"إيوا قضاوها الرجال، أوما بقانا غير لعيلات حتى هما يحكمو البلديات". كلام لاكته وتلوكه ألسن العامة كثيرا قبل وبعد الانتخابات الجماعية الأخيرة، خاصة بعد أن فاز بها عدد لا يستهان به من النساء المقتدرات. عبارات نسمعها –مع الأسف- من كل الفئات والشرائح، النابهة منها والجاهلة، وحتى النساء يروجن بدورهن، عن جهل أو بحسن، لهذه الفكرة الذكورية التي تحبس دور المرأة في نطاق أعمال بسيطة خاصة، وتخصص للرجل الأدوارا المهمة والمميزة، وهي فكرة خطيرة وغير عملية وغير صحيحة اعتاد الناس على أن يجعلوا لكل إنسانٍ دوراً بحسب مزاجيتهم. كما يلاحظ في جل المجتمعات الإسلامية، التي تخصص لكل إنسان دورا خاصا. فليس مفاجئاً، بل محتمل جدا، أن تصدر ردود فعل عن العامة في اللحظة التي يقع فيها أي حدث خاص بالمرأة في بلد تسيطر فيه الثقافة الذكورية؛ ويبدو مفهوما الى حد كبير الحضور الذكوري في كل شؤون المرأة، اللهم إلا من يجهل الثقافة هذه المجتمعات ومن بينها المجتمع المغربي، فيتوهم غبر ذلك. لكن غيرالمفهوم وغير المحتمل والمفاجئ حقا هو الذي يكمن في ردود فعل من يحسبون أنفسهم مثقفين الذين تفيض ثقافتهم عن المرأة وتزداد وثيرتها بعد انتهاء موسم الانتخابات وتغدو أصواتهم الذكورية أكثر ارتفاعا عن الأصوات النسائية في شأن المرأة نفسها.. وينتدبون أنفسهم للتفكير بالنيابة عن صاحبة القضية المتداولة والمطروحة للنقاش والسجال ويقررون بما يناقض ديمقراطية الشعارات الشكلية التي يرفعونها قائلين مثلا لا حصراً «المرأة ليس محلها العمل السياسي» أو«مازال الوقت مبكرا على انتخاب المرأة ودخولها ملعب السياسة» فالمساواة بين الجنسين هو قانون عام من قوانين الوجود، حيث لا يوجد امتياز جوهريّ لجنس على آخر، بين جميع الكائنات الحيوانية، والنّباتية بإستثناء بني البشر، والتي إذا تحققت بين عضوي المجتمع البشريّ الرجل والمرأة لأتاحت الاستفادة التّامة من خصائصهما المتكاملة، وسرٌِعت التّقدم الاجتماعيّ والسّياسيّ، وضاعفت فرص بلوغ السّعادة والرّفاهيّة للإنسانية جمعاء، لأن ملكات المرأة الرّوحانيّة وقدراتها الفكريّة والعقليّة، وهما جوهر الإنسان، لا تختلف عمّا هي عند الرّجل. وهما سواء في كثير من الصّفات الإنسانيّة، وقد كان خَلْقُ البشر على صورة ومثال الخالق، لا فرق في ذلك بين امرأة ورجل وليس التّماثل الكامل بين الجنسين في وظائفهما العضويّة شرطًا لتكافئهما، طالما أنّ علّة المساواة هي اشتراكهما في الخصائص الجوهريّة، لا الصّفات العرضيّة. لكننا حينما نخص في حديثنا عن العنف المرأة بالذات باعتبارها الجنس اللطيف، وللأسف فبدلاً من أن تكون هذه الميزة التي حبا الله تعالى بها المرأة حافزاً يحثُّ الجميع على فهمها بشكل أعمق لإتاحة الفرصة أمامها من أجل تقدمها في سلم الحضارة الإنسانية -لما لها من تأثير قوي في حركة التغيير والتطوير- أضحى هذا الأمر مبرراً للذكر ليمارس الميز والتمييز ضدها بمختلف أشكاله وخاصة عدم اشتراكها اشتراكًا متكافئًا في شؤون الحياة، رغم أنه ليس هناك دليل على أنّ الله يفرّق بين الرّجل والمرأة من حيث الإخلاص في عبوديّته والامتثال لأوامره حيث خاطبهما سبحانه معا إما بلفظ مطلق الجنس ''لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم'' [النور:11]، ''للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله'' [النساء:32]. فإذا كانا متساويين في ثواب وعقاب الآخرة، فَلِمَ لا يتساويان في الحقوق والواجبات إزاء أمور الدّنيا التي وقعت معظم الحكومات العربية على ميثاق حقوق الإنسان الذي صدر عن هيئة الأممالمتحدة عام / 1948 /.. كما وقَّعت أيضاً على الوثيقة الخاصة بحقوق المرأة ومساواتها مع الرجل الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام / 1967 / وفيها طلب واضح وصريح من كافة الدول الموقعة بضرورة تعديل تشريعاتها بما ينسجم مع النصوص المعلنة وبخاصة ما تعلق منها بحقوق المرأة السياسية، وبأهليتها المدنية، والمالية الكاملة، لكن أكثريتها ،مع الأسف، لم تلتزم بها ولن تفعل. والظّنّ قديمًا بالتحجير على المرأة وحبس دورها في بعض الأعمال المنزلية-على خطورتها- لعدم كفاءتها في غيرها، لم يكن أمرًا أملته طبيعتها بقدر ما برّره نقص تعليمها وقلّة مرانها، وأعباء عائلتها، وعزوفها عن النّزال والقتال لفرض وجودها، حيث كانت هي نفسها من يساعد في ترسيخ هذا الفهم وذاك المفهوم، باهتمامها بان تكون من أميز اهتمامات الرجل ليمجدها ويخلدها. لكنه فى اقرب شرخ للعلاقة الموجودة تحل الصدمه ويصبح الانهيار للمثال وتبدأ السادية وكل أساليب الاضطهاد المادية والمعنوية التي يستمد الرجال معظم أحكامها المجحفة للمرأة المسلمة، من الأحاديث النبوية -الموضوعة طبعا- التي توسع استعمالها اليوم بصفة تفوق ما عرفته عصور الانحطاط وما تلاها من مراحل تخلف المسلمين،ٍ والتي تحجر(الأحاديث) على المرأة بشكل أو بآخر، بعد أن حملتها التيارات المتشددة بالشحنات الإيديولوجية العدائية التي توظفها ورقة جاهزة تشهرها في وجه المرأة لتقميطها وتحقيرها وتسفيه ما قامت به، ما يمكن أن تقوم به، كلما تطلعت إلى أبعد من أنفها. وما تقديم الرجل على المرأة في الأزمان الغابرة لأسباب اجتماعيّة وظروف بيئيّة إلاّ شبهة مرجعها الجهل والأنانية لم يعد لها وجود في الحياة الحاضرة بعد أن فُتحت، اليوم، في وجه المرأة أبواب التّعليم، وأتيحت لها فرص ومجالات الخبرة بمساواة مع الرّجل، وتهيّأت لها كل الوسائل، وعُبدت أمامها كل السبل وأصبح حضورها "بارزا على جميع المستويات، فاستطاعت منافسة الرجل ومزاحمته باختراقها كافة مجالات الحياة في التعليم والعمل وتكوين الأسرة وبدخولها القوي إلى تجربة تسيير المجالس البلدية حيث تنافست أكثر من 21 ألف امرأة مغربية ، ضمنهن 5853 مرشحة في إطار اللوائح الأصلية فازت ب3406 مقاعد مقابل 127 حصلت عليها في آخر انتخابات محلية سنة 2003، لتتعدى التمثيلية النسائية في المجالس المنتخبة 12.38% بعد ما كانت لا تتجاوز 0.56%. ماجعل إجمالي نسبة النساء يصل إلى 15.7 % مقابل 4.8 % سنة 2003 لقارب المعدل الوطني للمشاركة النسائية ال 5 مرشحات لكل مقعد (10.6 %في الوسط الحضري و3 % في الوسط القروي) موزعة بحسب السن كالتالي: 9.4 من المرشحات تقل أعمارهن عن 23 سنة، و52.2% تقل أعمارهن عن 35 سنة. وتوزعت بحسب المستوى الدراسي، فجاء: 55.6 % من المرشحات يتوفرن على مؤهل علمي ثانوي أو عالي وبلغ مجموع النساء المنتخبات في الأجهزة المسيرة للجماعات 829 منتخبة، بما يزيد عن 24% من مجموع المنتخبات واحتلت أربعة منهن منصب رئاسة الجماعة التي انتخبن فيها .. ولاشك أن هذا التفوق المشهود له بالذكاء والمهارة الفطرية والصفات الروحانية من المحبة والخدمة التي تجلت في مشاركتهن تجلياَ عظيما، والذي صار يزداد نموا يومَا فيوم، ويدفع بجهة العنف نحو الاضمحلال، في كل الميادين والسياسية على رأسها؛ أقلق الرجال، بل أرعبهم وجعلهم يشعرون بعقدة النقص أمام امرأة طعنت رجولتهم وحطمت كبرياءهم و نازعتهم على عرش وقيادة ومفاتيح لعبة عاشوا لعقود طويلة يحركونها كيفما يشاؤون ووقتما يشاؤون. إذ لا شيء يمكن أن يهتز له اعتقاد الرجل الراسخ بالتفوق والتميز(اهتزازا سلبياً) مهما بلغت فتوته سوى امرأة تشاركه القرار وتنافسه فيه وتقول له: "لا"، وهو الذي تربى على ثقافة"شاورها ولا دير برأيها". الشيء الذي أذكى الصراع الأزلي بين المرأة والرجل وجعله يأخذ أشكالاً عديدة ظاهرة وباطنة ويدفع بجل الأحزاب الذكورية، إسلامية كانت أوليبرالية إلى إحباطها ومحاولة إثبات ضعفها وعجزها وحاجتها إلي قوامة الرجل، وإهمالها على القوائم ومنعها من مكاتبها السياسية. حتى أننا قلما نجد حزبا مغربيا أوعربيا أوصل امرأة لمنصب أمينة عامة، رغم استغلالهم صوتها فترة الانتخابات وبعد انتهاء حاجتهم يطعنون التي أوصلتهم وتصبح ضمن الكفر والإباحية وبهذا السلوك اللاديمقراطي، وذاك التصرف الفاضح، يكون فقه التضييق على المرأة قد قدم نفسه -سواء كان مدركا لذلك أو غير مدرك- كآلية من آليات الدفاع عن الهوية الذكورية الهشة والذات الرجولية المهددة، واعترف علانية بعدم القدرة على السيطرة على النزعات الجسدية المكبوتة. بسبب اضطراب موازين العهود السالفة التي عاشت على أسطورة حضوة الرجل وتحكمه وتفوقه، والتي كان ينسب خلالها لنفسه في كل زمان ومكان، ليس الأولوية والسبق على النساء فحسب؛ بل السيادة المطلقة والامتياز التام، إلى درجة أنه آمن بأنه هو من خلق "حواء" أم البشرية من ضلعه الأعوج. ولوقف هذا المد النسائي الرافض لاستبداد السي السيد وجبروته، والتسليم باحتكاره اللعبة السياسية في المغرب، واقتحام كل "القلاع الانتخابية" التي ظلت وما زالت حكرا على الجنس الخشن. و بحجة أن ما وصلت إليه المرأة من تحرر، أمر يؤذي مشاعر المسلمين، ويقلل من الهيبة الذكورية، ويدنس الملائكية الرجولية المبالغ فيها، ويحرض على الرذيلة وارتكاب المعصية والزنا بالنظر على أقل تقدير. ومن هذا المفهوم البدائي المتخلف والخاطئ، انطلقت مسلسلات الظلم والضياع والتيه الذي أصاب هذا الكائن المظلوم بدعوى خشية الرجال على أنفسهم من فتنة المرأة، وانبرى لمهاجمة النساء كل الظلامين الذين لا يفصلون بين العلاقات الإنسانية والجنس، ويعتقدون أنه لا رابط يجمع بين النساء والرجال إلا رابط الجسد . فكل النساء عاهرات، وإن لم يكنن كاشفات ولا سافرات ولا متبرجات، وكنن كأغلبية المغربيات طاهرات ونظيفات وخجولات وتعرفن الشر والخير والحلال والحرام ومواطنات صادقات تأملن خدمة مدينهن ومن خلالها جهتهن ووطنهن. لقد انبرى المعانون من عدم القدرة على السيطرة على نزعاتهم الجنسية المكبوتة إلى مهاجمة تلك التي لا يرون فيها- من خلال منظارهم الأسود- إلا نقص في العقل والدين ويختصرون شرفها في معناه المادي فقط، ويحددونه في محدد واحد يضيقونه إلى درجة أن يصير مساويا لعذرية تتحمل بسببها أوزارا لم ترتكبها، لكنها توجب التحقير والتنقيص والحجب والتحجير لمجرد أنها يمكن أن ترتكبها حسب اعتقادهم. فليس مستغربا أو بدعة أن يعتري الخوف من تفوق المرأة، من ظن أنه هو نفسه من خلقها كما أراد، كائنا ضعيفا مستسلما، وحكم عليها أن تبقى ابد الدهر مغلقة بالأساطير والخرافات، وأطلق عليها مسميات تحقيرية كثيرة مثل (الموجود الأخر) و(الجنس الآخر) و(الجنس اللطيف) و(الحريم والحرمة) و(لمرا، ولولية، ومولات الدار، ومان الدراري). ويُعتقد أنه من تداعيات تعاظم رعب الرجل إزاء مطالبها المتزايدة بالمساواة في جميع الحقوق والواجبات؛ وتوسع ذعره أمام دعاواها القائمة بإعادة النظر في طبيعة العلاقات بينها وبينه لتواكب ثقافة العصر الجديد، ولنسف نجاحها الذي يذكره بضعفه وهشاشته أمام قوة أنوثتها وصدق وطنيتها. لم يجد بدا من انتقاد كل السلوكات النسوية التي يعتبرها مرادفة للإباحية والخطيئة، والتعليق على أذق خصوصيات انفعالاتها الأنثوية الذاتية والاجتماعية، خروجها وسفورها والاختلاط والحب والجنس والإغواء إلى جدلية مشاركتها في السياسة التي تهمه بالأساس، مغلفا هدفه ذاك بالتركيز مصدر انحرافها الذي يكمن في شعرها قمة زينة جسدها حيث الشهوة الفكرية، والمنطقة المتوسطة من جسدها التي تحمل الشهوة الجنسية، وتفتقت عبقريته على استئصالهما معا، فاقترف في حقها جريمتين فضيعتين. تمثلت الأولى في حجبها عن العالم بتغليفها من رأسها إلى أخمص قدميها. وتمثلت الثانية في شرعنته الختان بشقيه الفرعوني الذي تقطع به منطقة أعضاء الأنوثة بأكملها، وختان السنة الذي يقتطع به جزء فقط من تلك المنطقة.. وذلك اعتقاداًَ منه أن الختان السفلي يقضي على شهوة المرأة ومتعتها، ويمنع من ممارسة الرذيلة والشذوذ والانحلال. وإيمانه بأن المطاردة البدوية الأزلية لها، بفرض أغطية الإخفاء العلوية من حجاب، وبرقع، ستمنع هي الأخرى شهوة الرجل في المرأة، والاعتداء عليها، واغتصابها. لكنها في الواقع لم تمنع انجذابه تجاهها، سواء غطت شعرها ووجهها أو كشفته. بل خلقت المزيد من الهوس والكبت الجنسي، حيث سجلت المناطق العربية والإسلامية أعلى معدلات اغتصاب المرأة والاعتداء عليها. لست أدعو بمقالتي هته للتبرج كما يمكن أن يتبادر لبعض الأذهان المريضة، وأرفض التبرج والفساد، ولكنني في ذات الوقت أرفض النفاق والتقليد الزائف والتدليس علي الإسلام، وتحويل الدين إلي مظاهر وقشور ورياء. الأمر الذي يحتاج إلى وقفة طويلة وتفكير معمًق فيما يجري وسبر أغواره للوصول إلى الحقيقة التي أرادها الإسلام عير المتطرف [email protected]