خلال اكثر من ثمانية عشر عاما من المفاوضات، المتواصلة والمباشرة، بين قيادة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية من جهة، والقيادة الاسرائيلة من جهة اخرى، جرى التفاوض، على اساس انهاء الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وعودة اللاجئين الفلسطينيين مع تعويضهم، ووقف الاستيطان الصهيوني، واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس الشريف، على حدود الرابع من حزيران في العام 1967م، وبحث قضايا المياه والحدود وخلافها من القضايا، ومن ثم، انهاء حالة الحرب بين الجانبينن واقامة السلام العادل والشامل. لم تتمكن السلطة الفلسطينية بقيادة الفريق المفاوض، بعد كل هذه المدة من الزمن، من تحقيق اهدافها بانهاء الاحتلال الصهيوني، ولا وقف الاستيطان اليهودي في الاراضي الفلسطينيةالمحتلة، حيث واصلت سلطات الاحتلال، بناء المستوطنات في ارجاء الضفة الغربية، وعملت كذلك على مواصلة استيلائها على اراضي القدسالشرقية، وبناء المستوطنات، وتهويد المدينة، بدون توقف بالمرة. لذلك وصلت المفاوضات مع الجانب الاسرائيلي الى طريق مسدود، حيث لم تتقدم المفاوضات بين الجانبين قيد انملة، وهذا عائد بالأساس، لمماطلة الجانب الاسرائيلي بتنفيذ التزاماته المترتبة عليه، في عملية السلام، بينما الجانب الفلسطيني، استوفى كل التزاماته المتعلقة به كاملا. ما زالت قضية الاحتلال قائمة، وبناء المستوطنات والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية متواصل، وتهويد القدسالشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية المنتظرة، تتهود من قبل الاحتلال، وما زالت قضية ترسيم الحدود وقضية المياه وموضوع عودة اللاجئين معلقة، ولم يجر الحديث بها بعد، على اساس انها مؤجلة، لمحادثات الحل النهائي. بناء على ما تقدم، اوقفت السلطة الفلسطينية وقيادة منظمة التحرير، المفاوضات مع الجانب الاسرائيلي، لحين وقف بناء المستوطنات، ووقف تهويد مدينة القدس وهدم مباني الفلسطينيين بها، وهذا يعني ان عملية السلام مع الجانب الاسرائيلي في خطر، طالما انها لا تتقدم قيد انملة، وقد تؤثر سلبا على استقرار منطقة الشرق الاوسط ككل، ويدعو العالم الحر والمتمدن للوم الطرف المسبب في ذلك، مما اغضب الجانب الاسرائيلي، وطالب قيادة السلطة ومنظمة التحرير بضرورة العودة ومتابعة المفاوضات، لوضع حل نهائي للصراع العربي الاسرائيلي، وبمعنى أصح، الصراع الفلسطيني-الاسرائيلي. وقد اصرت القيادة الفلسطينية على موقفها الرافض لوقف المفاوضات مع الجانب الاسرائيلي، طالما الاستيطان الصهيوني يتواصل ويبتلع اراضي الفلسطينين في الضفة الغربيةالمحتلة، ومدينة القدس الشريف، ويتواصل تهويد المدينة المقدسة ايضا. اتخذت القيادة الاسرائيلية من مواصلة المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، ودون تقديم اي تنازلات من جانبها للسلطة الفلسطينية، بما يتعلق بالارض والسكان وهدم المنازل وخلافه تغطية امام دول العالم، بان طريق المفاوضات مع الفلسطينيين سالكة، ولا مشاكل تواجهها، وعملية وجهود السلام مستمرة لانهاء الصراع في المنطقة، بينما هي في نفس الوقت وحقيقة الأمر، تلتهم اراضي الفلسطينيين، وتبني المستوطنات، وتحاصر القدس بالمستوطنات ايضا، ويتم تهودها وتهدم مساكنالفلسطينيين، وتضيق الخناق عليهم، وتسرق المياه الجوفية، وتضع الحواجز والعراقيل امام حركتهم وتنقلهم وخلافه، وهذا بطبيعته يتناقض مع الاستحقاقات المترتبة على الاسرائيليين في عملية السلام، بينما الفلسطينيون يلتزمون دوما، بتنفيذ كل التزاماتهم وما يترتب عليهم ايضا من امور اخرى. طالبت الولاياتالمتحدةالأمريكية القيادة الفلسطينية، بضرورة الحفاظ على عملية السلام، وضرورة مواصلة المفاوضات السياسية، على اساس حل الدولتين، كما طالبت القيادة الاسرائيلية بضرورة وقف الاستيطان، حتى يتسنى للجانب الفلسطيني من العودة لطاولة المفاوضات. لكن الجانب الاسرائيلي، رفض وقف الاستيطان، واستمر بسياساته التوسعية والاستيطانية، وتهويد مدينة القدسالشرقية. تحت ضغط الولاياتالامريكية والدول الأوروبية، ادعت القيادة الاسرائيلية، بانها عملت على تجميد الاستيطان لبضعة اشهر، كي يعود الجانب الفلسطيني الى طاولة المفاوضات، استجابة للضغوطات الامريكية على القيادة الاسرائيلية، اما القيادة الفلسطينية، فقد اعتبرت هذا الموقف الاسرائيلي غير كاف بالمطلق، لاستئناف عملية التفاوض، ما لم يتم وضع حد للسياسة الاستيطانية التوسعية، وتحديد مرجعيات لعملية التفاوض. لكثرة الضغوط الامريكية والعربية على الجانب الفلسطيني، فان القيادة الفلسطينية، على وشك التراجع عن موقفها الذي اتخذته بصدد وقف المفاوضات، والقبول بمفاوضات غير مباشرة مع الجانب الاسرائيلي لمدة اربع اشهر، سوف يتم خلال هذه المدة بحث موضوع ترسيم الحدود، حسب المقترح الامريكي، وفي حال عدم تمخض المفاوضات على نتائج ايجابية، سيضطر الجانب الفلسطيني والعربي، برفع الأمر لمجلس الامن الدولي للبث فيه، على ان لا تلتزم الولاياتالمتحدةالأمريكية باستخدام حق النقض الفيتو، ضد اي مشروع قرار بهذا الصدد. السؤال الذي يطرح نفسه الآن، ما اهمية ان تتم المفاوضات بشكل غير مباشر مع الجانب الاسرائيلي وليس بشكل مباشر مثلا، وما هي اهمية الفترة الزمنية المحددة باربعة اشهر لتمخض نتائج ايجابية لمثل هذه المفاوضات؟؟؟ اذا علمنا ان القيادة الفلسطينية والفريق المفاوض، لم يتمكن خلال ثمانية عشر عاما، من وقف عملية بناء المستوطنات، ومن خلال عملية مفاوضات مباشرة، فكيف به يستطيع، ان يضع حلا للأمور العالقة (طبعا جميع بنود المفاوضات عالقة لغاية تاريخه) خلال اربعة اشهر من مفاوضات غير مباشرة مع الجانب الصهيوني؟؟؟؟؟ واذا ما فشلت هذه المفاوضات، ما هو البديل لدى الجانب العربي والفلسطيني للمفاوضات؟؟؟؟؟ من الواضح ان الجانب العربي والفلسطيني خاصة، لا يملك اية خيارات بديلا عن للمفاوضات، سوى المفاوضات، وعدم الرضوخ للقيادة الاسرائيلية بتوقيع اتفاقية دائمة لعملية السلام، وترك الاوضاع للمستقبل المجهول، وما قد يسفر عنه من فوضى على كافة الصعد الشعبية والعربية والاسلامية. الجانب الاسرائيلي ما زال يناور بقبول حل الدولتين، الذي تبنته القيادة السياسية للولايات المتحدةالامريكية، ووعدت به منذ اكثر من عشرة سنين، ولم تعمل على تحقيقه بشكل جاد وفاعل، وهذا يعني ان القيادة الاسرائيلية، ما زالت مصممة على حكم الشعب الفلسطيني وتمسكها باحتلال اراضيه، والاستيلاء على مدينة القدس والمقدسات الاسلامية والمسيحية، وبهذا عليها ان تحكم شعبا عريقا كالشعب الفلسطيني، والذي يبلغ عدد سكانه اكثر من خمسة ملايين نسمة يقيمون على كل اراضي فلسطين التاريخية. ولا شك ان تعداد هذا الشعب، بتزايد مستمر خلال الأعوام القادمة، حيث تعتبر معدلات الولادة لدى الجانب الفلسطيني مرتفعة جدا (3.5%)، اذا ما قورنت بمعدل ولادات الجانب الاسرائيلي (1.25%) وهذا سوف يضع القيادة الصهيونية مستقبلا، امام مأزق ديموغرافي فلسطيني، اذا علمنا ايضا بان عدد افراد الشعبين سيتساويان بالأعوام القليلة القادمة، بحيث يصل تعداد كل شعب الى ستة ملايين نسمة تقريبا، وهو وجود دولة واحدة لشعبين على ارض الواقع، وهو ما ترفضه القيادة الصهيونية، حيث انها تواقه لاقامة دولتها، كدولة واحدة نقية يهودية 100%, فما هي الخيارات ايضا امام القيادة الصهيونية بهذا الصدد؟؟؟ هل تقبل بدولة ثنائية القومية، تتنازع بها القوميتان الفلسطينية واليهودية عبر عشرات السنين القادمة؟؟؟؟؟؟؟ خاصة وان أعداد الشعبين سيكونان متقاربين في الاعوام القادمة، كما ذكرت سابقا، حيث سيبلغ عددهم ستة ملايين مواطن لكل شعب؟؟؟؟ ام انها سوف تتمكن من طرد شعب باكمله خارج اراضيه، كي يتسنى لها ان تقيم دولتها العنصرية والنقية على انقاض هذا الشعب؟؟؟؟ ام انها مع مرور الزمن، ستقبل طواعية بقبول دولة واحدة ديموقراطية حقيقية، يتقاسمها الشعبان الفلسطيني والاسرائيلي، كل حسب تعداد سكانه، وتتشكل حكومة ديموقراطية مستقلة من الجانبين، وببرلمان مشترك ايضا، من الجانبين، الفلسطيني والأسرائيلي؟؟؟؟ الأشهر القادمة حبلى بالأحداث، فالننتظر الولادات الجديدة المتعسرة مع شدة الطلق وارتفاع وتيرته، مع ان اللعب بالوقت الضائع، لن يجدي نفعا، طالما اللعب بالوقت الأصلي، لم يحقق سوى خيبة الأمل، ومواصلة الهزائم والتراجعات. [email protected]