بعد مسيرة فنية كبيرة وحافلة بالعطاءات توفي بعد ظهر الجمعة14 فبراير 2014، عن سن تناهز 80 عاما ، الفنان والمطرب الشعبي محمد العروسي بإحدى مستشفيات فاس، بسبب مضاعفات مرض القلب الذي أرقده مصلحة الإنعاش لمدة أسبوع ولم ينفع معه علاج. وبوفاة الراحل محمد العروسي، مؤسس العيطة والطقطوقة الجبلية إلى جانب فنانين كبار أمثال احمد الكرفطي وحاجي السريفي وآخرون أطال الله عمرهم ، تكون الأسرة الفنية المغربية قد فقدت رمزا من رموز التراث الجبلي الأصيل، وهرما من أهرامات الفن الشعبي الراقي والهادف ، الذي تربع على قمة هذا التراث الغنائي على امتداد أكثر من ستة عقود وأثرى الخزانة الوطنية والإذاعة المركزية بالرباط منذ سنة 1958 بالعشرات من الأغاني، تعدت 525 أغنية نالت إعجاب المغاربة وأطربتهم على امتداد عقود طويلة. "ركبت على عين زورا " " دمليج الموضة " " مرحبا بلي جاعندنا " " كاس المحبة " وآخرون ، باقة ومجموعة نادرة من الأغاني الرومانسية، التي تتميز بصدق الكلمات وعذوبة الألحان وقوة في الصوت والأداء ، كلمات منهلة من الواقع ألمعاشي لسكان منطقة تاونات ومأخوذة من تقاليد وأعراف وحكايات ، تحمل بين طياتها خطابات ومعاني وحكم ، تعد بلا منازع روائع التراث الجبلي الأصيل وهكذا عنى عن الزراعة والزيتون والزيت والأرض والوديان والإنسان وعن الوطن والهوية . بدأ محمد العروسي مسيرته الفنية في سن مبكرة، حيث غادر الكتاب القرآني بدوار بني دركول قبيلة بني زروال دائرة غفساي تاونات حيث رأى النور سنة 1934 ، كان والده فلاحا مرتبطا بالأرض ويزاول مهنة "اسكافي " في بعض أسواق المنطقة، والتحق فيما بعد بشيوخ الطرب الشعبي آنذاك ، أمثال المفضل الطريرف وأحمد بالمكي ، فتعلم الطرب الأندلسي وأصول وقواعد الموسيقى و الطرب والغناء مكنته من بلوغ درجة ومرتبة رفيعة، اتخذها الباحثين مرجعا أساسيا للطرب الشعبي المغربي ومعيارا للطرب الجبلي . وساهم محمد العروسي في ايقاض روح المقاومة وتحرير البلاد، بفنه الهادف واللاذع والرافض لسلطات الاحتلال ، حيث شكلت اغنته الشهيرة "القبطان صولي " حاكم منطقة تاونات آنذاك ، الشرارة الأولى لانطلاق مقاومة شرسة للمستعمر الفرنسي ، فانتشرت الأغنية كالنار في الهشيم ،لما تحمله من عبارات صريحة تتهم سلطات الاحتلال بنهب وسرقة خيرات المنطقة والاعتداء على حقوق السكان وقهرهم ، فقام المستعمر باعتقال محمد العروسي وإيداعه السجن سنة 1944ومنعه فيما بعد من دخول مدينة فاس ،خشية لقائه أفراد من المقاومة وجيش التحري.