عندما أعلن قبل سنوات عن النية الرسمية في جعل مدينة طنجة ومحيطها أحد الأقطاب الاقتصادية الرئيسية للمملكة ، استبشر سكان أبناء المدينة خيرا بفرص شغل في مدينة عانت الإقصاء والتهميش على مدى قرون طويلة من الزمن. الا أن أحلام الطنجاويين وآمالهم سرعان ما تبخرت عندما بدأت الاستثمارات تنهمر على المدينة والمنطقة. فطنجة التي كان من المنتظر أن تكون قطبا اقتصاديا سيعمل على تنمية المنطقة وفك العزلة عنها، لم تكن إلا امتدادا لمحيط الدارالبيضاء والرباط الذي بسط ذراعه الأخطبوطية نحو طنجة، وزرع فيها مختلف المشاريع والمؤسسات الاقتصادية بكل أطرها وموظفيها. بل تم استقطاب العمال من خارج المدينة والمنطقة عوض تشغيل أبنائها الأصليين الذين ظلوا ومازالوا في تهميشهم وبطالتهم يغرقون. واليوم يعاني أبناء المدينة الأمرين مع مسؤولي المؤسسات الاقتصادية التي يتقدمون بطلبات العمل فيها. إذ أن معيار القبول في المؤسسة أم لا هو مسقط الرأس التي ينحدر منها طالب العمل، حتى أصبح الكثير من أبناء المدينة يفكر في تزوير شهادة ميلاده حتى يحظى بفرصة عمل في مدينته. فالقاعدة أصبحت أن الأولوية للغرباء عن المدينة، أما أبناء المدينة فسيحين دوره عندما تنبت الملح. حتى مراكز التكوين والتأهيل المهني تلعب دورها في مؤامرة الإقصاء هذه ضد أبناء طنجة، فاغلب المرشحين لولوج هذه المراكز أبناء المدينة يجدون أنفسهم في أحسن الأحوال ضمن لائحة الانتظار قبل أن يسدوا إليه معروف قبوله يستحقون عليه الحمد والشكر. وهكذا يراد لأبناء هذه المدينة أن يظلوا مهمشين في ظل وعود التنمية الزائفة، أو يكونوا مدينين بالولاء لغيرهم خارج النطاق القانوني تحت طائلة الويل والثبور طبعا. وفوق هذا كله يتهم أبناء طنجة بالعنصرية واحتقار الغير، رغم أنهم من أكبر ضحايا هذه العنصرية في مدينتهم التي ولدوا فيها وأرضهم التي عاشوا عليها ونزعت منهم في كثير من الأحيان من أجل إقامة المشاريع كما حدث مع سكان قبائل أنجره. إن أبناء طنجة لا يطلبون شيئا محظورا يستحقون عليه كل هذه الإهانات. إنهم يطلبون فقط تمكينهم من حقهم في الشغل والعيش حياة كريمة في مدينتهم وأرضهم التي ولدوا فيها وتربوا عليها حتى لا يقعوا فريسة لأنواع الانحرافات من مخدرات ودعارة وغيرها، فليس من المعقول أن يكونوا ضحايا لمعنى المقولة الشهيرة "خبز الدار ياكلو البرانى". أم أنه حرام على بلابل هذه المدينة الدوح؟.. حلال للطير من كل جنس؟..