كثيرة هي المعتقدات والآراء غير الصحيحة والمغلوطة التي يؤمن بها الكثير من المسلمين، ويتطوع مع الأسف الشديد، الكثير من شيوخ الفضائيات ووعاظها والدعاة وأصحاب الفتاوى بها، إلى إلباسها لباساً يخفي وجهها الحقيقي تحت ستار التبريرات الواهية والشروحات المخالفة للدين الإسلامي والتراث الحضاري العربي الحافل بالمنبهات العقلية التي توجّه إلى اكتشاف الحقائق كما هي، والتي تبقى مغفلة ومهملة وكأنها لم تكن. فما قامت به وزارة الأوقاف المصرية مشكورة، ليعد خطوة جريئة لتصحيح بعضا من تلك الآراء الخاطئة والأحكام المغلوطة الرائجة بين الناس حول العديد من المسائل الإسلامية ومن ضمنها الحجاب والخمار والنقاب التي هي أشياء مختلفة فيما بينها تمام الاختلاف، لأن الأول هو ما تغطي به المرأة رأسها، أما الثاني أي الخمار فهو ما يجب على المرأة المؤمنة أن تضرب به على جيبها الذي هو صدرها الواجب إخفاؤه، مصداقا لقوله تعالى في سورة النور: "وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ". أما الثالث فلا وجود له في هذه الآية ولا في غيرها من الآيات والأحاديث النبوية التي أمر فيها الله سبحانه وتعالى المرأة بتغطية صدرها و الغض من بصرها والحفاظ على فرجها وزينتها إلا ما ظهر منها وهذا أمر واضح وجلي ولا يشير لا من بعيد ولا من قريب للنقاب. غير أن أصحاب الهوس الديني وسدنة الوصاية على الإنسان والأديان رغم فهمهم لفحوى الآيات البليغات الكريمات، إلا أنهم حرفوها من أجل الهيمنة ولصالح السياسة القائمة في عالمهم الذكوري الذي يحيا بدافع هواجسه الجنسية. فغطوا كل جسد المرأة بدلا من صدرها لأن بنية الإيمان لديهم زئبقية، وروّعوا كل النساء بدلا من بعضهن لأن بنية الحكم عندهم هيولية. يغالطون المسلمين بزعمهم أن وجه الدلالة من الآية على وجوب النقاب على المرأة هو أن الله تعالى أمر المؤمنات بحفظ فروجهن، والأمر بحفظ الفرج أمرٌ بما يكون وسيلة إليه، وأن من وسائله تغطية الوجه لأن كشفه سبب للنظر إليها وتأمل محاسنه والتلذذ بذلك، وبالتالي إلى الوصول والاتصال، مستشهدين على ذلك بقول ابن عباس رضي الله عنهما: " أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة ". مؤكدين على أن تفسير الصحابي حجة بل قال بعض العلماء: إنه في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله رضي الله عنه: ويبدين عيناً واحدة إنما رخص في ذلك لأجل الضرورة والحاجة إلى نظر الطريق فأما إذا لم يكن حاجة فلا موجب لكشف العين. ومن هنا يبدو أن علماء المسلمين تفرقوا في أمر النقاب و الحجاب و الخمار و اختلفوا فيما لو كان فرضا أو مستحبا. فإعتبره بعضهم مستحبا إذا إأتمنت الفتنة وفرضا عند وجودها. ومنهم من يرى وجوبه على المرأة المسلمة، حيث يفرض عليها أن تستر كل شيء من جسدها، بينما ذهب العدد الكبير منهم، القدامى والمعاصرين، إلى أنه على المرأة ستر جسدها إلا الوجه والكفين، عملاً بقول الله : "إلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا" النور /31. ولكنهم حددوا ما يجب أن يظهر من الوجه من منبت الشعر إلى أسفل الذقن وما بين وَتِدَي الأذنين بحيث لا يظهر شئ من الشعر ولا القرط (الحلق ولا الأذن ) ولا شئ من العنق ولا يكون الثوب مظهراً لما تحته. ويزيد الأحناف مشكورين فيجيزون للمرأة أن تظهر قدميها أيضا. ومال بعضهم محتشما لإحترام إختيار المرأة لبسه أو لا، لأنه شأن خاص بها. كما قال مفتي مصر السابق الدكتور الشيخ أحمد الطيب، "إن لبس النقاب عادة بدوية وليس فريضة دينية ولا سنة ولا فرض، أما الحجاب فهو فرض، وقد اعتبرته المؤسسات الدينية المعتدلة -التي تبدل مجهودات مستمرة لمواجهة دعاة الفضائيات، بالرد علي فتاواهم الغريبة، التي تسيء للإسلام والمسلمين- أنه فضيلة وليس فريضة كما ذهب إلى ذلك الشيخ الألباني. وحسما لهذا الصراع المفتعل الساعي إلى تقديم اللا أساسي (الحجاب والنقاب) على الأساسي الذي هو مستقبل الأمة الإسلامية وإعادة النظر في ترتيب أولوياتها، الذي أشاع الفرقة والنزاع بين المسلمي، حتى إنطبق عليهم قوله تعالى "إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ "الأنعام159. توجت وزارة الأوقاف المصرية هذا الصراع بمبادرتها الشجاعة. بل بحربها الصريحة على النقاب، حيث أصدرت كتاباًَ يحمل عنوان «النقاب عادة وليس عبادة» بالتوازي مع التوجه الرسمي لمنع النقاب داخل الهيئات الحكومية والمستشفيات والمدارس في مصر. ويتضمن الكتاب آراء وفتاوى لكل من الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر، ووزير الأوقاف المصري الدكتور محمود حمدي زقزوق، والدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية. فقد جاءت مبادرة وزارة الأوقاف المصرية في وقتها المناسب، لتصحيح مثل هذه الترهات التي ملأت سماء الأمة الإسلامية وكدرت صفاء هذا الدين الحنيف. ولتحد من الضجة المفتعلة ضد خطاب الرئيس الفرنسي "ساركوزي" الذي ألقاه أمام مجلسي البرلمان في فرساي والذي قال فيه إن البرقع أو النقاب الذي يغطي المرأة من رأسها الى أخمص قدميها يشكل "علامة استعباد" للمرأة وان ارتداءه "غير مرحب به" في فرنسا. أقدر للكثير من المدونين تعاطفهم وتفاعلهم مع المرأة المسلمة في فرنسا، لكني أدعوهم لاستعمال العقل وتمثل القرآن وفهمه بعيدا عن الطريقة التي يشرحه بها المزايدون عليه من أتباع وأئمة، حتى لا يتحولون من أصحاب قضية إلى قضية تحتاج إلى معالجة. وأسائلهم بكل صراحة، أليس لكل دولة قوانينها التي تحكمها؟ وأن الأمر الداخلية تنظمه كل دولة كيفما تشاء. وأن من حق كل بلد أن تنظم شؤونها السياسية أو الاجتماعية. فلماذا هذا الهجوم والسباب والشتائم ضد الرئيس الفرنسي ساركوزي لكونه يحمل موقفاً ضد النقاب ويرفض أن يكون في بلاده، فما تحدث عنه ساركوزي من رفض للنقاب موجود أساساً في الوطن العربي والعالم الإسلامي. فعلماء المسلمين أنفسهم لا يتفقون حول وجوب النقاب فهناك عدد كبير منهم يفرضون النقاب كمصر التي عقب شيخ الأزهر د. محمد سيد طنطاوي بقوله: "إن هذا الشأن داخلي ولا علاقة لنا به وكل واحد حر في دولته، وقال انه ليس لي شأن بقرار الرئيس الفرنسي بمنع ارتداء النقاب في بلاده لأن لكل دولة قوانينها التي تحكمها وهذا أمر داخلي تنظمه كل دولة كيفما تشاء. فإذا كان المسلمون لا يسمحون لأحد من الاوروبيين أن يفعل كما يعتقد في بلدانهم بل ودائماً يرددون علينا أن على الاوروبيين أن يحترموا المسلمين وعاداتهم عند زيارة تلك البلدان فلماذا لا يفعل المسلمون نفس الشيء عند زيارة فرنسا والإقامة بها ويعيشون كما هي العادات الفرنسية أو يرحلوا إلى بلدانهم الإسلامية لأن من يحكم فرنسا هو ساركوزي وهو من يحدد ما هو مسموح به في بلده، وما هو غير مسموح وليس أي شخص آخر. فالمسلمات اللاتي يرتدين النقاب في فرنسا هن في حكم المضطر في هذه الحالة وعليهن الامتثال لقوانين الدولة التي يقمن فيها، كما أوضح ذلك طنطاوي "إن النقاب ليس فريضة إسلامية وإنما يمكن أن ترتديه المرأة أو تخلعه حسب ما تريد". [email protected]