بدءا تجب الإشارة إلى أن "أخف الضررين" جزء من إحدى قواعد المقاصد الشرعية في الإسلام، وهي القاعدة القائلة "إذا تعارض ضرران ارتكب أخفهما"، ومعناها أنه إذا لم يكن للمسلم بد من الوقوع في أحد أمرين ضارين فإن عليه أن يُعمل عقله وتفكيره ويفضل ارتكاب أقل الأمرين ضررا وسوءا. وظف شيخ الأزهر أحمد الطيب هذه القاعدة لتسويغ الانقلاب العسكري ومحاولة إضفاء طابع شرعي على خارطة الانقلاب التي قرأها الفريق عبد الفتاح السيسي وكان من مقتضياتها عزل الرئيس المدني المنتخب انتخابا ديمقراطيا نزيها. قد يقول قائل إن شيخ الأزهر اجتهد وقدر أن عزل الدكتور مرسي، وتعطيل العمل بالدستور، وحل مجلس الشورى، والإتيان بوجوه غير منتخبة لتسيير البلاد هو أخف ضررا وأقل سوءا.. ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن ههنا هو قول العالم أحمد الريسوني: - "ما هو الضرر الأشد الذي تم درؤه؟.. وكيف تأتى لشيخ الأزهر أن يعرف ويقدر أخف الضررين، مع أن الأمر يتعلق بدولة وشعب وأجيال قريبة وبعيدة، ويتعلق بالأمن والاستقرار وشرعية الحكم، وبالاقتصاد والدين والأخلاق، وله انعكاسات على الأمة العربية والإسلامية بأسرها !؟". يزعم بعض الانقلابيين أن شيخ الأزهر استبق المصيبة قبل وقوعها، وتحدث من منطلق حرصه على دماء المصريين وخوفه من أن تراق إذا ما التقى أنصار مرسي ومعارضوه في شوارع التظاهر والاحتجاج. ونقول في رد هذا الزعم: إن قولكم هذا إلا تخمين وافتراض لا يجوز أن يُتخذ مسوغا للاحتيال على قاعدة "أخف الضررين"؛ لأن "الضرر الأكبر والأشد" لا وجود له سوى في مخيلتكم ومخيلة شيخكم.. وما أدراكم أن الأمور كانت ستؤول إلى القتال بين أنصار الرئيس المنتخب ومعارضيه !؟ بل ما أدراكم أن هذا الرئيس لم يكن ليستجيب لمطالب معارضيه إذا ما استمر تظاهرهم في الشارع وتطور احتجاجهم إلى حد العصيان المدني !؟ (خصوصا أن هؤلاء المعارضين كانوا يعدون أنفسهم بالملايين وفقا للتوقيعات التي جمعتها حركة تمرد !!). وهب أننا اقتنعنا بصحة افتراضاتكم وسلمنا لشيخكم بصحة اجتهاده الذي عبر عنه في 03 من يوليوز.. أفلم تظهر الأيام الموالية خطأ الشيخ وسوء تقديره؟ ألم يتأكد لديه، مع سقوط شهداء في مجزرة الحرس الجمهوري، أن ما وقع بعد الانقلاب العسكري كان أشد ضررا وأكثر سوءا وقبحا مما كان عليه الأمر قبل يوم الانقلاب؟ بماذا نفسر، إذن، قرار الشيخ الاعتكاف في بيته بعد سقوط الشهداء في تلك المجزرة إن لم نفسره بتبكيت الضمير وإدراك خطإ التقدير !؟ وتأسيسا على ذلك ألم يكن من اللائق بشيخ الأزهر، وهو العالم الذي يفترض فيه العودة إلى الحق دائما، أن يتراجع عن فتواه المؤيدة للانقلاب ويتوب عنها يوم أدرك أنه أساء التقدير وأخطأ في الاجتهاد!؟ الواقع أن استناد الشيخ إلى قاعدة "أخف الضررين" لم يكن سوى أكذوبة منه لاستغفال الناس والتلاعب بعقولهم وإخراج الانقلاب العسكري "إخراجا شرعيا"، وإن ما يؤكد هذا الاستنتاج أن الرجل كف عن استحضار القاعدة فيما تلا ذلك من أيام.. ولو أنه كان صادقا في اتخاذها معيارا لبيان الأحسن والأصلح للشعب المصري لكان استحضرها واتخذ مواقف في ضوئها مع أحداث مجزرة الحرس الجمهوري، ثم مع مجزرتي رابعة العدوية والنصب التذكاري وما رآه فيها جميعا من سقوط آلاف الشهداء برصاص الانقلابيين. ولكنه وظف القاعدة الشرعية في التأسيس للانقلاب، وأقبرها بعد إسقاط الرئيس مرسي؛ لأن استحضارها بعد ذلك يكشف عوار الشيخ ومساندته الواضحة للانقلابيين. لذلك عمد إلى دفنها تماما كما دفن الانقلابيون مقولة "الشرعية الشعبية" عندما رأوا أن الشارع بدأ يتحرك ضدهم ويؤكد أن الشرعية الشعبية هي لمحمد مرسي وليست لمعارضيه الذين زعم إعلام الفلول أن عددهم وصل يوم 30 من يونيو إلى ثلاثين مليون مواطن مصري !!