اللائحة الوطنية الخاصة بالنساء أو ما يصطلح على تسميته ب"الكوطا"، أي الحصة التي توافقت الأحزاب السياسية على اعتمادها - رغم النقاش الدستوري والسياسي الذي صاحبها ولازال مند سنة 2002 و 2007 - لتخصيص لائحة نسائية تضم حوالي 30 مرشحة، لحل إشكالية الوجود النسائي في المجالس المنتخبة، وتطبيع حضورها بالمؤسسات التشريعية، وإقناع المواطنين وتعويدهم على التصويت الذي لا يفرق بين الرجال والنساء، المبني على المردودية والكفاءات، وليس على الجنس، هي في الأصل مرحلة مؤقتة وليست إجراءا دائما، كما تحول أمرها إلى الاستدامة، فأصبحت ريعا سياسيا ومكسبا مقدسا، حول القضية النسائية إلى مقاربة جنس لا تزيد الوضع النسائي الهش إلا تفاقما، وتنسى النساء النضال في المجال الثقافي والحزبي والمدني الذي يحل الإشكال في عمقه، لأن المشكل في حقيقته، مشكل ثقافي وسياسي واجتماعي يستوجب النضال داخل الهيئات الحزبية التقليدية المهيمنة التي تأبى تغيير اجتهادها فيما يخص وضعية المرأة، وليس للانتصار لأنفسهن وإنما انتصارا إلى فكرة مفادها أن التشريع يجب أن يبنى على الكفاءة والمردودية وليس على الجنس الذي ليس إلا تعاملا ظرفيا لا يعبر عن تحول تحرري إيجابي مع الواقع النسائي، لعدم تواؤمه مع البنية الفكرية والمجال الاجتماعي والحراك السياسي والثقافي، الذي يغيب فيه النقد الجذري للوضع السياسي الحالي – خلافا لمن يرى أنها تحول قادر على تحريك ركود البنية الحزبية التقليدية أياً كان الهدف منها- الذي تكشفه نظرة جل الأحزاب المغربية، وأكثرية نخبها السياسية والبرلمانية لمسألة المرأة، والتي هي في غالبيتها نظرة وخطابات متقاربة، حيث لا يوجد بينها تيار سياسي متميز لا يمارس التكتيك السياسي في تعامله مع قضية ترقيتها في المجالس المنتخبة، وباقي قضاياها الأخرى المختلفة، ما يجعلنا نخلص إلى أن المعوقات الحقيقية التي تعيق إبداع المرأة السياسي والثقافي، هي في واقع الأمر، من الأفكار الخاطئة التي تتشبع بها النخب السياسية في بلادنا، والتي تظهر في موافقتهم العلنية للكوطا، وإضمارهم لمعارضتهم الشديدة لمبدئها من أساسه- رغم الشعارات التحديثية المرفوعة لدى بعضهم- ليس لتناقضها مع الدستور الذي ينص على مساواة الرجل بالمرأة في الحقوق والواجبات، بل لأنها، وبكل بساطة، تفوت على بعضهم فرص ولوج البرلمان، الذي يعتبرونه من مهام الرجال، ويتمسكون بالحديث الشريف القائل: "ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"، الذي يخدم غايتهم المثلى في الحفاظ على البنية السياسية والفكرية للأحزاب التقليدية، إلى درجة دفعت بالكثيرين للعمل على إعاقة كل إصلاحات تسهيل التداول السلمي والديمقراطي للسلطة، وتمييع أهداف اللائحة/الكوطا والمطالبة بإلغائها نهائيا، كسلاح فعال وعملي في معركة التحديث، ووسيلة مهمة لترسيخ تمثيلية المرأة وتشجيع مشاركتها في سوق السياسة والمؤسسات المنتخبة، وتفكيك البنية الفكرية للقوى السياسية التقليدية ووقف عملية إنتاجها المستمر، كما تبين الكثير من الدراسة، أن لتطبيق الكوطا في المراحل المتقدمة لترشيح ممثلي الأحزاب، أثر بالغ وكبير في زيادة التمثيل النسائي وحصولهن على نصيبهن من المناصب القيادية بالقطاعين الحكومي والخاص. وهذا لا ينفي وجود قوى تحررية داخل بعض الأحزاب لها نظرة عصرية عميقة في كافة القضايا، وخاصة قضية المرأة التي تقودها من خلال برامج عقلانية متفهمة لواقعها -وواقع الإسلام يعتبر أنها والرجل سواء أمام كل التكاليف الشرعية والحياتية والسياسية من حيث الأداء والعقوبة- ومنسجمة مع العصر، يغلب عليها البعد الثقافي كمدخل أساسي من اجل التغيير لصالح الأنسنة والمساواة وتجاوز الغنيمة وأيديولوجيا التعنصر ضد المرأة، والبعيد عن منهج تدبير الملفات على "الترضيات" "وتهدئة الخواطر" التي هي السبب الرئيس في بطء الانتقال إلى الديمقراطية، كما هو الحال بالنسبة للكوطا الشبابية غير المبررة في جميع أحوالها والمرفوضة من قبل بعض الفاعلين السياسين، لما يمكن أن يكون لها من تداعيات سلبية على المستقبل السياسي للبلاد، إذ أن تخصيص مقاعد للشباب ضمن اللائحة الوطنية المخصصة للنساء- الغير ديمقراطية في عمقها، ولا تحل المشكل البنيوي المرتبط بما هو ثقافي (النظام البطريركي) المكرس للبنية التصورية النمطية القائمة على دونية المرأة وأفضلية الرجل، ولما شابها من شوائب، كترشيح نسوة مقربة من زعماء وقادة الأحزاب، وفق مبدأ "الأقربون أولى" دون اعتبار لمعيار الكفاءة والمردودية والاستحقاق، إلى جانب فتحها المجال أمام فئات مجتمعية كثيرة للمطالبة بكوطا خاصة بها، كفئة المعاقين، والجالية المغربية المقيمة بالخارج، كما فعل ذلك حزب النهضة والفضيلة في الانتخابات السابقة، حين طالب بكوطا للفقهاء والعلماء، وهي قمة التمييع السياسة الذي يكرس الريع السياسي وينشر الإتكالية ويختزل العمل السياسي في العمل الحزبي، والعمل الحزبي في الانتخابات، وتقصر دور الشباب في القيام بالحملات الانتخابية وتوزيع المناشير، كما يفضح ذلك واقع سياسينا الحالي المريض المرتهن بالكامل للقيم التقليدية المؤسسة لجوهر الفهم والاستيعاب المبني أساسا على الصراع السياسي المحموم من أجل السلطة. أما الحديث عن دفع الكوطا للفئة الشابة للانخراط في العمل السياسي، وتجديد نخب الطبقة السياسية، كغاية معلنة ومصرح بها في ظل واقع هذه الكيانات الحزبية الشائخة، فحديث بلا جدوى لأن الغاية الحقيقية المضمرة والمسكوت عنه لهذا الإجراء ، هي أن المؤسسة الحزبية التقليدية تتخذ الكوطا كوسيلة للتخلص من الشغب الشبابي المفترض أن يثيره هؤلاء داخل أحزابهم، أثناء الاستعدادات لأول انتخابات مبكرة ستجرى يوم 25 نونبر من هذا العام في ظل الدستور الجديد، ولاسيما خلال عملية اختيار المرشحين وتوزيع التزكيات على الشيوخ وأصحاب الشكارة. وعلى الرغم من أن مقترح اللائحة الوطنية المختلطة يبقى من أكبر مكتسبات الحراك الشبابي الذي عرفه المغرب مؤخراً، فعلى المرأة المغربية عامة، والنائبات السابقات اللواتي خضن تجربة اللائحة الوطنية خاصة، أن يتحلين بالوعي والشجاعة، ويربطن قضيتهن بقضية الوطن، بمشاركتهن في اللوائح المحلية ويفسحن الفرصة لأخواتهن الجديدات ليخضن تجربة نظام كوطا التي يجب أن يُحصِنَها من منزلقات الإنزالات العائلية، والقرابات والمصاهرات التي تسئ للديمقراطية- بتوحيد صفوفهن داخل الاتحادات النسائية- كمكسب سياسي يعطي للمرأة دفعة قوية قانونيا وفكريا ونفسيا لتحقيق مكانة سياسية خاصة تكريس حضورهن في المؤسسات، بدل رفضهن الكبير للمادة الخامسة من قانون المحاصصة، الذي يثير أكثر من علامة استفهام حول عدم ترسخ الوعي المطلوب بضرورة اللائحة الوطنية كإجراء انتقالي يهدف للتهيئ لتحقيق مناصفة مستقبلية تمكن المرأة من أن تصبح قوة سياسية، وصوت مسموع ومحترم، كما هو الحال بالنسبة للعديد من الدول التي ابتدعت تقنية الحصص أو الكوطا -منذ عقود خلت- كتدبير مرحلي لتحسين ضعف تمثيلية المرأة في المجالس التشريعية والمحلية، في ظل ما تشهده الساحة الدولية من تطورات على مستوى تعزيز حقوق الإنسان وإقرار الممارسة الديموقراطية. وقد تزايد الإقبال على هذا النظام في السنوات الأخيرة، حيث تؤكد الدراسات والأبحاث المرتبطة بهذا الشأن، أن أزيد من ثمانين دولة اعتمدت هذا النظام على امتداد مناطق مختلفة من العالم، كإفريقيا(جنوب إفريقيا، إريتيريا، غانا، السنغال، رواندا، بوركينا فاسو..) وأمريكا اللاتينية(الأرجنتين، البرازيل، المكسيك..) وأوربا(إسبانيا، بريطانيا، بلجيكا، وفرنسا التي كانت أول الدول التي شرعت نظام الحصة بالمناصفة عبر إصدار القانون رقم 493- 2000 في 6 يونيو من العام 2000م سمي بقانون المناصفة parity law) وآسيا(بنغلادش، باكستان، سريلانكا، الفيلبين، أندونيسيا..). ويجمع الباحثون والمهتمون على أن رغم الجهود المبذولة في شأن تمثيلية المرأة في مجالس التشريعية ومراكز القرار الحيوية على الصعيد العالمي، تظل في حدود 15 نسبة بالمائة، التي لا توازي في تطورها ما حققته المرأة من عطاء وخدمات وما عبرت عنه من كفاءات وإمكانيات في شتى المجالات والميادين، كما تشير بعض الدراسات إلى أن 15 دولة فقط من بين الدول التي اختارت هذا النظام، هي التي استطاعت أن تتجاوز النسبة الحرجة المحددة في 30 بالمائة، وبينما لم تتجاوز 30 دولة نسبة ال20 بالمائة فقط، كما زادت مشاركة النساء علي 15 بالمائة في 45 دولة عن طريق الممارسة الديموقراطية المبنية على تكافؤ الفرص والتباري المباشر مع الرجل، حيث لم تفز المرأة المغربية في اللوائح المحلية خلال الانتخابات التشريعية الخاصة بمجلس النواب لسنة 2002، إلا ب 5 مرشحات، بينما تمكنت من حصد ثلاثين مقعدا بفضل اللائحة الوطنية، ليصبح العدد الإجمالي 35 مقعدا بنسبة 10.8 بالمائة، ما مكن المغرب في احتلال الرتبة 71 على الصعيد العالمي من حيث تمثيل النساء في البرلمان الذي ظلت تمثيليتهن فيه محدودة وهزيلة، حيث لم تلجه إلا نائبتين سنة 1993 رغم تأكيد دستور 1962 الذي صدر بعد الاستقلال، في فصله الثامن على أن: "الرجل والمرأة متساويان في التمتع بالحقوق السياسية، إلا أن واقع الحال أثبت بأن هذه المساواة تم اختزالها ميدانيا في حق التصويت فقظ..