ربط كهربائي وطريق بري جديد، هذان المنجزان الحديثان يمثلان محزطة جديدة في مسار العلاقات المغربية الموريتانية التي شهدت مؤخرا طفرة نوعية على مستوى التوافق والتنسيق بين قيادتي البلدين في مشاريع مشتركة من المتوقع أن تغير وجه منطقة الساحل والصحراء. يتعلق الأمر بمذكرة تفاهم في قطاعي الكهرباء ودمج الطاقات المتجددة سيتم توقيعها في بحر هذا الأسبوع، إضافة إلى مشروع بناء طريق بين مدينة السمارة ومنطقة بير أم كرين شمال موريتانيا. هذا الطريق الذي يبلغ طوله 53 كيلومترا شارف على الانتهاء وسيتيح فتح معبر حدودي جديد ينضاف إلى معبر الكركرات. وبينما تتسارع الأشغال لإنهاء هذا المشروع في أقرب وقت، يبدو أن العلاقات المغربية الموريتانية أضحت تسير بسرعة قصوى. يأتي الإعلان عن مشروع الربط الكهربائي بين البلدين في أعقاب الزيارة التي قام بها الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني في دجنبر الماضي، وحظي خلالها باستقبال الملك محمد السادس. وكان من أهم مخرجات هذا اللقاء، تثمين الشراكة المغربية – الموريتانية في جميع المجالات. وأكد قائدا البلدين حينذاك حرصهما على تطوير مشاريع استراتيجية للربط بين البلدين الجارين، وكذا تنسيق مساهمتهما في إطار المبادرات الملكية بإفريقيا، خاصة أنبوب الغاز الإفريقي – الأطلسي، ومبادرة تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي. واليوم فإن مشروع الربط الكهربائي يؤكد بالملموس أن هذا التوافق حول هذه المشاريع الكبرى بدأ يخرج إلى حيز الوجود من خلال مبادرات عملية. عندما نتحدث عن الربط الكهربائي فإن الأمر يتعلق بمشروع مهيكِل واستراتيجي سيكون له دور أساسي في تفعيل مشروع أنبوب الغاز الإفريقي-الأطلسي الذي سيربط بين نيجيريا والمغرب. من الصعب جدا إنجاح مشروع ضخم بهذا الحجم يفترض أن يمر بالعديد من الدول الإفريقية دون توفير شبكة من البنيات التحتية المواكبة والضرورية. والإعلان عن الربط الكهربائي علاوة على مشروع معبر بري جديد بين المغرب وموريتانيا يدخل إذاً في هذا السياق. أي في إطار الاستعداد لتفعيل المبادرات الملكية بإفريقيا، والتي تشمل إضافة إلى مشروع أنبوب الغاز مشروع تسهيل ولوج دول الساحل الإفريقي إلى المحيط الأطلسي. وحضور وزير الطاقة الموريتاني يوم الخميس للتوقيع على مذكرة الربط الكهربائي يؤكد هذا الزخم الإيجابي الذي تشهده العلاقات بين البلدين. يؤكد هذان المشروعان أيضا الرؤية الاستراتيجية الملكية التي تسعى إلى ربط إفريقيا بأوروبا من خلال مشاريع كبرى تستجيب لاحتياجات الشعوب الإفريقية، ولا سيّما في منطقة الساحل والصحراء. يرتبط المغرب على سبيل المثال كهربائيا بإسبانيا والبرتغال، وإذا تم تنفيذ مشروع الربط الكهربائي بين المغرب وموريتانيا فإن ذلك سيفتح آفاقا واسعة لتحويل الصحراء المغربية على الخصوص إلى مورد طاقي هائل سواء في إطار تطوير مشروع الهيدروجين الأخضر أو مشاريع الطاقات المتجددة. ولا يريد المغرب أبدا أن تقتصر فوائد هذا التطوير على بلادنا وحدها، بل أن تعمّ ثمارها دول الجوار الإفريقي أيضا. واستجابة موريتانيا للانخراط في هذا المشاريع يدلّ على أن هناك أيضا تحولا إيجابيا في نواكشوط نحو الإيمان بجدوى التنمية والرخاء في تذليل الخلافات وتخطّي المعوّقات المفتعلة لأسباب سياسوية ضيقة تقف وراءها دول أخرى لا تريد خيرا لهذه المنطقة. هناك إشارة أخرى تنطوي عليها سرعة تنزيل هذين المشروعين. يتعلق الأمر بإرادة تغيير الواقع بالعمل والمبادرة بدلا من الشعارات الفارغة أو الرّشاوي الموسمية التي توظفها بعض الأنظمة الكارهة للنهج الوحدوي في المنطقة. موريتانيا بلد مستقل وذو سيادة، ولم يعد في حاجة إلى التعامل معه بهذا المنطق المتجاوز والمتعالي، لذلك يريد المغرب أن يفعّل شراكاته مع نواكشوط في شتّى المجالات، سواء تعلّق الأمر بالبنية التحتية أو بالمجالات التجارية أو الاقتصادية أو في ميادين الطاقة. وهذا الاهتمام بالبعد التنموي يؤكد أن التعاون بين البلدين مقبل في المدى القريب والمتوسط على العديد من الأوراش والمشاريع الضخمة، التي ستغير وجه المنطقة.