إن ما يطبع أجواء شهر رمضان لهذه السنة (2010 )، هو ارتفاع حدة الغلاء في كل المواد الخاصة بالاستهلاك الغذائي والخدماتي، حيث أن المواطنين أصبحوا يعانون الأمرين بسبب ضعف الطاقة الشرائية، والتفاوت القائم بين مستويي العرض والطلب، وهو ما يطرح علامة استفهام حول مدى مصداقية الخطاب الرسمي الذي يحاول التهوين من الأمر ، ويعتبر أن الحالة جد عادية، ولا تبعث على القلق بحكم وفرة العرض المتنوع، وشمولية عملية تزويد السوق فيما يخص المواد الأكثر استهلاكا في رمضان . لكن الأمر الغير المفهوم في منطق آليات السوق المغربي هو أن الأسعار ترتفع وتتصاعد بقدر ما يرتفع معدل الاستهلاك والاقتناء، وليس العكس، وهو ما يعني تكريس ظاهرة استغلال حاجات الناس بشكل بشع عن طريق التدليس والتحايل وافتعال الأزمات، إذ تستغل المناسبات والمواسيم في الرفع من الأسعار بكيفية جنونية على صعيد النقل العمومي، والمواد الغذائية، والألبسة، والأدوات المدرسية،....من أجل مراكمة الأرباح الغير المشروعة . والمسجل من خلال التجارب القائمة، هو أن الجهات المسؤولة ظلت تقف موقف العاجز حيال ظاهرة الغلاء الذي تتحمل مسؤولية انتعاشه واستفحاله منذ سنة 2000 ، وذلك لأن اللجن المكلفة بالمراقبة، والتي يتم تحريكها في إطار البرامج المسطرة من طرف المصالح المختصة، لا تطال جانب الأسعار ولا تهتم بإعلانها وإشهارها أمام المستهلكين، وتقتصر الحملات المحدودة على مراقبة الجوانب الخاصة بالجودة والسلامة الصحية للمواد الغذائية، وطرق العرض وحفظ المواد، وهو ما يعني أن المستهلك سيظل تحت رحمة المضاربين والوسطاء الذين يلهبون الأسعار في غياب آليات الزجر والمقاومة الواعية من طرف المستهلك. وخير مثال هو ما سجل هذه السنة من اختلالات على مستوى الفارق في الأسعار المتداولة داخل وحدات الإنتاج، وبين الأسعار المعمول بها في أسواق الجملة، ونقط البيع بالتقسيط، حيث يسجل الفارق الذي يتجاوز 300% في بعض المواد . وخير مثال، ثمن الدجاج الذي عرف هذه السنة ارتفاعا مهولا وصل إلى 45 درهم للكيلغرام في طنجة، في نهاية شهر يوليوز وبداية غشت. ففي الوقت الذي كان السعر في وحدات الإنتاج هو 10 دراهم يوم 21 غشت 2010 ، ظل السعر في الأسواق بالنسبة للدجاج المذبوح يتراوح بين 25 و 33 درهما. ناهيك عن أسعار اللحوم الحمراء التي أصبحت تتراوح بين 78 و 150 درهما حسب النوع والجودة، ونقط البيع، وكذلك أسعار السمك الذي أصبح أكلة ناذرة في بلد يتوفر على 3500 كلم من الشواطئ الغنية بالمصايد بفعل عملية النهب المكثف ، وتدمير الأحياء المائية، وممارسات الصيد العشوائي، وتهريب المنتوج السمكي، وإيلاء الأهمية للتصدير على حساب متطلبات الاستهلاك الداخلي. والمشكل في جوهره يكمن في طبيعة القانون 99-06 الصادر سنة 2000، والمتعلق بتحرير الأسعار والمنافسة بالرغم من أهمية بنوده ومقتضياته، لأنه قد أعطيت الأولوية في تطبيقه للجوانب المتعلقة بالتحرير دون الالتزام بالضوابط من أجل الحفاظ على التوازن، ودون توفير الآليات العملية لتنفيذه بشكل سليم خال من العيوب. كل ذلك كان سببا في تكريس مظاهر الفوضى العارمة التي تعم مجال التعاملات المالية في الميدان التجاري بشكل عام. فإذا كان هذا القانون الذي لم يتم تفعيله إلا بنسبة 98% ينص في المادة 2 على أن أسعار السلع والمنتوجات والخدمات تحدد عن طريق المنافسة الحرة .. فإنه في المادة 3 ينص على أنه يمكن للإدارة أن تحدد الأسعار بعد استشارة مجلس المنافسة ، في الحالات التي تكون المنافسة بالأسعار محدودة، إما بسبب حالات احتكار قانوني أو فعلي ، وإما بفعل صعوبات دائمة في التموين ... ..وتنص المادة 4 على إمكانية قيام الإدارة بعد استشارة مجلس المنافسة باتخاذ تدابير مؤقتة ضد ارتفاع أو انخفاض فاحش في الأسعار تعلله وجود ظروف استثنائية، أو كارثة عامة، أو وضعية غير عادية بشكل واضح في السوق بقطاع معين... وجاء في المادة 5 أنه يمكن أن يحدد سعر السلعة أو المنتوج أو الخدمة المعنية بكل حرية ضمن الحدود المقررة في الاتفاق المبرم بين الإدارة والمنظمات المعنية .. كما أن تضخم الحديث عن الجودة والمنافسة لا يعني أن الرهان قد تحقق، وأن ما يتوفر بالأسواق هو صالح للاستهلاك 100/، فقد أصبح الرفع من السعر علامة زائفة ومضللة عن الجودة، كما أن نسبة المواد الغير الصالحة للاستهلاك، والغير الخاضعة للمراقبة (كالمواد المهربة ) تفوق نسبة المواد التي تتوفر على معاييرالسلامة الصحية، سواء على مستوى المكونات، والتلفيف، والمصدر، وتاريخ الصلاحية، فضلا عن عشوائية عرض المواد الذي يتم بعيدا عن المعايير المطلوبة (غياب الشروط الصحية والوقائية ، انعدام وسائل الحفظ والتبريد،... ) .. ولهذا تكثر ظاهرة التسممات الجماعية التي تتناقلها وسائل الإعلام، والتسممات الفردية التي يتم السكوت عنها ولا يتم التصريح بها. ويمكن في هذا الصدد الاستدلال بحالة الفضاءات الخاصة ببيع المواد المنتهية الصلاحية، والمتعفنة من الخضر والفواكه واللحوم، والفواكه الجافة .. ، وهو تقليد أصبحت تنتهجه بعض المساحات الكبرى من خلال الإعلان عن تخفيض وهمي لبيع المواد التي أشرفت على انتهاء صلاحيتها بواسطة أجراء القرعة لحث الزبناء على الاقتناء المكثف للبضائع مقابل الحصول على جوائز. والموقف الغير الواضح، هو لماذا تتذرع الجهات المسؤولة بالمنطق التبريري من أجل التغطية على العجز والقصور واللامسؤولية؟، ولماذا تتشبث أيضا بتطبيق مبدأ تحرير الأسعار بشكل عشوائي في ظل ظروف الأزمة الاقتصادية الخانقة بفعل تدخل عوامل خارجية منها تأثيرات الأزمة العالمية، وعوامل داخلية ممثلة في المحن المرتبطة بالكوارث الطبيعية وسوء التدبير، من غير أن تلتفت إلى التدابير الاستثنائية المشار إليها ؟. كما أنها من جانب آخر، لماذا لم تقم بإخضاع هذا القانون لتقييم موضوعي قصد معرفة نتائجه السلبية والإيجابية من خلال فتح حوار موسع حول مقتضياته بهدف تطوير أدائه والرفع من مستوى فعاليته ؟ ولماذا تتغاضى عن الجوانب الإيجابية لهذا القانون ومنها لزوم إشهار الأسعار التي لا تتجاوز تغطيته الشامل نسبة 20 % .؟ والمؤسف هو أنه بالرغم من إقرار الجهات الرسمية بعمق الأزمة والانفلات الحاصل بسبب قوة نفوذ لوبيات الاحتكار وشبكات المضاربين في كل مواد الاستهلاك. فقد ظلت غير مبالية بالمضاعفات ولا بالنتائج السلبية التي ستنعكس لا محالة على حياة المواطنين، وتدفع بهم للتقهقر في درجات السلم الاجتماعي، في مقابل توفير الأجواء الملائمة للإثراء غير المشروع بالنسبة للمنتفعين والمستغلين. وبسبب إكراهات الظرفية الإقتصادية المتمثلة، في الانكماش الاقتصادي، وتزايد حدة الفقر والهشاشة، جراء ضعف الأنظمة الاجتماعية ، وارتفاع معدل المديونية ، والعجز التجاري ، والعجز في الميزانية ، وإفلاس صندوق المقاصة أمام ضغط تقلبات الأسعار في السوق الدولية التي أدت إلى ارتفاع أسعار عدد من المواد الأساسية كالقمح، وكل أنواع الحبوب، والمحروقات...نطالب الجهات المسؤولة وفي طليعتها الوزير الأول باتخاد الإجراءات التالية : 1- تفعيل البنود الخاصة بالوضع الاستثنائي الواردة في القانون 99/06 . 2- العمل على التصدي للممارسات المنافية للمنافسة بهدف حماية المستهلك . 3- التنسيق مع الجهاز القضائي من أجل تنفيذ البنود الخاصة بالزجر والمتابعات مع الإعلان عن النتائج الخاصة بالجزاءات والعقوبات أمام الرأي العام. 4- إعطاء الأولوية لتحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي بدلا من التركيزعلى التصدير العشوائي الذي يخدم مصالح الأسواق الخارجية، وذوي الامتيازات الخاصة. 5- تقنين أسعار بعض المواد الحيوية بصفة مؤقتة من أجل الحد من المضاربات وحماية المستهلك من الاستغلال المفرط، ونخص بالذكر اللحوم البيضاء والحمراء والسمك، وكذلك القمح ومشتقاته، والقطاني، والنقل العمومي... 6- دعم المصالح الخاصة بالمراقبة وتمكينها من الصلاحيات الكافية من أجل إنجاز مهامها . 7- إصلاح نظام الأجور من أجل الحد من الفوارق الاجتماعية وإنعاش كتلة الطبقة الوسطى. 8- العمل على إعادة النظر في القانون المنظم لأسواق الجملة بما فيها المجازر وأسواق السمك، من أجل وضع حد لممارسات الاحتكار وإعادة البيع والقيام بالأدوار المزدوجة.. 9- الدعم المادي والمعنوي للمنتوج الفلاحي الوطني من خلال تقديم المساعدات للفلاحين، وضمان تعويضهم عن الخسائر والأضرار التي تكون لها صلة بالكوارث الطبيعية، أو بضعف التجربة، وغياب التوجيه. 10- عدم استثناء المواد المهربة ، وكذلك القطاع التجاري غير المهيكل من المراقبة القبلية والبعدية . 11- خلق لجن للمراقبة عند النقط الحدودية (سبتة ومليلية ) من أجل التأكد من سلامة المواد الغذاية والنباتية التي تدخل إلى السوق الوطنية. 12- تحديد هامش للربح، وفرض احترامه من خلال تعميم إشهار الأسعار الخاصة الخاصة بالبضائع والسلع والخدمات، مع التحقق من كيفية تكون الأسعار داخل سلسلة الإنتاج اعتمادا على الفواتير وإجراء المقارنة ..