لا زالت الفضيحة التي انفجرت داخل وكالة العاملين بالخارج التابعة لمؤسسة البنك الشعبي بجهة طنجةتطوان تلقي بظلالها على أجواء موسم عودة المهاجرين الذي أعطيت انطلاقته يوم 5 يونيو 2013. فبعد اعتقال مستخدمين بنفس المؤسسة وإحالة ملفهما على القضاء إثر ثبوت تورطهما في التلاعب بالحسابات الشخصية لبعض الزبناء الذين تقدموا بشكاوي إلى الإدارة بعد أن تبين لهم وجود خلل في حسابهم الجاري، وقد اتضح بعد التحقيق أنه كان يتم التلاعب بحسابات وودائع الزبناء وخاصة منهم العاملين بالخارج نظرا لغيابهم الطويل خارج أرض الوطن، وقلة معرفتهم بدهاليز المعاملات البكنية . وكانت العملية تتم عن طريق سحب الأموال خفية من الحسابات الخاصة بهذه الشريحة من الزبناء ثم القيام بإقراضها لجهات أخرى خارجية تتمثل في عينات من الأشخاص والزبناء، منهم مقاولون ، وخواص، وأجانب، بل حتى بعض المستخدمين داخل المؤسسات البنكية ، واتضح أيضا أن العمليات المنجزة قد طالت عدة ملايير من السنتيمات ، وقد استمر القيام بهذه الأفعال المنسوبة إلى المتهمين عدة سنوات دون أن يفتضح سرها ، وهو الآمر الذي يطرح أكثر من تساؤل حول مدى توفر الضمانات البنكية بالنسبة للمتعاملين مع هذه المؤسسة أو غيرها، وخصوصا بعد تكاثر الحوادث المتعلقة بالسطو المنظم على الوكالات البنكية التي سجلت في عدة مدن بالمملكة، وهو ما يعني أن المؤسسة البنكية لم تعد آمنة 100 % . فبعد هذا الخبر الصاعقة الذي يتزامن مع فترة عودة العمال المهاجرين لا بد أن تطرح أسئلة عدة حول خلفيات هذه العملية وحدود امتداد نفوذ الجهات المتورطة فيها، وعن الأسباب الرئيسية التي تقف خلف هذا الانحراف المهني؟ ... ومن الأسئلة المطروحة بحدة أيضا والتي تحتاج إلى جواب لطمأنة الرأي العام: - ما هو سبب استمرار رئيس الوكالة في تسيير إدارتها أكثر من 10 سنوات دون احترام المسطرة الخاصة بتغيير مواقع اشتغال المستخدمين فيما يعرف بآلية التداول على المهام ..؟ - التساؤل عن دور قسم المراقبة الجهوي والمركزي طبقا لاختصاصاته ، ومدى مصداقية المحاضر التي كان يحررها أثناء قيامه بدوريات المراقبة ومدى جديتها .. - التساؤل عن مدى نجاعة عمل رئيس المجلس الإداري للبنك الشعبي في الجهة وأعضاء مجلسه الإداري في القيام بالمهام المنوطة بهم طبقا للقانون، وذلك أن اختيار الأطر العاملة يجب أن يتم وفقا لمبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب ، وبناء على الحصيلة التي تقدم إليهم من طرف مديرية شؤون الموارد البشرية والتكوين . وفي نفس السياق، يثار مشكل آخر يرتبط بالآثار السلبية لهذه الفضيحة وانعكاساتها على الاقتصاد الوطني وعلاقة الزبناء بالمؤسسة البنكية ككل؟ فما من شك أن هذه الفضيحة ستكون بمثابة الزلزال الذي يضرب أسس عامل الثقة في المؤسسة البنكية وخاصة لدى فئة العاملين بالخارج الذين تعد تحويلاتهم السنوية العمود الفقري للاقتصاد الوطني، لا سيما في هذه الظرفية المتسمة بالانكماش الاقتصادي واشتداد وطأة الأزمة المالية وأثرها على الاقتصاد الوطني والدولي ؟ . كما يتم التساؤل بإلحاح عن دور السلطات المالية وعلى رأسها المدير العام للقرض الشعبي في اختيار المسيرين الجهويين بناء على الكفاءة المهنية أو على المحاباة ، خاصة وأن البلاد في حاجة إلى نهج استراتيجية تتماشى مع مفهوم الدستور الجديد، واستحضار الخطة التي رسمتها الحكومة على عجل لتفادي الوقوع في أزمة اقتصادية خانقة تذكر بأواسط الثمانينات، حينما فرض تطبيق سياسة التقويم الهيكلي . ولا ننسى كذلك تداعيات هذا الحدث على علاقة الزبناء بالمستخدمين، حيث أصبح هؤلاء في قفص الاتهام في نظر الزبون بسبب طغيان ثقافة تعميم الأحكام المسبقة جراء الشك المفرط وعدم الاطمئنان إلى أي تعامل مع المؤسسة إلا بعد التدقيق والمراجعة الملحة ..وكثيرا ما تقع الاصطدامات اليومية بين الطرفين . فكيف والحالة هذه يمكن إعادة الثقة إلى زبناء هذه المؤسسة والنظام البنكي ككل، ومن سيأمن بعد اليوم على وضع أمواله بالصناديق البنكية دون أن تنتابه الشكوك والهواجس، وقد سجل مؤخرا سحب العديد من الزبائن لأموالهم المودعة لدى هذه المؤسسة في الخارج وخصوصا في بلجيكا.. هذا وقد يفاجأ الرأي العام مستقبلا بسقوط المزيد من المتورطين في هذه العملية لأن سلوكا من هذا العيار الثقيل، لا يمكن أن يكون مجرد فعل معزول من غير أن تكون له ذيول وامتدادات توفر له الحماية والتغطية .وما من شك أيضا أنه قد حان الوقت لوضع اختيار الكفاءات المناسبة ضمن الأولويات من أجل إرجاع حالة الثقة إلى سابق عهدها، وهو ما يفرض تدخل الإدارة المركزية لاتخاذ قرارات شجاعة ، وفي مقدمتها تغيير جميع المسؤولين من أصحاب النفوذ الجاثمين على كراسيهم منذ عدة سنوات . والجدير بالذكر أن القطاع البنكي الذي يمر بأزمة حادة قد أصبح في حاجة إلى تدخل السلطات الوصية من أجل إخضاعه لعملية إصلاح جذري يضمن حماية الاقتصاد الوطني من الزوابع، ويعيد الثقة للزبائن والمستثمرين .. ، ولن يتأتى ذلك إلا بتفعيل آلية المراقبة ومراجعة القوانين وتحيينها ضمن تصور شامل تراعى فيه المعايير والمبادئ الآساسية: منها اعتماد الشفافية في التعامل من أجل ترسيخ المصداقية والنزاهة – توفير الضمانات لحماية حقوق الزبناء المادية والمعنوية وترسيخ مبدأ الثقة المتبادلة – الكف عن عرقلة العملية التنموية خصوصا بعد اتخاذ السلطات الحكومية عدة تدابير لاصلاح المنظومة الاقتصادية من أجل مواكبة التطور العالمي الذي يفرض تحقيق النمو السريع والمستدام .. وفي هذا الصدد نناشد كل المعنيين بالأمر لإيلاء الأهمية لهذا القطاع الذي يعد الدعامة الأساسية للاقتصاد الوطني والعمل على إصلاحه وإعادة الثقة إلى زبنائه .