توزع الحضور ليتابع عرضا موسيقيا ضد جدار الفصل في الاراضي الفلسطينية، في بروكسل، في صالة شقها جدار رمزي فصل ايضا 300 مغن الى مجموعتين، وذلك لتكون فكرة العرض "موحية وملموسة في الوقت ذاته" على ما يقول مخرجه. العرض الموسيقي حمل عنوان "السياج الصارخ"، واستضافه في امسيتين، اخرهما مساء السبت، مهرجان "العالم المحكي" في بروكسل الذي اختار ان تتركز نشاطات دورته هذا العام التي تختتم الاحد على الاحتفال بالذكرى العشرين لسقوط جدار برلين، لكن بعض المشاركين وجد فيه مناسبة لاستحضار جدار الفصل الاسرائيلي. المخرج البلجيكي فيتال سخرانن، يوضح ان العرض مكتوب في الاساس لجوقتين. ويضيف في حديثه لوكالة فرانس برس: "كان خيار وضع جدار حقيقي يقسم الصالة متاحا لي، لكني وجدت الافضل وضع حاجز يوحي بالفصل". ويشير الى "لعبة" الديكور التي صممها ليجعل موضوع الفصل "فكرة موحية وملموسة في الوقت نفسه"، موضحا انه اراد ادخال الجمهور مباشرة في جو العرض، عبر جعله مضطرا للجلوس على جانبي الحاجز، والنتيجة كما يقول المخرج ان "بعض الجمهور كانوا يلوحون لبعضهم، ويقولون حرفيا: مرحبا، انت جالس هناك، لكني لا استطيع الوصول اليك فالحاجز يفصل بيننا". كتب موسيقى العرض للجوقة المؤلفان البريطانيان اورلاندو غو وريتشارد تشو، ليكون تظاهرة "ضد جدار الفصل في فلسطينالمحتلة"، واستوحيا فكرته، كما يقولان في تقديمهما له، من واقع تقسيم قرية مجدل شمس السورية بعد حرب 1973، حيث يجتمع الاهالي والاصدقاء هناك، على طرفي السياج الذي يشكل خط وقف اطلاق النار، ويتبادلون الاحاديث المختلفة عبر الصياح بمكبرات الصوت اليدوية التي تصير "وسيلة تواصلهم الوحيدة". نصوص العرض انشدها بالعربية والانكليزية والعبرية 300 مغن بلجيكي ينتمون الى عشر جوقات غناء، وتضمن نصوصا للشاعرين العربيين محمود درويش وادونيس وللكاتب والممثل الاميركي سام شيبارد. في العرض عاش الجمهور والمغنون واقع الفصل، اذ اعيد تشكيل الصالة لتكون مدرجين متقابلين ومائلين، تحتل الجوقة اعلى كل منهما، ويستقر الجمهور في الوسط، لتصير كل جهة من الصالة تحوي مجموعتين متقابلتين في كل منهما جمهور ومغنون، ويفصل بينهما حاجز او (سياج) هو عبارة عن اخشاب وشرائط كالتي تحذر من عبور منطقة ما في الطرق العامة. وجاءت غالبية النصوص التي انشدها المغنون على شكل حوار بين ضفتين، محاولة نقل معاناة تدور على جانبي الجدار الفاصل. مغنون ينادون على اهل واحباء لهم في الطرف الاخر، وينشدون كم يشتاقون لاخذهم بالاحضان. آخرون يتبادلون احاديث عادية بين الجانبين المفصولين، ويشكون انهم لا يستطيعون ان يزرعوا ارضهم التي جعلها الجدار في الطرف الاخر. تناوبت الجوقة على ترديد الاهازيج والاشعار، وكان صوت الجانبين يتوحد، وهو ينشد "ارضنا ليست ارضنا". شاركت في الغناء مجموعة متنوعة من الاصوات الاوبرالية المنفردة. واضافة الى الجوقة في الجانبين، كانت هناك مجموعة ثالثة تمثل صوت "المبعدين" الفلسطينيين، تموضعت جانبا على مسطبة في وسط الصالة، وشاركت احيانا منشدة معاناتها في الابعاد. ولم يتوقف استلهام المؤلفين الموسيقيين، من واقع بلدة مجدل شمس السورية، على مسألة التقسيم. بعض المغنين استخدموا خلال العرض مكبر الصوت اليدوي نفسه كي يخاطبوا الاخرين المواجهين لهم في الطرف الاخر من الصالة، تماما كما يفعل اهل بلدة مجدل شمس السورية (تحتلها اسرائيل منذ عام 1967، وادت حرب 1973 الى تقسيمها)، وهو ما جعل تسمية "وادي الصراخ" تطلق على الوادي الفاصل الذي يتواصل الاهالي على جانبيه بالصراخ. في ختام العرض يترك احد المغنين جوقته، ويمشي عبر الحاجز الفاصل منشدا عن الامل والورود الجورية. وهنا يلفت مخرج العرض الى انه اراد جعل المغنين يحتكون مباشرة بالجدار لجعله واقعا ملموسا تماما للجمهور، وهو ما حاول تحقيقه ايضا نص العرض الذي، تضمن مقاطع انشد فيها المغنون من مفردات الحياة العادية، مثل: "لا نزرع باذنجان، لا نزرع بندورة... لان ارضنا هناك". كذلك اختار المخرج ان يبدأ العرض بتقاسيم على آلة العود، لانها "عنصر معروف في الثقافة الشرقية"، ويضيف "المغنون كلهم بلجيكيون ولذلك اردنا ادخال شيء يذكر بثقافة المنطقة التي يحكي عنها العرض". مغنية السوبرانو البلجيكية لورانس كاباتو التي شاركت في العرض قالت لوكالة فرانس برس ان غناء الجوقة بين طرفين مفصولين "جعلني احس اكثر بصعوبة ان يحول حاجز امام التواصل مع الاخرين". وخارج المسرح كانت مجموعة ممن حضروا العرض تتفق على "قوة رسالته"، لكنهم اختلفوا حول طريقة اخراجه. الشابة البلجيكية جونفييف تولييه، وهي مستشارة اجتماعية، قالت ان تقسيم الجمهور "جعلنا نتصور وضع الناس على جانبي الجدار بشكل افضل"، واضافت "احسست اني مكان هؤلاء الناس الذين لا يستطيعون التواصل الا بالصراخ". لكن زميلها ستيفن دوكران اعترض على الاخراج، وقال انه كان يفضل لو ان العرض "يترك المجال كي نتخيل نحن واقع التقسيم"، معتبرا ان "فكرة تقسيم الصالة كانت صادمة ولم تكن دبلوماسية ابدا". لكن شابة اخرى حضرت العرض، لفتها كلام ستيفن فردت عليه باستغراب "المطلوب من العرض ان يكون صادما، وهل تظن ان فكرة اقامة الجدار في فلسطين كانت دبلوماسية".