أصدر معهد هوفر في الولاياتالمتحدةالأمريكية في شهر "مارس" الماضي دراسة بعنوان "تعزيز الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط، من أجل وقف الإرهاب للكاتبين "شادي حميد " و"ستيفن بروك " نشرت في (بولسي ريفيو)، تدعو الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة أوباما، لضرورة تغيير أسلوب التعاطي مع تلك المسألة، ليس بالأقوال فحسب، كما كان يحدث أيام الإدارة السابقة ودون تعزيزها بأفعال، والبعد عن الخطب الرنانة، على اعتبار أن الديمقراطية، هي السبيل الوحيد للقضاء على الإرهاب، والعنف السياسي، الذي تعاني منه منطقة الشرق الأوسط. بعد ان احتلت جيوش الولاياتالمتحدة في العام 2003م العراق، بالتواطؤ مع انظمة الحكم العميلة، والتي تسير في ركبها، واستقبلت من بعض الجهلة في العراق، استقبال الفاتحين وبالورود والرياحين، هددت الولاياتالمتحدة كل من سوريا والمملكة السعودية، بتغيير نظام الحكم بهما، وغيرهما من انظمة الحكم العربية في المنطقة، والتي لا تسير على ضوء وهدي السياسة الأمريكية، غير ان، تزلزل الأرض، تحت اقدام جنودها في العراق، إثر تصاعد المقاومة العراقية الباسلة ضدها، جعلها تتراجع عن تهديداتها للدولتين السابقتين، خاصة كون قواتها ايضا في افغانستان، كانت تتلقى ضربات موجعة، ولا تستطيع خلط الأوراق، وفتح جبهات اخرى امامها والجبهات الساخنة، ما زالت تعلي وتتصاعد ضد قواتها العسكرية، كما أن المملكة السعودية تعهدت مقابل الحفاظ على وضع الحكم بها دون تغيير، على الحفاظ على اسعار النفط ثابتة دون تغير من حيث الزيادة، وعلى مواصلة اغراق السوق العالمي بالنفط، وفقا لمصالح الولاياتالمتحدة. اما الدولة السورية، فحقيقة، قد صمدت للضغوط الأمريكية، واوطأت راسها للعاصفة، وسحبت قواتها من لبنان، وبذلك تمكنت من امتصاص الضغوط الأمريكية عليها. استخدمت الولاياتالمتحدةالأمريكية في عهد بوش الأبن، فزاعة دمقرطة بعض الدول المستبدة في منطقة الشرق الأوسط، والتي يمشي بعضها في ركابها، والبعض الاخر مناويء لها، وايضا شماعة حقوق الانسان، لكنها لم تنجح في ذلك، وعزت الدراسة السبب في ذلك، ان هذه السياسة، اعتمدت على الأقوال فقط دون الأفعال، وان الولاياتالمتحدة، لاقت انتقادات جمة، من بعض الدول التي تسير في ركبها كالسعودية ومصر والأردن، لمواقفها من دولة الاحتلال الصهيوني، وبهذا اصبحت مصداقية وسياسة الولاياتالمتحدة امام هذه الدول على المحك، وفي نفس الوقت، فان سياسة دعم الولاياتالمتحدة لهذه الدول، كان على حساب المعارضة لأنظمة الحكم هذه، وهذا يتناقض في حقيقته مع سياسة الدمقرطة وحقوق الانسان، التي تنادي بها الولاياتالمتحدةالأمريكية. تقول الدراسة ايضا، ان سياسة مشاركة القوى المعارضة لأنظمة الحكم المستبدة والتي تحمل السلاح ايضا، يقلل من العمليات الأرهابية ضد الولاياتالمتحدة، وفي المنطقة بشكل عام، واستشهدت على ذلك بقولها عند دخول حركة المقاومة الاسلامية (حماس) في الانتخابات الفلسطينية، ووصولها لسدة الحكم، فان عملياتها الارهابية (الأستشهادية) انخفضت كثيرا، عما كانت عليه قبل وصولها، كما أشارت إلى أنه مع انخفاض نسبة الاستبداد في العراق، عن طريق دمج الجماعات المسلحة في العملية السياسية، تبع ذلك انخفاض مستوى العنف ايضا، لذا فان الدراسة، ترى في امكانية مشاركة القوى المعارضة، حتى ولو كانت مقاومة، في انظمة بعض الحكم في منطقة الشرق الاوسط، يمكن ان يجدي نفعا، بتقليل الارهاب، واستشهدت الدراسة ايضا في دعم الولاياتالمتحدة للمعارضة الأيرانية، ضد السياسة الأيرانية المعادية لها، مما عمل على كبح جماح سياسة ايران بالمنطقة نوعا ما، وهدد حكومتها. رأت الادارة الأمريكية بعد صعود الرئيس اوباما، سدة الحكم في الولاياتالمتحدةالأمريكية، على أن تعزيز المساعي الديمقراطية في الشرق الأوسط، يعد أحد المكونات الأساسية للسياسة الأمريكية في المنطقة، وان حل قضية الشرق الأوسط، والمتمثلة في القضية الفلسطينية، وعلى اساس حل الدولتين، هو الطريق الصحيح والأمثل، لجلب الهدوء والأستقرار للمنطقة، والتقليل من العمليات الارهابية، حيث اعتبرتها من اسباب عدم الاستقرار، لذا حاول العمل عليها. تقول الدراسة ايضا أنه بوصول أوباما لسدة الحكم، دار نقاش موسع داخل الولاياتالمتحدة حول وضعية كل من الديمقراطية وحقوق الإنسان في السياسية الأمريكية، حيث تم التوصل لاتفاق عام، حول ضرورة إعادة تقييم التمركز الأمريكي في المنطقة، وعدم مهاجمة النظم السياسية، واتخذ الرئيس أوباما القرار الاستراتيجي بضرورة التركيز على وضع حل للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، الذي يمثل في رايه جوهر الامتعاض والشكوى من قبل الجانب العربي، مما أدى إلى تعزيز العلاقات مع نظم استبدادية، مثل المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية نظرًا لدورهم الرئيسِي، والذي لا غنى عنه في عملية السلام. يرى عدد من المحللين، أن هذا التحول في الأسلوب، وخفض مستوى الترويج للديمقراطية، لتعتلي مرتبة أقل في إطار أولويات السياسة الأمريكية في المنطقة، يمكن أن يعيد الوضع كما كان عليه، قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، لكن هذا التحول، لا يعني التحول عن الهدف الأساسي، وهو نشر الديمقراطية ودعمها، لكن باستخدام أدوات مختلفة، وهي تقديم مساعدات فنية وتقنية لكل من السلطة التشريعية والقضائية، وتقوية مؤسسات المجتمع المدني في المنطقة. بعبارة أخرى التحول إلى نهج يعتمد على الدعم، وليس الانتقاد والهجوم. كشفت الدراسة ايضا، أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، تعبر عن وجود علاقة عكسية بين غياب الديمقراطية، وعدم توفير السبل السلمية للأفراد، للاعتراض وإبداء شكواهم من جانب، واللجوء إلى العنف من جانب آخر. وبهذا تؤكد الدراسة على أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لم تحدث بسبب رفض وكره الإرهابيين للحرية والديمقراطية الأمريكية، وإنما بسبب ما أفرزته البيئة السياسية في منطقة الشرق الأوسط من إحباط وغضب وعنف، وغير ذلك من مظاهر القمع. تقول الدراسة، ان هذا ما قد أكد عليه الرئيس السابق جورج دبليو بوش في خطابه التاريخي للصندوق الوطني للديمقراطية في نوفمبر من عام 2003م حينما قال:"إن الشرق الأوسط سوف يستمر مصدرًا رئيسًا للعنف والإرهاب، طالما استمر هذا النهج القمعي للحريات". أكدت الإدارة الأمريكية في أكثر من موقف ومنبر على ضرورة دعم وتعزيز الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط بصورة مكثفة، كأحد أساليب علاج الإرهاب والتطرف والعنف. لكن مع تدهور الأوضاع في العراق، وزيادة التوسع الإيراني في المنطقة، وفوزعديدٍ من الأحزاب ذات المرجعيات الإسلامية في الانتخابات التشريعية في مختلف بلدان المنطقة، بدأ الحماس الأمريكي في تعزيز الديمقراطية في الزوال. أكدت الدراسة كذلك على أن الحديث الأمريكي بصوت مرتفع عن استخدام أدوات مثل الحرب على الإرهاب، وتعزيز الديمقراطية لتحقيق المصالح القومية الأمريكية، يبدو نفاق عندما تتعلق المسألة بالأمور الأمنية والاقتصادية، وأن مسألة نشر وتعزيز المسيرة الديمقراطية لا يقتصر فقط على الضغط على النظم السلطوية، لاسيما المصرية والأردنية والسعودية، وإنما تستلزم أيضًا محاولة تفسير طبيعة العلاقة بين الاستبداد من جانب، والإرهاب من جانب آخر. مما جاء في الدراسة ايضا، أن النظام السعودي يعد من أكثر سبعة عشر نظامًا قمعيًّا على مستوى العالم، مما يجعله لا يطيق ذرعا بوجود أي تيار معارض له في الداخل، ولهذا، فقد اعتمد منذ بداية الثمانينيات، على دعم شرعيته، من خلال توجيه المعارضة، لخوض معارك أخرى في الخارج، لدعم ومساندة القضايا الإسلامية الأخرى، وهنا استخلصت الدراسة، أن السياسة الداخلية السعودية، كان لها العديد من العواقب والتداعيات الوخيمة على العالم الخارجي. تؤكد الدراسة على أن الظاهرة التطرفية، تتسم بكونها متعددة الأسباب، منها ما هو اجتماعي أو اقتصادي أو ثقافي أو ديني، يُسهم كل عنصر من تلك العناصر، في تنمية أحد أبعاد التطرف، إلا أن العنصر الأكثر تأثيرًا، هو ما يطلق عليه "عجز الديمقراطية في الشرق الأوسط"، الذي يقوم بدوره برفع مستوى العنف، وزيادة نسبة التطرف الديني في المنطقة، الذي انعكس بشكل كبير، على باقي المناطق في العالم، بفعل ما يطلق عليه "التدفق الانتشاري" . ومن ثم فإن أي جهود طويلة المدى، لتعزيز مسيرة الديمقراطية المتعثرة في المنطقة، لابد أن تقوم على تقديم الدعم الكامل للأصوات المدافعة عن الديمقراطية، التي انهكت بفعل الأنظمة الاستبدادية،تقوم الاستراتيجية الأمريكيةالجديدة في مكافحة وقمع الإرهاب على ضرورة توافر عدة عناصر رئيسة، وهي كالتالي: أولاً: تقديم مساعدات مشروطة في حالة القيام بإصلاحات سياسية، وفي مجالات حقوق الإنسان. ثانيًا: التركيز على الديمقراطية باعتبارها أحد محاور النقاش الهامة، مع القادة العرب في إطار المباحثات الثنائية. ثالثًا: السعي للتوصل لاتفاق يهدف لدمج الأحزاب الإسلامية غير العنيفة أو غير المسلحة في العملية السياسية. رابعًا: استغلال الولاياتالمتحدة لعضويتها في المنظمات الدولية من أجل الضغط لزيادة المخصصات المالية والميزانيات المخصصة للشراكة مع دول منطقة الشرق الأوسط. خامسًا: تعميق العلاقات مع الشركاء الدوليين لاسيما الاتحاد الأوروبي ورفع مستوى المسئولية من أجل تبني المبادرات المختلفة التي تهدف للجمع بين التيارات الإسلامية والعلمانية، على حد سواء في النهج الديمقراطي. سادسا: تقديم الدعم المستمر، لزيادة أحزاب المعارضة، والسعي لإقامة انتخابات حرة نزيهة تقوم على الشفافية. تبقى نقطة اخيرة ومهمة اغفلتها الدراسة، قد تكون بغير قصد، وهي المتعلقة بالعدالة، فسياسة الولاياتالمتحدةالأمريكية، وكذلك الدول الأوروبية بدون استثناء، لا تبني مواقفها السياسية الدولية، على اساس مبدأ العدالة، في علاقتها مع دول الشرق اوسط، والدول العربية والاسلامية بعامة، خاصة اذا كانت مثل هذه الدول، ضعيفة ولا حول لها ولا قوة، وهذا يجعل الشعوب العربية والاسلامية، ان تحقد على السياسة الأمريكية في كل مكان، ويظهرها بمظهر ازدواجية المعايير في سياستها الدولية، وهذا يتجسد حقيقة، في علاقاتها المنحازة بالمطلق لدولة الاحتلال الأسرائيلي الصهيونية ضد العرب والمسلمين، خاصة فيما يتعلق بقضية فلسطين، فالولاياتالمتحدةالأمريكية تتواصل بدعم السياسة الاسرائيلية العدوانية في مجلس الأمن الدولي، وكافة المحافل الدولية، وعلى كافة المستويات والصعد العسكرية والسياسية، ولا تقبل ان تضغط عليها قيد انملة من اجل ان تغير سياساتها العدوانية واللاانسانية، وهذا ما افقدها ويفقدها مصداقيتها دوما، ويشوه صورتها وسمعتها في كافة المحافل، ما لم تغير من سياستها هذه. [email protected]