في صباح اليوم الموالي لحادثة السير المفجعة التي أودت بحياة 6 أشخاص وأزيد من 30 جريحا، كان شارع مولاي عبد العزيز بطنجة غاصا بعدد كبير من حافلات النقل العمومي وسيارات نقل العمال، وكلها كانت تنتظر دورها لكي تمر بعملية الفحص التقني للسيارات. ولم يعرف مركز الفحص التقني بهذا الشارع ازدحاما كالذي عرفه في اليوم الموالي للحادثة المفجعة، وهو ازدحام استمر لأيام بعد الحادثة. ويكشف ذلك الازدحام المفاجئ أن كثيرا من سيارات نقل العمال وحافلات النقل العمومي «اكتشف» أصحابها فجأة أنها بدون فحص تقني، وأن فترة التسامح الكبير التي كانت تحظى به من طرف مصالح شرطة المرور وسلطات طنجة انتهت ولو بشكل مؤقت، بعد الحادث، وأصبحت ملزمة بالخضوع للقوانين التي تبرأت منها لفترة طويلة من الزمن، مع أن شوارع طنجة مليئة بأفراد شرطة المرور. وتسبب الحادث الذي عرفته طنجة، صباح الاثنين الماضي، في بلبلة حقيقية وسط السكان، الذين عبروا غير ما مرة عن «سيبة» الطرقات التي أصبحت تعرفها المدينة، وارتفاع أعداد ضحايا سيارات نقل العمال وحافلات نقل العمال، والتي يتصرف سائقوها وكأنهم معفيون من القانون. وأبرزت هذه الحادثة الواقع المرير الذي تعيشه شوارع طنجة، والتي تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى ما يشبه حلبة سباق الرالي ما بين الحافلات العمومية وسيارات نقل العمال، وهي سيارات عادة ما يقودها شبان ومراهقون من دون أية تجربة أو أي إلمام حقيقي بسياقة سيارات عادة ما تحمل في بداخلها عشرات العمال، وهؤلاء العمال يعيلون الكثير من الأسر. ومنذ أن بدأت طنجة في التحول إلى مدينة عمالية هادرة وفقدت حميميتها التاريخية، فإن عشرات الضحايا، أو المئات، فقدوا حياتهم بسبب رعونة سائقي المئات من سيارات نقل العمال، وأيضا حافلات النقل العام، وكلها توصف في طنجة بأنها «ديناصورات الطريق». ويشتكي السكان من كون سيارات نقل العمال، التي تسببت في مقتل الكثير من المارة، يحظى سائقوها بمعاملة خاصة وودية من طرف مصلحة شرطة المرور، وأن عددا من السائقين لا تتوفر فيهم شروط سياقة هذه السيارات. ويمكن بسهولة ترصد سيارة نقل عمال «تقترف» الكثير من المخالفات في الطريق، وبعد ذلك يمكن أن تمر من عدد من النقاط الأمنية من دون أن يوقفها أحد، وفي حال إيقافها فإن الأمر يتم بسلاسة غير مفهومة. ويشير السكان إلى أنه في كثير من الأحيان يتلقى السائقون المخالفون «تحية أمنية» من طرف بعض أفراد من شرطة المرور، عوض أن يتلقوا محضر مخالفة. وهناك سائقون كثيرون لهذه السيارات يتصرفون كما لو أنهم يلعبون بسيارتهم الخاصة داخل حلبة سباق. وهناك أفراد أمن يحاولون تطبيق القوانين بشكل صارم على هذه السيارات المجنونة، لكنهم في الغالب يصطدمون بأمور خارجة عن إرادتهم أو بأوامر من نوع غريب تأتيهم من فوق. كما أن الحافلات العمومية، المملوكة لشركة «أوطاسا» الإسبانية، والتي تسببت بدورها في مقتل عدد من الأشخاص، تعاني هي الأخرى من حالة ميكانيكية متردية، وغالبا ما لا تتم صيانتها على مدى شهور. وخلال الشهور السابقة، عانت هذه الحافلات من تردي أحوالها الميكانيكية بشكل كبير، وكان آخر حادث خطير هو انزلاق حالة في منطقة ذات كثافة مرورية وسكانية عالية قرب مدرسة محمد الخامس وقتلها لشخص، ولم تتوقف الكارثة إلا عندما انحرفت الحافلة نحو مقبرة قديمة واصطدمت بشجرة ثم توقفت فوق قبور قديمة. وقبل ذلك تسببت حافلة أخرى في حادث مماثل كاد يتحول إلى كارثة بفعل عدم صيانة فراملها، بينما تردد الشركة كل مرة أن الحوادث تعود إلى أخطاء بشرية وليس ميكانيكية. ما يجري حاليا في شوارع طنجة أصبح عصيا على الوصف، وهذا ما جعل مصدرا في ولاية طنجة يصرح بأن هناك توجها فعليا إلى فرض رخصة سياقة خاصة بسائقى سيارات نقل العمال، وفق ما هو معمول به في سيارات الأجرة، بالإضافة إلى اتخاذ إجراءات أمنية غير مسبوقة، وذلك «من أجل الحد من ظاهرة السيبة المرورية في المدينة». لكن هل تُوقِف الرخص الخاصة والإجراءات الأمنية حرب الطرقات في المدينة وتعيد «ديناصورات» الطريق إلى أقفاصها؟ هذا سؤال لن تجيب عنه سوى الأسابيع والشهور المقبلة.