تعالوا نتخيّل - والتخيّل ليس حراماً - أو لنفترض جدلاً أن الرافضين لتقنين أحكام الأسرة في البحرين والماسكين بزمام المحاكم الشرعية في قضايا الأسرة - هداهم الله – لنفترض جدلاً أنهم قرّروا أن يضعوا نهاية، أو يكون لهم دور في التخفيف من الظلم الواقع على الأسر المتضرّرة – نساء وأطفالاً - جرّاء عدم وجود قانون يحكم (أمزجة) القضاة ويوجّههم نحو إصدار أحكام أكثر عدالة وإنصافاً، وأقرب لروح الشريعة ومقاصدها، فيما يخص قضايا الطلاق عملاً بقوله تعالى: "فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ". فلو تحقّقت أمانينا، وأثمرت الجهود المبذولة من قبل الأطراف المعنية - وعلى رأسها الجمعيات النسائية الممثلة في الاتّحاد النسائي – وتمّت الموافقة على إصدار قانون أحكام أسرة يستند إلى الشريعة الإسلامية فالسؤال الأهم هو: هل ستكون بنود هذا القانون حديثة، ومتطوّرة تتناسب مع الواقع الاجتماعي والأسري في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، ومسترشدة في ذلك بآراء المختصّين بقوانين الأسرة المطبّقة في البلاد الإسلامية المتقدمة علينا في هذا المجال كإيران مثلاً؟ أم أنها – وهذا ما نخشاه – ستكون (عتيقة) من نتاج عقليّات ذكورية مستبدّة تحمل آراء القرون الوسطى، ومتلبّسة بلباس الدين لتُبقي على واقع الظلم تحت مظلّة القانون والشرع، فيضطر المهتمّون - بعد المعاناة الطويلة لتقنين أحكام الأسرة - أن يدخلوا في حرب أشرس وأطول للمطالبة بقوانين مستنيرة وعادلة. قبل أن يقع هذا المحظور، ولكي لا نقف متفرّجين في مرحلة المخاض التي يمرّ بها المجتمع إلى حين الموافقة على صدور قانون أحكام الأسرة الذي باتت الحاجة إليه من أولى الأولويات، لابد من تكاتف جهات عدّة والعمل على إعداد برامج متوازية لتحقيق المنشود بأفضل صورة وفي أسرع وقت ممكن، فالزمن يمضي، والأمم تتقدم، ولا نحتمل مزيداً من الانتظار فيما أصبح أشبه بداء ينخر في اللبنة الأساسية للمجتمع (الأسرة) لينتج مجتمعاً مفكّكاً، وأجيالاً غير سويّة، تعيد إنتاج الظلم والاستبداد الذي مورس عليها، في حلقة مفرغة لن نتمكن من كسرها إلا إذا تحمّلت كل جهة مسئوليتها. فالمرأة أولاً، لابد أن تأخذ بزمام المبادرة وتبذل الجهد الأكبر في التخلّص من الجهل بحقوقها، ومن ثمّ رفع الظلم عن نفسها، وهذا بحاجة إلى درجة عالية من الوعي والثقافة والاطّلاع والتخصص في مجالي الشرع والقانون والمزاوجة بينهما لتتعرّف على حقوقها التي تريد أن تطالب بها ولا تُخدع من قبل أي من الرجال أزوجاً كان أو أباً أو شيخاً أو مفتياً. كما أنّ على الجمعيات النسائية والحقوقية العمل معاً لوضع برامج مدروسة تساهم في بثّ هذا الوعي المفقود بين شرائح المجتمع المختلفة، باستخدام جميع وسائل الاتصال كالبرامج الإذاعية، والتلفزيونية، والصحافة، والمواقع الالكترونية ذات الطابع الاجتماعي كالفيس بوك وتويتر وغيرها لمخاطبة مختلف الفئات من كبار السنّ إلى الشباب لأنهم جميعهم في الجهل بحقوقهم سواء. فبحسب استطلاعات الرأي التي قامت بها أكثر من جهة فإن أكثر النساء في البحرين تعتقد أنه يحق للزوج أن يضرب زوجته لأي سبب، والأدهى أنها تعتقد بأن الله أمره بذلك (!)، وأن من حقه أن يحرمها من ممارسة أنشطتها الاجتماعية والقيام بأدوارها المختلفة إلا بموافقته ورضاه، وأنها يجب أن تطيعه في كل صغيرة وكبيرة، ولا بأس من إهانتها والإساءة إليها عاطفياً أو جنسياً، فهو (القوّام) عليها، ولا تعلم أن مصطلح "بيت الطاعة" ما هو إلا أكذوبة لترويعها وإذلالها، وقد غُرست هذه المفاهيم في لاوعيهن فلا يتساءلن عن صحة هذه الأحكام ومصادرها، ولو جاء من يريد أن ينتشلهن من هذا الجهل فستكون المرأة – عدوّة نفسها - أوّل من يعارض ذلك. وأكاد أجزم أنّ أكثر نساء البحرين لا علم لهن بالحقوق التي حصلت عليها بقية نساء العالم والانجازات التي حقّقتها في هذا الصدد، فلا تعلم أنه يحق لها أن تكون قاضية تساهم في رفع الظلم وإفشاء العدل، وأنّ هناك من رجال الدين، والعلماء، بل ومن النساء المحقّقات من فنّد شَرطيْ الذكورة والاجتهاد المرفوعين ضدّ تبوّئها أعلى مراتب القضاء، وأنه في بعض البلاد النامية والمتقدمة لا يمكن الاستغناء عن وجودها إلى جنب الرجل في قضايا الأسرة والجريمة وغيرها، وقد يندهشن إذا سمعن أن عدد القاضيات في إيران وحدها بلغ أكثر من ستمائة قاضية تقارع الرجال بجدّارة وإصرار واقتدار حتى تحصل على حقوقها كاملة .. بينما نحن لازلنا نستجدي أن يُقنن قانون الأسرة، وبالمناسبة – لمن لا يعلم – فإن قانون أحكام الأسرة في إيران يستند إلى الشريعة الإسلامية بحسب مذهب أهل البيت (ع)، فلا يمكن تصديق من يقول أنّ التقنين يخدش في شرعية الأحكام. كما أنه ليس من المقبول أن تنفض الحكومة يدها من ممارسة الضغط على الجهة التي ترفض تقنين الشق الثاني من أحكام الأسرة، والحذر من استخدامه كورقة مساومة أو عربون مغازلة لبعض أطراف المعارضة لتتحول قضية تقنين أحكام الأسرة إلى حكايات ألف ليلة وليلة.