هناك العديد من الدراسات والتقارير التي كشفت كون المجتمعات الغربية لربما نجحت في تجاوز صراع الهوية في ظل افرازها لعولمة كاسحة بقيمها ومفاهيمها ومأثرة للوعي واعتمدت آليات متنوعة لعل أبرزها سن قوانين ونظم حامية وزاجرة لتأثير الدين على مجالات الحياة خاصة منها السياسية ولعله لم يكن المغرب برفقة العديد من المجتمعات النامية خاصة منها العربية ببعيد عن التأثر وليس التأثير فكان جليا أن صاغ بدوره قوانين وأنظمة كفيلة في تصوره قادرة على ضبط الصراع حول الهوية وبالتالي ربما كانت استراتيجية وآلية لتشكيل الوعي الضامن للاستقرار والتعايش. اليوم نعيش نحن المغاربة على وقع هذا التأثير في جل مناحي حياتنا و مجالاتها المتنوعة الاقتصادية والإعلامية والتربوية والسياسية هذا المجال الأخير نقف عنده كأهم مجال للتأثير وصناعة القرارات وترسيخ القيم خصوصا عندما يتدخل ضابط القضاء لحراسته واعادة ترتيب موازين القوى المتصارعة ولربما فرض هيمنة القانون على القيم والدين عندما صدرت قرارات عن المجلس الدستوري بمقتضى القانون التنظيمي لهذه المؤسسة ولمجلس النواب ونص الدستور لمراقبة كافة أشكال الاخلالات التي قد تشوب العمليات الانتخابية البرلمانية الأخيرة التي شارك معظم المغاربة في صنعها يوم 25 نونبر من السنة المنصرمة والتي بمقتضاها فقد الحزب المدبر للسلطة التنفيذية بتحالفاته المتباينة دائرتين بالمغرب دائرة طنجة – أصيلة ودائرة جليز بمراكش بعلة كون المرشحين قاموا باستغلال المساجد في الحملة الانتخابية من خلال تثبيت صومعة مسجد في منشورهم الانتخابي، مما يشكل مخالفة للدستور وللمادة 118 من القانون رقم 57-11 المتعلق باستعمال وسائل الاتصال السمعي البصري العمومية خلال الحملة الانتخابية. و القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب وأضحت هته القرارات غير قابلة للطعن بأي طرق طعن وملزمة لكافة السلطات. هذا الحدث شكل لربما في اعتقادي فضاء للنقاش وقد يكشف صراعا بين مكونات سياسية وفكرية حول خيار الهوية أو التعايش مع واقع مسيطر يتعامل بحذر مع ضوابط وقيم الهوية ونتيجة ذلك اختلفت وجهات نظرهم ومواقفهم ولعل أبرزها تحليلات فقهاء القانون والتي قد تباينت تعليقاتهم حول القرارات القضائية و من تقييم هذا الاجتهاد للمجلس الدستوري ومدى احترامه للقوانين مصدر الالغاء وكشف علله ومصادر قوته على ضوء القانون المصاغ سلفا من الطبقات الاجتماعية التي احتكرت السياسة ومعه مجلات وموارد الحياة الأخرى قرابة أكثر من أربع عقود. يسود الاعتقاد بكون الأحزاب السياسية بالمغرب تعول بشكل كبير على التأثير في الرأي العام في ظل هذا الاختبار وبالتأكيد سوف تختلف أدواتها وخطاباتها في استمالته لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل الغاية هي اختبار مدى قوة طرف سياسي وسيطرته على أكبر عدد ممكن من المقاعد البرلمانية وبالتالي لربما التخلي عن مواقف وبرامجه المرتبطة بالهوية أم الغاية هي الدفاع عن قيم وضوابط الهوية ؟ فمتى كانت الغاية هي الأولى فيبدو من الانطباعات السائدة في الشارع المغربي أن المغاربة قد صاروا بين اليأس والأمل وأضحت السياسة بالنسبة اليهم هي الوصول الى مركز القرار والجلوس بجانب المخزن وبالتالي التعايش معه دون احتكاك واللعب وفق التوازنات السائدة واحترام قيم الليبرالية والمخزنية وهو ما قد يشكل انحصار التطلعات نحو تفكيك تلك القيم التي صارت في الأونة الأخيرة محط انتقاد ودعوة الى التخلي عنها والانتقال من مفهوم الرعية الى مفهوم المواطنة وأما ان كانت الغاية هي اعادة الاعتبار للهوية المغربية المتأصلة في الدين الاسلامي فلربما قد يغزو مجالات الفكر والاقتصاد والسياسة والاعلام وحتى التربية ويحصر معه مصالح ومنافع العديد من الفئات المجتمعة المتعايشة في ظله في الماضي القريب و والتي تعتمد آليات القانون وقيم العولمة وروابط الاقتصاد مع الغرب والدفاع عن مصالحه والاعتقاد بكون الهوية المغربية فيها تهيد لهذا الوضع المتميز . ان الانتخابات عموما هي مجال اختبار بين القوى السياسية ومدى قدرتها على الاقناع واعادة شحذ الهمم وبعث رسائل الأمل في مستقبل تحترم فيها ارادة الشارع ولن يكون في يوم من الأيام مجالا لسيطرة طرف على طرف ولكن هي دعوة الى التنافس وانجاح البرامج واعتبار أن القيم الدينية ليست تهديدا ولا سبيلا للتأثير في تشكيل الوعي المجتمعي وأن القانون والمؤسسات الساهرة على احترام تطبيقه ينبغي أن يكونوا حامين وراعين لقيم مجتمعهم الراسخة في دينهم كمجال للتعايش والاحترام المتبادل دون غلبة أو انسلاخ عن الذات والشخصية المتأصلة التي تميز جل المغاربة المتطلعين الى التحرر من الفساد والاستبداد لقيم دخيلة.