غالبا ما يحكم القادم أو الزائر على مدينة طنجة ،من خلال المسميات المسبقة التى تروجها الوكالات السياحية والأبواق الحكومية الفاشلة (عروس الشمال...جوهرة الشمال ...)أومن خلال المظاهر الكاذبة والخادعة ،لكن المتوغل( لأدغال )طنجة أو إلى عمقها البئيس سيكتشف واقعا أخر،دعونا نكتشف ذلك من خلال هذه السطور . أول المفارقات المضحكة المبكية في واقع عروس الشمال ،هو تلك التسميات المخجلة التى تخفي عقلية آحتقارية دفينة ،والتى تطلق على أحياء طنجة ،قد تجهدون عقولكم ما آستطعتم لكنكم بكل تأكيد لن تصلوا للعبقرية السلطوية التى أطلقت تلك الأسماء بل ووثقتها من خلال البطاقة الوطنية والوثائق الرسمية الحكومية كشهادة السكنى وشهادة الضعف أو الإحتياج التى لها حكاية أخرى . في طنجة أسماء أغرب من الخيال لأحياء شعبية يقطنها الآلاف من الناس فمثلا عندنا حومة الحمير التى لا زالت تحمل نفس الإسم فهل من اللائق تسمية حي يقطنه أدميون بمثل هذه التسمية الإحتقارية التى تحط من الكرامة الإنسانية وتساوي الإنسان بالبهيمة أو الحمار ،والمؤسف أنها ليست التسمية الأولى ولا الأخيرة فهناك العديد من التسميات الأخرى كحومة الشوك التى ترادف النبات الشائك وحومة البيصارة وهي للعلم أكلة شهيرة لسكان العالم السفلي أو سكان القنبلة الديمغرافية ، بالإضافة إلى حومة صدام العشوائية التى بنيت أيام الغزو العراقي للكويت وسميت دلالة على عقلية الإكتساح والغزو ولأن غزوة سكان طنجة الفقراء وقتها كانت على الأراضى الجماعية لأقامة الأكواخ الصفيحية ،ثم حومة الزبّالة وهذه لتحتاج لشرح أوتبسيط ثم حومة القوادس التى تعترف بها السلطة رسميا من خلال الوثائق الإدارية والتى تحيل على قادوس الصرف الصحي ولكم ان تتصوراْ بشرا يسكنون القادوس . والحقيقة المرة ان هذه التسميات التى تعكس بجلاء تلك العقليات السلطوية البليدة التى كانت بالأمس القريب تسير الشأن العام بكثير من الإحتقار والإرتجالية الناتج عن الأمية والجهل وغياب الوعي السكاني الضاغط . غير أن المتأمل لواقع هذه الأحياء التى تعاني من تهميش كبير ومستفحل وغياب التجهيزات الأساسية التى تحفظ الكرامة الإنسانية ،يجد ان هذه الأسماء هي تعبير عن حالة من الظلم الإجتماعي (والحكرة) التى تترسخ يوما بعد يوم وتزيد الأمور تعقيدا وآستفحالا بين فئتين متضاربتين في المصالح إحداهما تلقب بألقاب تحقيرية (بوزبال...ساكني النعال النتنة ...البخوش...سكان القنبلة الديمغرافية...إلخ) وتعيش الفقر المدقع والشامل وتتخد من الأحياء المذكورة مساكن لها وبين فئة مترفة تعيش الغنى الفاحش قابعة في عالم أخر تجسده الأحياء الراقية جدا (مرشان...جبل الكبير...البوليبار...)فالأغلبية ترى ان هذه الأحياء بأسماءها الغريبة هي آنعكاس لواقع مر وعليه ما الفائدة من آستبدال الأسماء إن كانت هذه الأحياء ستظل كما هي عليه الأن من تهميش وظلم فاحش . وقد سبق لي في إحدى المرات أن حاولت رفقة احد الفاعلين المحليين الفضلاء ،تكويين جمعية اطلقنا عليها إسم " جمعية الأحياء الإنسانية " إيمانا منا أن أحياءنا الذائعة الصيت لم ترقى بعد إلى المستوى الإنساني ،غير أن الذي حصل هو أن السلطة رفضت الإسم نهائيا دون أدنى تعليل بعد ان وجهوا إلينا سؤالا بدا لي بليدا قائلين وهل لدينا أحياء لا إنسانية ؟فما كان مني إلا أن طلبت منهم القيام بجولة ميدانية قصيرة للتأكد مما إذا كانت أحياءنا قد وصلت إلى المستوى الإنساني . الأحياء الشعبية هنا في طنجة قنبلة موقوتة نسميها نحن سخرية بعالم ما تحت الأرض هي أقرب إلى تجمعات سكانية بدائية تنتمى إلى العصور البدائية المظلمة أفضلها تلك التى تتوفر على مجاري الصرف الصحي دون مياه الشرب ،ولأن المشكلة الجوهرية تكمن في ذلك خاصة أثناء فصل الصيف كما هو الحال عليه الأن قفد يتحول كوخك البسيط إلى مختبر طبيعي لتسمين البعوض والذباب و الفئران أما الأمراض فحدث ولا حرج وفيها أصناف وألوان ،ولا عجب لو سمعنا بمرض جديد آسمه مرض " آنفلونزا البخرارو " كناية على من يرفعون شعار العام الزين فما الواقع أسود . على كل شر البليّة ما يضحك ...