في عالم الغناء والتأليف الموسيقي يحتاج الملحن والمغني إلى كفايات وقدرات فنية عالية وإلى خبرات راسخة لختم المقطع الموسيقي أو الأغنية بقفلة مثيرة وحارة يربح قبلها تصفيق الجمهور وهتافاته المطالبة بإعادة المقطع أو إطالته. والقفلة سمة خاصة في الغناء العربي الأصيل، وملحن القفلة الوحيد الذي يرجع إليه سائر المشتغلين بالطرب هو رياض السنباطي بشهادة الموسيقار محمد عبد الوهاب، فهو أقدر ملحن على تجهيز لحنه وتحضيره للقفل، وهو في ألحانه لأم كلثوم نجد الجمهور يصفق قبل أن تقفل لأن السنباطي جهزها وحبكها ومنطقها حيث يعتقد السامع أنه قد سمعها قبل أن يسمعها. أما في عالم السياسة فإن الفاعل السياسي الجاد يحتاج إلى قدرات في التدبير والقيادة تمكنه من دمقرطة التفكير المستقبلي، و استشراف المستقبل وصناعته انطلاقا من اجتهاد علمي منظم وبناء على قراءة علمية وموضوعية ومنهجية للواقع وما يتيحه من فرص وإمكانات، قراءة تجعل من النقاش العمومي المفتوح يساهم في رسم صورة مستقبلية للحاضر والترويج لها بالشكل الذي يتولد فيه إحساس لدى عامة الناس بأنها قابلة لأن تكون حقيقة وواقعا ملموسا ينشده الجميع ويصفق له في لحظات تدشين جماعية حارة وممتعة. مناسبة هذا الكلام هو ما يلاحظه المتتبعون من انشغال النخبة الإعلامية والسياسية التزنيتية بإثارة العديد من الملفات والقضايا دون إخضاعها لمنطق المتابعة والحسم والأجرأة والتنفيذ، ولعل الأمثلة في هذا المجال عديدة ومتعددة، يكفينا أن نذكر منها مواضيع الخنزير البري والملك الغابوي والرعاة الرحل ومافيا العقار والخدمات الصحية بالمستشفى الإقليمي والجريمة والباعة المتجولين وأخيرا وليس آخرا موضوع جامعة تيزنيت. هذا الأخير تحول في ظرف قياسي إلى مجال للتجاذبات والمزايدات وميدان للتصفيات المعنوية للخصوم السياسيين لينطفئ فيه النقاش فجأة ودون سابق إعلام، في غياب تام للقفلة المطلوبة في مثل هذه المواضيع ذات الصبغة الاستراتيجية، بعيدا عن مقتضيات ومبادئ الأخلاق السياسية الرافضة لكل أشكال الإلهاء والاستخفاف بمشاعر المواطنات والمواطنين ولكل أصناف التلاعب بالعقول. لقد أصبح إقليمتيزنيت في حاجة ماسة إلى نخبة سياسية واقتصادية وإعلامية تتقن فن القفلة في مجال إدارة النقاش العمومي واقتراح السياسات، نخبة تترفع عن كل أصناف العنف الرمزي الموجه ضد الخصوم والمخالفين، نخبة قادرة على دمقرطة التفكير المستقبلي وإفساح المجال لعموم الناس وضمان مشاركتهم الحرة في إبداء الرأي وصياغة المقترحات الأكثر احتمالا للحدوث دون تخوين ولا تعسف.