شارك الأستاذ عبد السلام المصباحي رئيس جمعية الصداقة المغربية الأزذريبجانية، في أنشطة "منتدى باكو الإنساني الدولي الثالث" المنعقد بعاصمة جمهورية أزذريبجان يومي 31 أكتوبر و1 نونبر 2013، وقدم ضمن فعاليات الطاولة المستديرة التي خصصت لمناقشة موضوع: التنمية المستدامة والحضارة البيئية، ورقة بالإنجليزية تحت عنوان : " التنمية المستدامة سبيل الحضارة البيئية"، يسره تعريبها، تعميما للفائدة. على الرغم من التباس وعدم دقة مفهوم " الحضارة البيئية " وعلاقتها بالتنمية المستدامة، فلعلني أستطيع القول مع الآخرين بأن " الحضارة البيئية " مفهوم جديد نحت وصيغ ليفيد بأن الحضارة ، في الوقت الراهن، قائمة أو يجب أن تقوم أساسا على قاعدة الإيكولوجيا كمقاربة وكوسيلة وكهدف. واعتبارا لهذا المعنى فإن العديد من المسؤولين السياسيين والاقتصاديين والسوسيولوجيين …كما هو شأن الباحثين، باتوا يؤمنون بأن أعظم بعد لأي حضارة اليوم هو البعد البيئي. وبناء عليه فلا شيء ينبغي أن يخطط أو يقرر أو ينجز في المجتمع ما لم يعتبر هذا البعد كضرورة. ومن هنا، فالحماية الفعالة والرشيدة للبيئة لها بالتأكيد آثار إيجابية وجد طيبة على المجتمع من قبيل فاعلية النمو الاقتصادي ، وإقامة المساواة والعدالة الاجتماعية والمجالية، والإنصاف بين الجنسين وبين الأجيال، ومن قبيل احترام التنوع الثقافي في إطار من التناغم والثراء… إن اعتبار البعد الإيكولوجي والحماية الحكيمة للبيئة من شأنهما تحفيز وتمكين المجتمع من تطور إنمائي شمولي في أي حقل أو قطاع، يتم على أساس من الاندماج والتوازن والعدل، بحكم أنه تطور يحترم ويعزز حقوق مختلف المناطق والجهات ومختلف فئات السكان في الحاضر والمستقبل. ويستنتج من هذا كله أن التنمية المستدامة هي سبيل الحضارة البيئية، وأن هذه الأخيرة غايتها ومرماها، ولكن السؤال الجوهري هو كيف يمكن ذلك ؟ أي كيف يمكن من خلال التنمية المستدامة إرساء هذه الحضارة البيئية ؟ كيف نستطيع بناءها وتطويرها بنجاح ؟ أعتقد بأننا نحتاج، قبل كل شيء ، كدول وشعوب وكمسؤولين عن هذه الدول والشعوب إلى إرادة صارمة ورغبة حقيقية في تغيير طرق عيشنا، تفكيرنا، تسلكاتنا، إنتاجنا ، مبادلاتنا، تصريف شؤوننا…الموسومة بالفردانية والأنانية، وتعويضها بطرق أخرى مطبوعة بالتشارك والإيثار ، والتضامن والعدل؛ وهي طرق تنتهي باعتماد المقاربة البيئية والتنمية المستدامة إلى الحضارة البيئية. كما أعتقد بأن علينا التركيز على المدرسة وعلى كل المؤسسات التربوية ووسائل الإعلام من أجل تعليم وتربية الأطفال والراشدين على احترام الحياة عبر اعتبار واحترام البيئة، بحيث يكون الهدف هو إقامة وإشاعة ثقافة جديدة في المجتمع، هي ثقافة البيئة كمكون رئيس للحضارة البيئية. والأكيد أن أي إستراتيجية للتنمية، في إطار هذه الحضارة، ترتهن باستحضار البعد البيئي، ومن ثم باعتماد الإستراتيجية البيئية التي يتعين أن تكون قضية الجميع داخل المجتمع. ولما هي قضية مجتمع وبلد، فمن الضروري المفيد أن تشارك في إعداد الإستراتيجية البيئية كل جهات ومناطق البلاد ومختلف فئات السكان عبر حوار محلي ، جهوي ووطني يشارك فيه مختلف الفاعلين الممثلين للمجتمع، وبما فيهم ممثلو المجتمع المدني. ويتعين أن تفضي حلقات الحوار وسلسلته إلى وضع ميثاق وطني إيكولوجي تتبناه الأمة، ثم بعد ذلك تبلوره وتصوغه في عدة قوانين وقواعد بيئية تروم احترام البيئة في شموليتها، ومنه تأمين شروط التنمية المستدامة. وجدير بالذكر أن هذا الميثاق المتبنى على أساس توافقي، ينبغي أن يكون مسبوقا أو موازيا أو ملحقا وجوبا بميثاق آخر هو ما يمكن أن يعرف بالميثاق الوطني للتهيئة الترابية متبنى هو الآخر على أساس توافقي، ومنبثق عن سلسلة حوارات ومناقشات تتم على مختلف المستويات الترابية، ومدعم بالدراسات العلمية؛ وهو ميثاق يحدد أهداف وسبل التهيئة المجالية في ضوء مقتضيات الميثاق البيئي أو على الأقل باستحضار البعد البيئي للتهيئة والتنمية. وتعتبر مثل هذه المقاربة أداة لضمان الالتزام بالميثاقين معا من قبل المجتمع والدولة، ومنه، وفي الوقت نفسه، اعتبار الخصوصيات المحلية والجهوية للمجالات الترابية. وأحب أن أشير بأن هذين الميثاقين والقوانين الناجمة عنهما أمور من صميم التجربة العصرية الفتية للمملكة المغربية على طريق بناء الحضارة البيئية، في مطلع الألفية الثالثة. وكأي تجربة دولية فتية فإن تجربة المغرب تحتاج إلى الدعم والمساندة المتبادلين من قبل تجارب المحيط على المستوى الدولي، وبخاصة على المستوى الجهوي الذي تشكل حيزه الدول المتجاورة في نفس النطاق الجغرافي؛ وهو الدعم والمساندة اللذان ينتفيان عندما تكون روابط الصداقة والأخوة والجيرة منكسرة بين الجيران؛ فهذه قاعدة عامة معلومة جارية تلاحظ وتلمس في أي مكان. إن بناء الحضارة البيئية عبر التنمية المستدامة يستلزم بالضرورة السلم والاستقرار داخل المجتمع القطري كأرض وسكان، ولكن كذلك في محيطيه الجهوي والدولي. إن التعاون الدولي من أجل بناء وتعزيز الحضارة البيئية الوطنية والعالمية الإنسانية ضرورة لا مناص منها، وهو يمر عبر التآزر وتكاثف الجهود من أجل وضع وتفعيل القانون الدولي البيئي وكذا، وفي تناغم معه، وضع وتفعيل القوانين البيئية الوطنية الداخلية ؛ وهو ما يستوجب من المجتمع الدولي، وبخاصة دوله العظمى احترام التزاماتها الإيكولوجية المتضمنة في الأوفاق والمواثيق الدولية، والعمل على أن تكون قدوة للدول الأخرى في العناية ببيتنا جميعا، بيتنا الأزرق الأرض. هل هي فاعلة ؟ أرجو ذلك.. على أن المسؤولية بهذا الخصوص ، هي جماعية ومشتركة بين بني الإنسان؛ فلنعمل إذن جميعا من أجل استمرار الحياة فوق كوكبنا الأرض ، لنعمل من أجل المستقبل، ولننكب جميعا على بناء الحضارة البيئية العالمية الإنسانية من خلال التنمية المستدامة. باكو عاصمة أزذريبجان في 01 نونبر 2013. بقلم ذ عبد السلام المصباحي