اعتذر للأديبة الأستاذة الآنسة رانية وردي ، والأستاذة الهام ، والمناضلة النسائية السيدة فطومة حلالي ، اللآئي عاتبنني عبر بريدي الالكتروني على تخلفي عن الكتابة - كعادتي - عن المرأة في يومها العالمي لهذا العام ، وأطمئنهما على أن تلككي لم يكن برغبتي ومن ذاتيتي شخصيا ، وأن الأمر كان فوق طاقتي - وكما يقال : " فوق طاقتك لا تلام " - وعائد لنفسية رفيقي وجليسي "الحاسوب" الذي تحولت صداقتنا –التي أعتز بها - الى شراكة في التفكير ، وانسجام في الخيال ، وكأنه قطعة من جسدي ووجداني ، ألجأ إليه في اضعف واقوى الأوقات ، أبثه اسراري واقسى اعترافاتي ، فيصور آهاتي ويجسد أحزاني وهمومي ، ويعينني على خلق الافكار ، وفتح مجاهل الأسرار .. بالمختصر المفيد ، كان سندا طيعا لينا أول ما عرفته ، أو على الأصح مند أن اقتنيته ، لم يعص لي يوما أمرا ، يركع تحت قدمي ويستجيب قبل ان يرتد إلي طرفي ، يحملني كالمارد المطيع ، لنطير سوية في أعالي سماوات الخيال . لكنه هذه المرة حرن كما تحرن الحمير .. والذي هو أمر عادي بالنسبة لكل الحمير ، وهي مجبولة عليه ، لأنها، كما في المثل الدارج " ما هي غير حمير ، وغادي تبقى حمير" ترفض الاستجابة لسائسها كلما خطر ببالها أن تفعل ذلك بدون سبب منطقي ، حسب ميزاجها "الحميري " الذي لا تثنيها عنه إلا العصا . لكن أن تحرن الحواسيب وترفض الاستجابة لنقرات أزرارها ، وهي آلات إليكترونية مبرمجة على الطاعة ، فذاك شأن غير عادي ، وأمر غريب ومستغرب إلى أبعد الحدود .. فهل حدث أن حرنت الحواسب كالحمير .. ورفضت الانضباط للأوامر ؟؟ . لعمري ما كُنت أنتظر أن يرفع حاسوبي يوما راية التمرد ويعلن العصيان ، رغم النقر المستمر والمتكرر على كل أزراره في محاولات لحمله على التراجع عن حرانه ، وجعله يستجيب لأمري بالكتابة .. لا أدري ماذا أصاب رفيقي حاسوبي ، فهي المرة الأولى التي يعصى لي أمرا ، وقد كان من طبعه الانصياع ومن خصاله الانضباط ، فلماذا فعل حاسوبي هذا معي؟ هل اعتلت برمجته ، أم هي خيانة لصداقتنا ؟ أسئلة ما كنت أنتظر عليها مجيبا !! لم يطل انتظاري ، فسمعته يحمحم ويغمغم ، ثم تحدث بصريح الكلام قائلا : لا لا برامجي سليمة ، وليست بها علة و لم يصبها خلل ، وعقلي "القاصح" Disque dure ، كما تسمونه بلغتكم ، حريص على الحافظ عليها من أي مشوش دخيل " فيروس " ويقتله في الحين ، وليس في الأمر خيانة لصداقتنا كما ادعيت ، لأننا معشر الحواسيب لا نعرف من الخيانة إلا ما علمتمونا معشر الآدميين ، أما لماذا حرنت ؟ فلا أخفيك سرا أيها الصديق العزيز أني مللت من الكتابة في وعن مواضيع خطيرة ، كالحرية والديمقراطية وحقوق المرأة المضطهدة .. بينما أرى أنك أنت وكل الذين يكتبون عنها لا تمارسونها في حياتكم الخاصة وربما حتى العامة ، ومن خلالكم كل بني "العربان"، وكل أولئك الذين يتبجحون ويدعون أنهم هم أساس انطلاقة النضال والمقاومة من اجلها ، والغريب أن بعضهم يتمادى اكثر في ذلك ، ويضعون تواريخ محددة لانطلاقتها ويبدون مثاليين في ما يقولون ويدعون ، ناسين أو متناسين أن الدفاع عن كالحرية والديمقراطية وحقوق المرأة ، عرف نماذج رائعة من النضالات والتضحيات التي سقط فيها الشهداء والجرحى بالعشرات ، وشارك فيها الكثير من المنظمات النسائية وغير النسائية وكل ما خرج من رحمها من مؤسسات المجتمع المدني الزاخر بالتجارب الكبيرة والدروس والعبر الكثيرة التي لعبت أدوارا هامة كأدوات في تعزيز ما تحقق من مكتسبات للمرأة ، في الوقت الذي كان فيه البعض ، ولغاية وقت وجيز ، من اشد المعارضين لها وممن يستخفون بأحوالها ، ويشككون بجدوى الدفعاع عن حقوقها ، ويصفون المؤمنين والممارسين لها بأنهم مارقين وخارجين عن الدين .. فكيف تريدني أن أساهم في مهزلة كهذه الازدواجية المقيتة التي يتبجح فيها الجميع بالدفاع عن هذا المخلوق إلا هي ؟؟ فهي راضية مرضية بوضعها ولا تبغي عنه فكاكا ! ولا تريد تبصيراً بواقعها البائس ، لتتمرد عليه ، ولا توعيةً بحالها البئيس لتتحرر منه ، لأنها تخاف التحرر من خوفها ، وتخشى التمرد على بأسها ، بل وتفر من شخصيتها لتتوارى كطفلة خائفة بل كرفاة امرأة مرتعبة لتختبئ تحت عباءة السي السيد ، وتختفي تحت ظل قوة وبأس ذكوريته المفتعلة التي تعتبرها المكمل لنقص عقلها ودينها وجسدها .. بالله عليك يا صديقي ، دع المرأة تعيش مأساة عبوديتها وظلمها في سلام ومن غير وعي أو توعية ، مادام ذلك يريحها ، ولا يؤلم نفسها ووجدانها ، لأنه كما يقال: الوعي بالشيء يزيده عمقاً ، والوعي بالظلم يجعل صاحبه يشعر بظلم أشد وأفظع ، وكذلك الوعي بالجوع والفقر والعبودية يتفاقم ويشتد عندما نعلم به ، وقد صدق المثل المغربي الدارج حين قال: " ما في الهم غير اللي كيفهم".. ليس لهذا السبب فقط يجب ان تدع المرأة في حالها ، بل لأن كتاباتك وكتابات غيرك ، لم تستطع -على كثرتها -إصلاح أوضاعها قيد أنملة ، ولم تستطع تغيير نظرة الدونية التي تنطر إليها بها المجتمعات المتخلفة ، التي تدعيه التحضر والتمدن ، من خلال بعض مظاهره المزيفة ، والتي مازالت لا تستحي من أن يمسك ولي أمر فتاة لم تبلغ العاشرة من عمرها قلماً ويوقع وثيقة زواجها من رجل لا تعرفه ولا تحبه ، ويكبرها بخمسين أو ستين سنة ، وتتقبل ذلك ، بل وتباركه . إن الكتابة في هذه الحالة وحول مثل هذه الموضيع بالذات ، يصيبني بحساسية شديدة ، لأنها في حقيقة أمرها نفاق ولعنة على من يكتبها ، ونقمة على من تكتب له ومن أجله .. لذلك أعذرني ، واعتذر باسمي لكل من لم يرقهن قرار حرني عن الكتابة في عيدهن ، والذي لن أتراجع عنه مهما ضغطت على أزراري ، أو بدلت برمجتي ، وحتى لو مسحت كل معلوماتي ، أو كسرت دماغي القاصح ، إلا بعد أن تتراجع المرأة عن استسلامها لقيود المجتمع الجائرة وحباله السامة وتحفظاته الواهية المنسوبة للدين والشريعة ، وهي تعلم أن الدين منها براء !! و تنظر قبل هذا وذاك ، إلى نفسها على أنها ليست عورة ، وأنها صنو للرجل ، وبعد أن تعدني أنت وغيرك من الكتبة أنكم ستطبقون ما تكتبون ، ولن تنجحوا في ذلك ، إلا بعد أن تغسلوا أدمغتكم مما عشش فيها معتقدات بالية ، وتفرغوها من نظريات ذكورية متحجرة ، وتطهروها من كل قيم التخلف الكامنة في أعماقها ، والتي تكونت في قرارتها عبر الزمان ، والتي لا يمكن ان تنشئ حضارة راقية .. [email protected]