عند هذه النقطة بشارع موسى ابن نصير بطنجة، يتمدد جسد هذه المرأة المسنة المتخلى عنها منذ عدة سنوات ، فهي تفترش جانبا من الرصيف في وسط مكشوف صيفا وشتاء، لا يستر جسدها إلا خرق بالية. تعيش على صدقات المحسنين الذين يرقون لحالها فلا يجدون أكثر من منحها لقمة عيش تقتات بها، أو سترة تتغطى بها ، أو فراش مستعمل تتمدد عليه.. ولكن الشيء الذي لا يقاوم هو حالتها المرضية المستمرة بسبب إصابتها بخلل عقلي ، فهي في تمدد دائم كما لا تقدرعلى الحركة، وهي تقضي حاجتها في المحيط الذي تقيم به بين جانبات الرصيف، مما يجعل السكان المقيمين يتألمون لحالها، ولا يستطيعون دفعا للضر الذي يلحقهم جراء ذلك .. فهذا المشهد اليومي يظل قائما يتحدى كل من يمر بجانبه يوميا ، ولا يستطيع أحد إيجاد حل له بسبب غياب الملاجئ الخاصة بإيواء هذا الصنف من العجزة الذين حرموا من كل شيء ، من الصحة، والأهل، والمقام والأحبة . والمؤسف أن هذه السيدة قد تعرضت لصدمة قوية أفقدتها عقلها بسبب ما لحقها من الظلم ، إذ يحكي العارفون بقصتها أنها كانت تعمل حارسة بإحدى العمارات، وكانت تقيم في مسكن الحراسة ، وذات يوم قام صاحب الملك بطرها شر طردة، إذ استغل خروجها من البيت ليقوم بإخراج أمتعتها وإلقائها في عرض الشارع ، ثم إغلاق الباب بالأقفال لمنعها من الدخول ، فكان هذا الحادث كافيا لإصابتها بصدمة حادة لم تخرج منها إلى الآن، خاصة وأنها وحيدة ليس لها أهل تلتجئ إليهم . فأمام هذا التحدي الكبير،هل من جهة يمكنها أن تلتفت إلى حالة هذه الضحية التي ستصبح في يوم ما جثة هامدة ، فلا يبقى للجميع إلا شعور الإحساس بالذنب، والتقصير. لقد طال انتظارالمشاريع الإنسانية والإحسانية التي تتعلق بهذا الجانب ، لأن دار العجزة الوحيدة الموجودة بطنجة ، تعاني بدورها من العجز في الإمكانيات، إذ لم تعد كافية في مدينة تعاني من تزايد عدد السكان ، ومن الهجرة المكثفة التي تأتي أحيانا بهذه النوع من النماذج المتخلى عنها من طرف المجتمع لتعيش ضليلة مشردة داخل شوارع طنجة، فما أكثر المشردين من مختلف الأعمار الذين تحفل بهم شوارع طنجة . ولم يعد الأمر مقتصرا على الذكور، بل يشمل النساء والفتيات الصغيرات المتخلى عنهن . والمشكل الأكثر إثارة للقلق هو تزايد المختلين عقليا بأعداد يصعب التحكم فيها بسبب عدم توفر الملاجئ والمصحات المختصة لإيواهم . المكتب المركزي لرابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين