عندما جاء الوالي محمد حصاد إلى طنجة، فإن الحنين شده بسرعة إلى مراكش، التي جاء منها، لذلك قرر أن يشرع بسرعة في «مركشة» المدينة، أي أن يجعلها مدينة حمراء، وذلك عبر «تحمير» الأرصفة أولا، ثم الانتقال إلى «مركشة» باقي المعالم، وهذا ما دفعه إلى جلب أطنان من الرخام ومواد التبليط من مدينته القديمة، حتى أشفق عليه الناس وقالوا يا ليت الرجل يعود سريعا إلى مراكش حتى لا يمرض في طنجة أو يصاب بالاكتئاب، ويتحمل الطنجاويون عواقب ذلك. لكن أسوأ ما يحدث في طنجة اليوم ليس هو تحويل معالم المدينة وتغيير ألوانها ودفن خصوصياتها، بل إن طنجة، التي كانت واحدة من أكثر المدن المغربية توفرا على الغابات والمناطق الخضراء، مهددة بأن تفقد آخر شجرة فيها بعد عشر سنوات فقط. هذه ليست مبالغة، بل كابوس حقيقي في هذه المدينة التي لايزال البعض مصرا على تسميتها ب«عروس الشمال»، مع أن الطنجاويين يتفقون على أن العروس «حركت» إلى إسبانيا، ولم تبق في طنجة غير صور عرسها. سكان المدينة يقولون إن طنجة لا يحكمها أحد، لذلك فإن غاباتها الرائعة تتحول حاليا إلى إقامات سكنية ومشاريع عمرانية وينبت فيها الإسمنت بسرعة رهيبة. ومنذ عدة أشهر، بدأ المندوب السامي للمياه والغابات في طنجة يصرخ بأعلى صوته محذرا من العواقب الوخيمة التي تعرفها طنجة خلال السنوات المقبلة، حيث ستنعدم فيها الأشجار، وربما سيكون على سكان المدينة السفر إلى مناطق بعيدة من أجل رؤية أشياء تسمى الغابات أو الأشجار. وفي غابة الكلاوي في منطقة الرميلات، حيث يوجد قصر بيرديكاريس التاريخي، وهي آخر معاقل الاخضرار في المدينة، تقوم الشاحنات حاليا بدفن معالم الطبيعة، ويتم تدمير الأشجار والنباتات بحجة الاستثمار، وفي ظرف سنوات قليلة فقط ستذهب هذه الغابة الرائعة إلى الجحيم، بينما والي طنجة منشغل بالتبليط الأحمر للمدينة، مع أن طنجة على حافة الموج، وكان الأجدر أن يبلطها بالأزرق إذا كان التبليط لا بد منه. ما يحدث في غابة الكلاوي جريمة بيئية ينظر إليها السكان بعجز واضح، لأنه لا الوالي ولا العمدة، ولا المجالس الجماعية ولا البرلمانيون ولا أي حزب من الأحزاب استطاعوا وقف ما يجري. إن ما يحكم في طنجة اليوم هو المال، أما الخضرة والأشجار فستذهب كلها إلى الجحيم قريبا جدا. وفي غابة مسنانة، التي كانت رئة بيئية حقيقية للمدينة، تزحف الأكواخ والمنازل العشوائية بشكل سريع ورهيب على الغابة، وأفراد السلطة يكدسون الملايين ويفوتون الأراضي ويسحقون الغابة بوحشية غريبة. لا الوالي حصاد ولا العمدة سبق لهما أن زارا غابة مسنانة، ولو فعلا ذلك فإنهما سيحسان بالخجل. أكيد أنهما سيكتشفان أن طنجة التي يتحدثان عنها في وسائل الإعلام وفي الخطب الرسمية لا علاقة لها إطلاقا بطنجة في الواقع. وأكيد أن طنجة التي كانت مرشحة للمعرض الدولي هي مجرد وهم أمام هذا الواقع الأليم، إن الناس لن يفهموا أبدا كيف أن مدينة يزورها الملك باستمرار وفيها والي وعمدة وسلطات وعسكر وأمن يمكن أن يحدث فيها كل هذا التسيب وتدمير غاباتها بسادية مخيفة. الأشجار القليلة اليوم في وسط المدينة توجد في الحدائق الخاصة التابعة للقنصليات والبعثات الأجنبية مثل قنصلية فرنساوإسبانيا وإيطاليا والمدرسة الأمريكية. ما يحز في نفس السكان هو أن الأجانب كانوا دائما أكثر قلقا على مصير طنجة، وهذا ما يجعل السكان يحنون باستمرار إلى العهد الدولي للمدينة، رغم أنه أصبح حكاية قديمة مثل حكاية السندباد. غابات بوبانة وأشقار دخلت بدورها خانة الإبادة، وأشجارها تقطع في جنح الليل وتحت ضوء الشمس من أجل بناء فيلات لمسؤولين كبار على حافة مضيق جبل طارق. والغريب أن المسؤولين الإسبان ألحوا كثيرا على المسؤولين المغاربة للتعاون معا من أجل تحويل ضفتي مضيق جبل طارق إلى محمية بيئية وطبيعية، غير أن المغاربة صموا آذانهم وقرروا تدمير الغابات وتحويلها إلى محميات للفيلات والقصور والمشاريع السكنية. لا أحد في طنجة أصبح يتحدث عن المناطق الخضراء في وسط المدينة لأنها لم تعد موجودة أصلا. وكثير من المناطق التي كانت مخصصة للمناطق الخضراء والحدائق نبتت فيها عمارات وإقامات سكنية. بعد عشر سنوات إذن زوروا طنجة، ومن يعثر على شجرة سيحصل على جائزة.