في أحد الملتقيات الدولية الخاصة بالمنظمات غير الحكومية ،سنحت لي الفرصة أن أرتشف قهوة الصباح مع احد الأشقاء الجزائريين ، تجاذبنا أطراف الحديث أول سؤال وجهته إلى الأخ الجزائري لماذا قرار الإغلاق رغم الأيادي البيضاء المغربية الممدودة ؟ أجابني بكل تلقائية ، هذا شأن السياسيين في الجزائر فنحن لانهتم ولانبالي بذلك والدليل على ذلك تواجدنا معكم اليوم ، قال لي أيضا : التقاليد المغربية حاضرة بقوة في الجزائر ، القفطان المغربي لايكاد يخلو منه أي منزل ، الجلابة المغربية أصبحت موضة يتباهى بها الشباب الجزائري، وحتى العمارية المغربية أصبحت من ضروريات الأعراس في الجزائر ، نظر إلي وقال لي أيضا بلدكم جميل جدا فرصة جميلة جعلتني اكتشف هذا البلد الجار والصديق ، ودعت الصديق الجزائري ومنحته وردة حمراء مغربية كعربون حب من المجتمع المدني المغربي نحو أخيه الجزائري . شاءت القدرة أن أتواجد بمدينة وجدة الحدودية مع الجزائر لحضور حدث تاريخي ألا وهو استقبال قافلة شريان الحياة بقيادة البطل" جورج غالاواي "، حدث كبير سيتمثل في إختراق القافلة للحدود البرية الوهمية بين البلدين الجاريين ، الحدود التي ظلت مغلقة أزيد من خمسة عشر سنة ستخترقها القافلة إذن ، تمنيت أن تكون القافلة فأل خير وأن تعود المياه إلى مجاريها وأن تنجلي هذه السحابة الصيفية ، وكم كانت فرحتي كبيرة حينما وصلت القافلة التي إخترقت جميع الحدود لتحمل المساعدات إلى أشاوس غزة أطفالها ورجالها بناتها ونسائها ،زغاريد وشعارات رددها الوجديون فرحا بوصول قافلة خط الحياة ، إخترقت القافلة الحدود البرية المغربية الجزائرية ، أبعدت الحواجز عادت الحياة إلى مركز زوج بغال ، لكن بمجرد مرور آخر شاحنة مساعدات أغلقت الحدود من جديد وعاد الجمود إلى المكان . رحلت القافلة وتبخرت معها جميع الأحلام ، ارتشفت قهوتي هذه المرة مع زميل لي بوجدة ، تحدثنا عن مسالة إغلاق الحدود . تحدثنا عن الرواج الإقتصادي الذي عرفته المنطقة أثناء الفترة التي تميزت بفتح الحدود من 1989 إلى 1994 ، تحدثنا عن تلك المشاريع التي كانت على الطريق المؤدية إلى مركز" زوج بغال " تحدثنا عن مصير. تلك المشاريع ( فنادق ، مقاهي ، مطاعم .... ) التي أصبحت اليوم في خبر كان ، وحدهم المهربون هم الذين يستغلون الطريق المؤدي إلى الحدود ليلا وينحرفون قبل الوصول إلى المركز ، يجلبون البنزين الجزائري ، في مقابل سلع مغربية كالملابس . اليوم مركز" زوج بغال" أصبح مركزا خاليا ومقفرا وحدهم حراس الحدود في ذلك المكان يتبادلان التحية والسلام ، يحرسان مكانا نسيه التاريخ لاشيء يدل فيه على الحياة سوى حواجز إسمنتية علاها الصدأ . لكن رغم كل شيء فحسابات السياسيين لن تستطيع منع عبور الأغنام في الإتجاهين حسابات السياسيين لن تستطيع منع تسيليم رفات رعايا البلدين ، حسابات السياسيين لن تستطيع منع تسلم الأشقاء الجزائرين الذين يدخلون المغرب بطريقة غير شرعية ،حسابات السياسيين لن تستطيع منع تبادل الشقيقان الطرود البريدية عبر المركز الحدودي ، حسابات السياسيبين لن تستطيع منع العصافير من عبور الحدود فهي تتحدى هذه القرارات وتنتقل من جانب إلى آخر تنقر حبة زيتون هنا وحبة تمر هناك وتؤنس حراس الحدود وتبين أنها لم تصب بأنفلونزا السياسة .فإلى متى سيستمر قرار الإغلاق رغم الأيادي البيضاء المغربية الممدودة ؟ . [email protected]