الداخل إلى مدينة طنجة، لابد له من أن يطرح تساؤلات عديدة حول هذه المدينة المعروفة بجمالها و رونقها، و كذالك بتاريخها العميق.هذه المدينة التي أوحت لكتاب كبار أمثال محمد شكري بالعديد من الأعمال و الأفكار و الرسائل، أصبحت تتأرجح بين دلالات التغير التي تظهر للزائر أو المهتم من خلال عدة مؤشرات عمرانية، ثقافية...و حالة الاختناق و التذمر الساكنة في قلوب ساكني عروسة الشمال. حاولت التقرب من أهل طنجة، و محاورة قاطنيها و قد أتيحت لي الفرصة للدردشة مع بعضهم. التقيت بموظفين و عاملين ساخطين على وضعياتهم. أما سائقي سيارات الأجرة الصغيرة، فوجدتهم يعرفون نبضات الأجساد الآدمية التي يحملونها كل يوم. لقد فهمت كيف يتنفس المواطن المغربي بطنجة اليوم. فالبعض حدثني عن طنجة كفضاء لترويج المخدرات و الكوكايين التي أصابت لعنتها التلاميذ و الطلبة. أما البعض الآخر فقال لي بأن طنجة تحولت إلى أوكار للدعارة و اليأس القاتل لأرواح عشاق عروسة الشمال.هذه العروسة بدأت تتحول شيئا فشيئا إلى فضاء قاهر. طنجاويون عبروا لي كيف أن طنجة تظل مدينة البحر و الحرية و الجمال، لكن و كما قال أحد الزملاء الصحافيين " راحت أيام أم كلثوم و حلت أيام نانسي عجرم" عندما تجولت بأزقة و دروب مدينة طنجة - أنا الذي غادرت الوطن منذ أكثر من ست سنوات - اكتشفت فضاءات و مساحات خضراء جديدة و مشاريع عمرانية تكتسح كل الضواحي حتى انتابني إحساس بكون طنجة تزحف باتجاه أصيلة. طبعا، إنها تتحرك لكن إلى أين؟ طنجة أصبحت معروفة بمهرجاناتها و أنشطتها الثقافية و الفنية.من يدافع عن هذه المهرجانات يعتبر الأمر خطوة غير مسبوقة، في حين يرى العديد من المهتمين بأن انتشار هذه الظاهرة، يخفي وجها رسميا لسياسة تريد معالجة ظاهرة الإرهاب بداء أفظع - إنها الميوعة التي تضرب جذور و منومات الثقافة المغربية مرض الحائط. طنجة معروفة بتاريخ عميق الدلالات، و هذا ما دفع أحد الصحافيين من أبناء المدينة إلى القول، بأن طنجة تحتضن تاريخ و حضارات الآخرين، كالحي الألماني الذي لا يعرف عنه الناس الكثير و آثاره و علاماته مازالت حية في المرسى أو ميناء المدينة. طنجة تتغير بفضاءاتها التي كانت إلى الأمس القريب متسخة، و هي تستعد لمنافسة كوريا الجنوبية و بولندا من أجل تنظيم المعرض الدولي المزمع تنظيمه عام 2012. فهل ستفوز عروسة الشمال بشرف احتضان هذا الملتقى؟ أجوبة متضاربة، تتأرجح بين الخيبة و الأمل. طنجة تتغير لكنها تختنق بعطالة شبابها و اقتصادها المتدبدب و بهجرة أريافها... لقد باتت مكانا للموت، يقصده كل من أراد أن يركب قوارب الموت البطيء و السريع. من يعشق طنجة بجمالها و قبحها، و يطرح السؤال : هل سيكون قدر هذه المدينة هو البقاء بين لعنة الاختناق و ضوء التغيير؟