الذات النقابية وإخراجها من حالة الجمود والسلبية التي تعيشها. غير أن مسطرة الاقتطاع من أجور المضربين عرفت مجموعة من الاختلالات واقترنت بعوار قانوني يجعلها عرضة للإلغاء ومشوبة بالشطط في استعمال السلطة. ولكي نبرز مواطن الخلل هذه لا بد، أولا، من التذكير بالنصوص القانونية التي تنظم العملية برمنها، بدأ ببنود قانون الوظيفة العمومية، ومرورا بمنشور السيد رئيس الحكومة والمراسيم التي أصدرتها مختلف القطاعات الوزارية. ينص قانون الوظيفة العمومية في فصله ال 75 مكرر على الحالات التي تعتبر اخلالا بالوظيفة العمومية والإجراءات الواجب اتخاذها حيالها، إذ جاء في هذا الفصل ما يلي: “باستثناء حالات التغيب المبررة قانونا، فإن الموظف الذي يتعمد الانقطاع عن العمل، يعتبر في حالة ترك الوظيفة. ويعد حينئذ كما لو تخلى عن الضمانات التأديبية التي ينص عليها هذا النظام الأساسي. يوجه رئيس الإدارة إلى الموظف المؤاخذ بترك الوظيفة، إنذارا لمطالبته باستئناف عمله، يحيطه فيه علما بالإجراءات التي يتعرض لها في حالة رفضه استئناف عمله. يوجه هذا الإنذار إلى الموظف بآخر عنوان شخصي له مصرح به للإدارة وذلك بواسطة رسالة مضمونة الوصول بإشعار بالتسليم. وإذا انصرم أجل سبعة أيام عن تاريخ تسلم الإنذار ولم يستأنف المعني بالأمر عمله، فلرئيس الإدارة صلاحية إصدار عقوبة العزل من غير توقيف الحق في المعاش أو العزل المصحوب بتوقيف حق المعاش وذلك مباشرة وبدون استشارة المجلس التأديبي.إذا تعذر تبليغ الإنذار أمر رئيس الإدارة فورا بإيقاف أجرة الموظف المؤاخذ بترك الوظيفة…”. فهذا النص، الذي لا يتعرض بشكل مباشر لمسألة الاقتطاع من أجور المضربين عن العمل، يستفاد منه أنه في حالة ترك الوظيفة العمومية، فان الادراة ملزمة بسلك مجموعة من المساطر قبل اتخاذ القرار المناسب. ومن هذه المساطر والضوابط نجد مسألتي الانذار الكتابي للموظف المعني من أجل استئناف عمله، وتبليغه بهذا القرار بواسطة رسالة مضمونة الوصول بإشعار بالتسليم؛ مما يعني أنه في حالة عدم تطبيق هذه المسطرة يعتبر أي قرار يصدر في حق الموظف في حكم البطلان، كما سنبينه من خلال بعض الأحكام القضائية التي صدرت في هذا المجال. وأما المنشور رقم 26/2012 الذي أصدره السيد رئيس الحكومة في نونبر 2012، والمتعلق تحديدا بقضية الاقتطاع من أجور المضربين عن العمل، فهو بدوره ينص على ضوابط قانونية يجب سلكها قبل الشروع في عملية الاقتطاع. جاء في المنشور “الإعمال الفوري من طرف المصالح المختصة بالإدارة المعنية لمسطرة الاقتطاع من اجور الموظفين المتغيبين عن العمل، خلال يوم كامل أو فترة من اليوم، بدون ترخيص أو مبرر مقبول، وتباشر هذه الاقتطاعات بعد توجيه استفسار كتابي للمعني بالأمر حول أسباب تغيبه”. كما يحيل هذا المنشور على نصوص قانون الوظيفة العمومية وخاصة الفصل 75 مكرر الذي تطرقنا إليه سلفا، و المرسوم رقم 2.99.1216 الصادر في 10 ماي 2000 والمتعلق بتحديد شروط وكيفيات تطبيق القانون رقم 12.81 بشأن الاقتطاعات من رواتب موظفي وأعوان الدولة والجماعات المحلية المتغيبين عن العمل بصفة غير مشروعة. وبالرجوع إلى مقتضيات هذا المرسوم نجد أنه فصَل في المسطرة التي يجب اتباعها قبل مباشرة الاقتطاع، إذ يتعين أن يتم الاقتطاع بعد أن تقوم الإدارة بتوجيه استفسار كتابي للموظف أو العون حول أسباب تغيبه عن العمل (المادة 4)؛ وتباشر الاقتطاعات بموجب أمر يبين المدة الجاري عليها الاقتطاع، يوجهه رئيس الإدارة المعنية مباشرة إلى المصالح المكلفة بأداء الأجور وتسلم للمعني بالأمر نسخة منه(المادة 6). ويستفاد من هذه النصوص أن أمر الاقتطاع من الأجر، لا يكون قانونيا إلا بعد أن يساير المسطرة القانونية المنصوص عليها. فإذا ما اختل شرط من شروطها تكون مشوبة بالشطط في استعمال السلطة. فلابد قبل مباشرة الاقتطاع من: أولا، إنذار كتابي يتم بموجبه استفسار المعني بالأمر عن سبب تغيبه؛ ثانيا، أمر من رئيس الادارة المعنية يبين فيه مدة الاقتطاع، ويسلم المعني بالأمر، وجوبا، نسخة منه. بعد هذا الجرد المفصل لمعظم النصوص القانونية الواردة في الموضوع، نذهب إلى استجلاء بعض المخالفات القانونية التي واكبت الاقتطاع من أجور الموظفين المضربين من قبل الحكومة الحالية. ويمكن تلخيص أهم الاختلالات في الآتي: أولا: لم تسلك الادارة مسطرة الانذار الواردة في الفصل 75 مكرر من القانون الاساسي للوظيفة العمومية، ولم تتبع الاجراءات التي وردت في المرسوم رقم 2.99.1216 المنظم لعملية الاقتطاع من أجور المتغيبين بصفة غير مشروعة عن العمل؛ فأغلب الاقتطاعات التي باشرتها الادارات المعنية لم تراعي شرط توجيه استفسارات للمضربين (الذين اعتبرتهم متغيبين بصفة غير مشروعة عن العمل)، وهو ما جعل الكثير من الاقتطاعات خارج القانون. فهناك من تم الاقتطاع من أجره رغم أنه كان في حالة تغيب مشروع، من قبيل وجوده في الحج أو في إجازة مرضية يسمح له القانون بأن لا يُبلغ عنها إلا في اليوم الثالث من تاريخ تغيبه، في الوقت الذي اعتبرته فيه الادارة في حالة إضراب بما أن الأخير دُعي له في اليوم الأول من الاجازة المرضية، وهناك حالات أخرى مشابهة جعلت الاقتطاع من الأجر غير مشروع بسبب عدم تَبيُن وضعية المعني بالأمر؛ ثانيا: بما أن مسطرة الاستفسار عن التغيب لم تقع، فإن من باب أولى أن مسطرة التبليغ لم تنفذ. قالقانون ينص على أن يبلغ المعني بالأمر بالاستفسار عن سبب تغيبه بالبريد المضمون، وإذا تعذر تبيلغه بذلك يؤجل أمر الاقتطاع إلى غاية البث في الموضوع تحت طائلة البطلان. فالعبرة بالإجراءات الإدارية والقرارات الإدارية والقرارات لتصبح سارية المفعول تجاه المواطنين بصفة عامة هي تبليغها للمعنيين بالأمر؛ ثالثا: ويتعلق الأمر بالمرحلة الأخيرة من مراحل مسطرة الاقتطاع، والمتعلقة بضرورة تَسلُم من اتُخذ في حقه الاقتطاع الأمر الذي يبين المدة الجاري عليها الاقتطاع، وهو الشرط الذي لم تلتزم به أغلب الادارات –إن لم نقل كل الادارات – بخصوص الاقتطاعات التي باشرتها اتجاه موظفيها. فلو أشعرت تلك الادارت المعنيين بأمر الاقتطاع لأمكنهم الطعن في القرار قبل اتخاذه، خاصة أن منشور السيد رئيس الحكومة يبين أن الحالات المستعصية يمكن البث فيها بشكل فردي. وكمثال على ذلك ما حصل لموظفي مندوبية الصحة بمراكش الذين اتُخذ في حقهم قرار الاقتطاع من أجورهم لمدة 10 أيام، من دون أن يتم استفسارهم عن سبب “التغيب” ولا تبليغهم بأمر الاقتطاع. في الوقت الذي يقول فيه هؤلاء الموظفون أنهم لم يكونوا في حالة إضراب أو تغيب عن العمل، وإنما نظموا وقفة احتجاجية، من أجل إخطار الادارة بخطر يحذق بهم، وأنهم يتوفرون على أدلة تثبت أنهم أدوا وظائفهم خلال المدة التي تم الاقتطاع بخصوصها.(وبالفعل أرسلت وزارة الصحة لجنة للتأكد من الأمر- ولم تصدر عنها أي نتائج إلى حد الآن- لكن بعد أن تم الاقتطاع من أجر الموظفين وهو ما عرضهم للضرر المباشر). من خلال هذه المعطيات وغيرها، يمكن أن نقول بأن المسطرة التي ينص عليها القانون قبل مباشرة الاقتطاع من أجر الموظف المتغيب بشكل عام والموظف المضرب بشكل خاص، لم تحترم في كثير من الأحيان – إن لم نقل في كل الأحيان- كما أنها لم تسلك كل المراحل. وإنما اكتفت بالمرحلة الأخيرة وهي الاقتطاع من أجر الموظف من دون علمه. وهو ما يجعل كل هذه القرارات في حكم البطلان إذا ما تم الطعن فيها بسبب الشطط في استعمال السلطة. ودليل ذلك الحكم الذي أصدرته المحكمة الإدارية بفاس بتاريخ 22 أبريل 2003، في حق رجل التعليم بوجمعة الملولي الذي ادعى على وزير التربية الوطنية لكونه عزله من وظيفته بمبرر التغيب عن العمل. ولأن المحكمة اقتنعت بأن المدعى عليه لم يبلغ المدعي باستفسار عن سبب تغيبه بواسطة البريد المضمون – واكتفت بالبريد العادي – خلافا لما ينص عليه الفصل 75 من القانون المنظم للوظيفة العمومية، ذلك أن قرار العزل “يعترف صراحة أنه تعذر تبليغ رسالة الإنذار بالرجوع إلى العمل وأن العبرة بالإجراءات الإدارية والقرارات الإدارية والقرارات لتصبح سارية المفعول تجاه المواطنين بصفة عامة هي تبليغها للمعنيين بالأمر وأنه لا يوجد بين يدي الإدارة استنادا إلى القرار المطعون فيه ما يفيد توصل المدعي بالإنذار المنصوص عليه بالفصل 75 مكرر وأن الإدارة يقع عليها عبئ إثبات تبليغ هذا الإنذار مما يجعل القرار متسما بالشطط في استعمال السلطة”. وجاء في حيثيات الحكم أيضا: “سيما وأن إيقاف الراتب لم يعرف بسببه إلا بعد صدور قرار العزل. وموضوعا إلغاء القرار المطعون فيه لعدم ارتكاز القرار على سند صحيح سيما وأن المراسلات التي تمت بين وزير التربية الوطنية والطاعن حول ملف التعويضات العائلية أمر يوضح أن المدعي بقي يعمل دون انقطاع”. ولهذا قضت المحكمة بإلغاء قرار العزل الصادر عن السيد وزير التربية الوطنية. إننا إذن أمام قرارات مشوبة بالشطط في استعمال السلطة، لكونها لم تحترم المساطر الشكلية ولم تكن وفية لنصوص القانون. وهو ما يجب التوقف عنه بخصوص القرارات القادمة من جهة، وتعويض المتضررين عما لحقهم من ضرر فيما يخص القرارات التي نُفذت، من جهة أخرى. كما يمكن للمتضررين أن يلجؤوا للقضاء الاداري من أجل انصافهم.