تشكل الموانئ والمناطق الحرة استراتيجية مهمة في عالم الاقتصاد والتجارة، ودعما كبيرا للبرالية والتبادل الحر، وأسواقا مفتوحة في التجارة العالمية واقتصاد السوق، فتستقطب تلك المراكز رؤوس الأموال والاستثمارات العالمية، وتوفر فرص العمل، وتنعش الاقتصاد. أما في مدينة القصر الكبير فالنتائج عكسية، والظاهرة غريبة بكل المقاييس، فالمدينة تحولت إلى منطقة حرة لتصدير واستيراد عينات فاسدة من "بضائع بشرية"، دون الخضوع لإجراءات الجمارك، وشروط المراقبة الاجتماعية، ودون وجود طالب أو مستورد لتلك "البضائع"!. لقد تعود سكان المدينة على رؤية جماعات من المجانين والمشردين، يجوبون شوارع المدينة، وينامون في الساحات العمومية، ويعترضون سبل المارة، ويقطنون الأرصفة، أغلب هؤلاء صدروا إلى القصر الكبير من مناطق سياحية، أو بمناسبة عقد المؤتمرات، فأهلا وسهلا بهؤلاء المرضى والمجانين، ولكن شريطة أن يوفر لهم المسؤولون مستشفيات وملاجئ للعلاج والإقامة. فالمجانين والمشردون يجب ألا يتركوا على هامش الحياة، وخلف التماس والاهتمام، بل يجب أن يحظوا بعناية المجتمع، وخاصة من المؤسسات الوطنية ذات الطابع الاجتماعي، لأنهم هم أيضا مواطنون وإن كانوا غير مصنفين، ولا يستفيدون من الضمان الاجتماعي، فلماذا يتم إجلاؤهم من بلادهم وتغريبهم عن أهاليهم؟، وما هي المقاييس التي يتخذها مهندسو التربية السكانية ببلادنا في ترحيل هؤلاء المشردين إلى مدينة القصر الكبير؟، وهل أعد أصحاب هذا القرار لهؤلاء الملاجئ لإيوائهم؟، هل فكروا في تغذيتهم؟، وهل وفروا لهم الحماية من الجوع والمرض والعراء؟. قد يقول قائل: إن مدينة القصر الكبير بسبب الإهمال الذي أصابها قد أصبحت مؤهلة لتتحول إلى مكان مناسب لتجميع النفايات، فوجب تذكيره بأن هؤلاء المواطنين يستحقون العطف والاهتمام، ووجب كذلك توجيه نداء إلى المجلس البلدي للمدينة للتفكير الجدي لاحتواء هذه الظاهرة، واتخاذ الإجراءات العملية والإنسانية لمواجهة هذه المعضلة الاجتماعية، والحالة المرضية، إما برفض هذه "البضاعة البشرية" وإعادتها إلى مصدريها، بسبب تحقيقنا للاكتفاء الذاتي في عدد العاطلين والمجانين والمشردين والمتسولين، أو بتخزين هذا الفائض في دور العجزة، والملاجئ الخيرية، ومستشفيات الأمراض العقلية، التي يجب إحداثها لهذه الغاية، أو بإحداث مصلحة خاصة في المجلس البلدي، مهمتها البحث في سبل وقاية المدينة من هذه الصفقات الخاسرة، وحماية مدارها الحضري، ومجتمعها المدني من هذه الهجرات القسرية والإجبارية، التي لا يرغب فيها أولائك المرحلون، ولا يرضى عنها سكان المدينة، ولا تزكيها جمعيات حقوق الإنسان، ولتتحمل جميع المدن والقرى مسؤوليتها كاملة في علاج مرضاها العقليين، وإيواء المشردين من أبنائها، لأن لهم عليها وعلى الوطن حقوقا من كتاب ذ محمد الموذن: (مواطن على الخط) ملحوظة: المقال عرض كاتبه محمد الموذن إلى مساءلة واستنطاق من طرف باشا مدينة القصر الكبير، بأمر من وزير الداخلية إدريس البصري.