" »مغرب ثقافي « و إستراتيجية ثقافية على مدى سنوات طويلة " ، بهذه الشعارات العريضة نجد السياسة الثقافية ببلدنا الحبيب، رؤى تبشرك بالخير إن عاينتها على صفحات الكتب و تفتح لك الأبصار لتطل على الواقع المنشود، لكن ما أن تتبع المشهد الثقافي واقعيا، إلا و تتبدى لك ألوانا تتسربل بها الحقيقة، و يعجز تعبيرك عن التشخيص، فتقول أزمة، نكسة، فضيعة، و هلم جرا من الصفات... أيها المواطن المغربي، أُريدَ لكَ أن تكون طبق النسخة التي يريدون، نسخة مطبعة بقيم "المواطنة الصالحة" بمنطقهم الخاص، تقبل بالكائن، و تجعل الواسن يستمر في سنته، والساكن يبقى في جموده، و الناعس يستديم ويستكين في نعاسه..... ظاهرة المهرجانات بالمغرب فاقت المعتاد، و من أجلها حشدت خيرات البلاد، من ثروة و عتاد. فيظل المواطن المغربي يستفهم ويطرح التساؤل: ما الجدوى من هذا؟ ماذا سأستفيد؟ ما الغاية من هذا الهدر، وشعبنا يعيش الأمرين ؟ كلها تساؤلات تبقى مشروعة، والإجابة عنها تكشف حقيقة المشهد الثقافي، وتعريه من الزيف و الوهم العالق به، لذا ففهمنا للمسألة لا يتأتى من منطلق الاختزال وسياسة الغربال، وإنما بالتحليل البنيوي الشامل، نستحضر من خلاله كل المتغيرات المساهمة من قريب أو من بعيد، ونجلي البنية العلائقية لنستوعب تركيبة الظاهرة المعقدة. جميعا نعرف أن المشهد السياسي المغربي، يطبعه نوع من الغموض و التعقيد، ويتجلى أساسا في تواجد مستويين من التدبير للشؤون العامة، إذ هناك مستوى مدبر وآخر منفذ، فالأول يملك كل الآليات لبلورة تصوراته بمقاساته، ووفق سياساته، فيظل بذلك المنفذ غائب عن بناء القرار، ويكتفي بمباركته و الإقبال على أجراته وتنفيذه، فالأزمة إذن تأخذ بعدا بنيويا يستدعي حلا جذريا و الرجوع إلى الأساس و أصل الكساد. فإذا كان المنطلق، واضحة معالم تفكيره؟ فماذا عسانا ننتظر من سياسات منخورة في أساسها؟ إذا عرف السبب بطل العجب، فالعجب والاستغراب لا يمكن ان يطال إلا من لم يدرك بعد أصل الداء و من لم يفقه في فقه السياسة ما يكفيه لتذليل التعقيد، فالمهرجانات وفق هذا التصور هي بمثابة سياسة متعمدة يرنو من خلالها الفاعل غايات تخدم مصالحه. و في الحصيلة يتيه الشعب تيها دبر له من ذي قبل، فأصبح بذلك يساق أين أرادوا ومتى أرادوا...، إنها القيم التي يطالها الانحراف و يشملها التغيير، لا حياء ولا خلق حسن، ولا تفكير ينم عن صفاء في العقيدة، و تجف القلوب والأفئدة من ذكر لله، ويطفو الفكر المادي على الأفهام، فلا تجد شاب يحدثك إلا عن كسرة خبز يسد به رمقه، أو كوبا من ماء يروي به ظمأه، أو عملا ينأى به عن شبح العطالة. و بعد، ما النتيجة ؟ النتيجة هي أن المهرجان ساهم في تدجين الفكر وامتهان الكرامة، فأن تصرف مليارات من الدراهم في سويعات أمام مغنية لا تملك لا ملة و لا دين، وتتفوه بالحاط من الكلام و تظهر بزي لا حشمة يسمه، هذا استخفاف بالمغربي المسكين، و انتقاص من قيمته، ومساهمة في تقويض بناءه الباطني و الروحي، ناهيك عن أثر أهم هو خلق الفكر البهيمي و الذهنية الرعوية، التي تفتقد لوعي ثقافي يمكنها من التأثير على المشهد السياسي، فيصبح بذلك المخزن قد أراح ذاته من جرح قد يضعفه. حاصل القول، يمكن أن نشير إلى ان المهرجانات بالمغرب لم تخلق لذاتها و لكن لمرامي إستراتيجية، تستهدف مبادئ المواطن المغربي لتجعله مقولبا على طريقة الإنسان المنصاع و التابع، لا يرفع يده، ليبوح بلاءة تمرد في موقفه، لتساهم في تعبيد الطريق نحو الحقيقة بعيدا عن الأوهام و سياسة وضع العربة أمام الحصان.