تعددت الأسباب و الموت واحدة.. فكم من أرواح تفارق الحياة يوميا لأسباب عديدة كالحروب و المجاعات و الكوارث الطبيعية و حوادث السير في الجو و الأرض و البحر، و بسبب الأمراض المختلفة المعدية منها و غير المعدية؟ الله وحده يعلم كم من الأرواح تفارق أجساد بني آدم و تلتحق بالرفيق الأعلى. و في نفس الآن تعوض بمواليد جدد في مختلف بقاع العالم . و هي سنة الله في أرضه و ستبقى إلى ان يرث الله الأرض و ما عليها. و يبقى السؤال لماذا كل هذا الاهتمام و الخوف الذي أصبح فوبيا،أي خوفا مرضيا ، من موت قد يكون سببها " انفلونزا الخنازير" ؟ فقبله كانت " أنفلونزا الطيور" ، و بدأنا نسمع عن "أنفلونزا الكلاب"، و غدا قد نسمع عن انفلونزا جديدة لحيوان ما.. القاسم المشترك هو أن الفيروس المسبب للأنفلونزا معدي كما هو دائما في الزكام العادي، لكن الجديد في "أنفلونزا الخنازير" أن واقع القرية الصغيرة التي أصبح العالم يعيش فيها بفضل تكنولوجيا الإعلام جعلت هذا المرض مادة إعلامية لعبت دورا مهما في خلق الفوبيا من الموت الفردي و الجماعي ، حيث بدأت دول العالم تعد موتاها بالأفراد و كأننا لا زلنا حديثي العهد بالموت في القرن الأول من حياة آدم و حواء و قابيل و هابيل . و عوض أن يتعض الإنسان و يستعد للحياة الأخرى - بالنسبة لمن يومنون بالحياة الأخرى - فإن الجميع منشغل بالحديث المفزع عن موت جماعي يبقى غولا من صنع غربي تروجه آلته الاعلامية و تشغل به بال الشعوب عن و اقعها ، و تعتمده بالون اختبار لوعيها و استعدادها من عدمه، للثقة العمياء في ما يصدر عنها من أخبار و معلومات و تحذيرات. ألم تكن شبكة س. إن.إن ممن لا يشق لها غبار في مجال المصداقية في نقل ألأخبار إلى أن فضح أمرها في حرب أمريكا على العراق ؟ و قبلها، ألم يكن خبر هيئة الاذاعة البريطانية يصل حد التقديس؟ و قبل العام 1000م ألم يتم الحديث عن نهاية العالم؟ وفي القرن التاسع عشر ألم تحصد الأنفلونزا مليون ضحية في الهند ؟ و ما فعله الطاعون الأسود في الجزائر القرن 19 و المجاعات في مغرب القرن 19 و النصف الأول من القرن 20؟ إنها طبيعة الحياة :صحة و مرض و أخيرا الوفاة.. لكن الجديد هو أن "خبر انفلونزا الخنازير" اصبح أخطر من فيروسها ، فهو يشغل مساحة كبيرة من اهتمامات البشر، و قد خلق الفتنة التي هي أشد من الموت . و جعل الناس يغفلون عن المآسي الحقيقية التي يعاني منها بنو البشر بسبب الحروب مثل ما يقع في افغانستان و فلسطين أو المجاعات و الحروب الأهلية في إفريقيا أو الأوبئة الفتاكة و المعدية التي تودي يوميا بحياة الآلاف من بني البشر، و التي لا يشار إليها سوى بصور و لقطات هنا و هناك من وسائل الاعلام "الدولية " التي تصب كامل اهتمامها على "جائحة نهاية العالم" لحاجة في نفس شركات الأدوية العالمية و ربيبتها شبكات الاعلام التجارية. هذه الأخيرة تبقى سلطة خطيرة تحقق بها الدول التي تمتلكها أهدافها المباشرة منها و غير المباشرة. أما الموت فهي قدر محتوم تتعدد أسبابها .وقد يصبح الخوف منها وهما و مرضا قد يعجل بمقدمها ، لتبقى " أنفلونزا الخنازير"- في نظري المتواضع- حلقة ستنتهي حتما ضمن مسلسل طويل له منتجوه و مستهلكوه.. [email protected]