في ظل المخاطر المحدقة المرتبطة بانتشار داء أنفلونزا الخنازير ، والتي تفرض على مختلف المسؤولين المحليين إقرار خطة عمل احترازية ، والتي من بين مستلزماتها الضرورية والأساسية تأهيل المؤسسات الصحية لاستيعاب ومواجهة مختلف المخاطر المرتبطة بانتشار واسع لهذا المرض . وهكذا كان يبدو من اللازم جعل المراكز الصحية بطنجة ، أولى المؤسسات في إعطاء القدوة في مجال النظافة ورحابة بنية الاستقبال ، بدل الهرولة إلى الأمام من خلال خطة توزيع الصابون والمنشفة التي شملت المؤسسات التعليمية بطنجة . المركز الصحي لمسنانة يعد مثالا صارخا واستثناء يزعج زائريه، ويجعل ظروف العمل مأساوية بالنسبة للإطار العامل به . هذا المركز الذي يعد الوحيد ربما، الذي بني بتمويل جماعي في سنة انتخابية ، ووسط دائرة شعبية تزخر بالأصوات . ولعل هذا السبب الذي يجعله بني على عجل بشكل لم يأخذ بعين الاعتبار مختلف شروط بناء المؤسسات الصحية ، والتي من بينها رحابة البناء وبنية الاستقبال وسلاسة الولوج للمستوصف ، ووفرة التهوية ، وظروف مناسبة لحفظ المواد الصحية ، والتي من بينها الماء والكهرباء وظروف ومكان التخزين المرتبطة بالرطوبة والحرارة ... للأسف فإن مركز مسنانة الصحي هو عكس هذا تماما ، بحيث لا يتوفر على ربط بشبكة الماء ، ويضطر موظفوه لنقل الماء من مكان بعيد ، فيما يبقى ولوج المرحاض لجميع الزوار أمرا غير ممكن التحقق . وإذا كان المركز قد استفاد في وقت سابق من ربط مؤقت بالماء عبر أنبوب بلاستيكي يصله بصنبور مشترك للحي "سبيلا" فإن الأمر تغير سريعا بعد النمو الديموغرافي الكبير لحي مسنانة ، والذي فرض حاجات متزايدة للماء اضطرت الساكنة معها لفك الارتباط بين المركز و"سبيلا" . انقطاع الماء عن المركز يدفعنا للتساؤل عن جدوى الإجراءات الصحية الاحترازية التي تم تحضيرها محليا ، في مقابل برنامج طموح لربط المؤسسات التعليمية بالماء كخطة للحيلولة دون انتشار الأنفلونزا ، أوليس الربط بالماء في المراكز الصحية من باب أولى ؟ مركز مسنانة الذي صمم بالتأكيد في منحدر مائل جوار السوق الشعبي المكتظ لمسنانة ، قد يكون بالتأكيد مصمما للدعاية الانتخابية في بدايته لكنه أظهر مع مرور الأيام إلى يومنا هذا ، عدم قدرته على استيعاب الحاجات الصحية المتزايدة لساكنة مسنانة ، والتي أصبحت تحتضن جزء هاما من ساكنة مدينة طنجة . ولكون أزمة المركز اليتيم الذي ولد ميتا غير قادر على الوفاء بالتزاماته الصحية اتجاه المواطنين ، قد تكرست من خلال غياب سور يحيط به ، وهو ما جعله يعتبر ملاذا لقضاء الحاجات ووكرا يحتمي بسوره عدد من المنحرفين ، وفضاء لربط الحمير ، ورمي القاذورات ، بل وأكثر من هذا وذاك فقد ظل واده الحار غير مغطى لسنوات كثيرة إلى أن تفاجأنا هذا الأسبوع بتغطية مؤقتة له . فالواقف خارج المستوصف قد يكون أخف حالا من الواقف داخله خاصة خلال فصل الصيف وارتفاع درجة الحرارة ، حيث تزكم الأنوف وتخنق التنفس روائح كريهة للواد الحار و الأزبال و... ، ولن يجد القارئ أدنى صعوبة لتصور وضع الإطار الصحي العامل بالمركز خلال فترات طويلة من ارتفاع الحرارة ، ما يضطرهم لإغلاق النوافذ بشكل دائم ومتواصل، ومع ذلك فإن المركز لا يفتأ يسجل في كل مرة عددا من حالات الالتهاب الصدري من بين أطره بسبب تلوث أجواء العمل. أزمة مركز مسنانة لا تقتصر على التلوث ولا على غياب الماء والسور ، ولكنها تضم ظروف عمل سيئة أخرى أهمها الممران المنحدران المؤديان لولوج المركز الصحي ، واللذان لا يساعدان البتة على ولوج سهل للمرضى و الحوامل والعجزة وصغار السن ... وتستفحل الأزمة حينما تهطل الأمطار ويصبح الممر منزلقا يحصد ضحاياه في كل مرة من الحوامل أو الحاذقين على السواء. الظروف المحيطة بالمركز الصحي لمسنانة تجعل رواده وكذا العاملين داخله في وضع نفسي وعملي صعب ، يجعل الجميع يفقد أعصابه ويستثمر غضبه في صراعات بينية ، وهو ما تمظهر في عدد من الاعتداءات التي تعرض لها عدد من العاملين هناك ، وموضع شكايات متعددة منهم . ورغم أن الإطار الصحي لمركز مسنانة قد قام في عدة مناسبات بمراسلة المسؤولين ، بغرض حل أزمة المركز ، فإن وضعه لم يعرف إلا اتجاها نحو مزيد من التأزم الذي لم يعد معه الآن أية إمكانية للاستمرار ، بشكل يفرض حسب بعض المسؤولين ضرورة مباشرة العمل في بناء مركز صحي بديل متوفر على مختلف شروط العمل الصحي . في هذا السياق صرح لنا عز الدين فيلالي بابة الكاتب الإقليمي للجامعة الوطنية لقطاع الصحة المنضوية تحت لواء الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، أن نقابته ومختلف العاملين بالمركز قد عبروا في مناسبات عدة، وعبر مراسلات ولقاءات متعددة ، عن استيائهم من ظروف العمل غير المناسبة في المركز ، والمرتبطة بقلة النظافة وازدحام المكان وعجز المركز عن استيعاب الحاجات المتزايدة للساكنة خاصة في أيام التلقيح للرضع والحوامل . وأضاف عزالدين أن نقابته و العاملين بالمركز يرفضان الاستمرار وفق هذا الوضع المزري ، مطالبين بوقف العمل في مركز يفتقد لشروط العمل الصحي ، خاصة في ظل تسجيل عدد من حالات الأنفلونزا بطنجة . وأنه في انتظار مباشرة العمل في المركز الصحي البديل، فإن مختلف الأطر العاملة بالمركز تطالب بالانتقال إلى مراكز صحية بديلة في أحياء الجوار . ونبه الكاتب الإقليمي عزالدين فيلالي أنه في حال عدم الاستجابة لهذه المطالب العادلة لنقابته وللعاملين بالمركز ، والتي لا يمكن إلا أن تصون كرامة الجميع عاملين ومواطنين ، فإن النقابة ستلجأ إلى تصعيد لهجتها و نضالاتها في مقابل سياسة صم الآذان التي تنهجها بعض الأطراف المحلية .مؤكدا في ذات الوقت أن نضال نقابته سيكون موضع بيانات لاحقة في المستقبل . غير أن المسؤول النقابي طالب بأفعال تجبر الأقوال وتجبر الضرر الذي أصاب مختلف الأطر الصحية بالمركز لحد الآن .