1 - الرؤية العقلانية .. بدل الشعبوية التهييجية : في آخر مقال لنا و قبل الإعلان الرسمي عن الوثيقة النهائية للدستور الجديد ، صرحنا بوضوح ، بضرورة التحلي بالحكمة و الموضوعية ، و أن ننتظر حتى نتعرف على فصول و أصول هذه الوثيقة الوطنية الأسمى ، و بعد ذلك يمكن لكل متتبع غيور على هذا الوطن الذي يسككننا جميعا ، أن يتقدم برأيه و اقتراحاته ، بكل تجرد و حيادية إيجابية ، بعيدا عن الاستعداد القبلي الأعمى و الرفض الأبله لكل ما يصدر عن الآخر . و الواقع أنني انتظرت " أ كثر من اللازم " لأتابع ردود الفعل الوطنية و الدولية حول خطاب الملك ( 17 – 06 – 2011 ) و الدستور الجديد . و قد أسعفتني هذه اللحظة من المتابعة الجادة لكل ما يصدر من تصورات حول الموضوع المعني بالأمر ، في الخروج بخلاصة مؤلمة مفادها ؛ أن الإشكال الذي نعاني منه في وطننا العزيز و خاصة بالنسبة لبعض الإعلاميين " النجباء " ، يكمن في الاندفاع الوجداني و " المقاربة " الشعبوية التهييجية للقضايا المصيرية للأمة ! و الحال أن المطلوب هو التسلح بالرؤية العقلانية و التحليل النقدي و العلمي ، و استحضار السياق الإقليمي و الدولي ، و مدى قدرة نسق النظام السياسي المغربي على الخروج سالما في هذه اللحظة التاريخية المحرقية . و لم ندع إطلاقا إلى التوسل بعين الرضي عن كل عيب ، و لا بعين السخط التي لاترى إلا " المساوئ " ، بل كان و سيظل مبتغانا الوجودي هو الدعوة للتأسيس لمرحلة أنضج : التحليل العقلاني – النقدي لقضايا العالم العربي و الأمة المغربية ، لمواجهة العقل المستقيل المبرمج على الرفض و القبول الآليين . 2 - تحاور حصيف بين الملك و الشعب : و الواقع أن المملكة المغربية تعيش وضعا استثنائيا بكل المقاييس ؛ فبقد ما أنها تواجه مطالب شريحة من المجتمع المغربي ، و على الخصوص الشباب غير المنضوين في الهياكل السياسية ، و المتمكنين من " ثقافة " التواصل الافتراضي – الإلكتروني ، بقدر ما أنها تتحاور مع مكونات المجتمع المغربي و بنيته التعددية . و ما من شك في أن مختلف الشعارات و التطلعات التي يرنو إليها هؤلاء الشباب ، و الداعية إلى محاربة الفساد و إسقاط ركائزه ، هي مطالب مشروعة ، و يكاد يجمع عليها الفرقاء و الفاعلون في الحقل السياسي و الإعلامي و الثقافي .. و لا أدل على ذلك المبادرة الملكية الذكية التي تجلت بوضوح في خطاب 9 – 3 – 2011 ، إذ تم الإعلان و بلغة تقريرية بالغة الوضوح عن حزمة من الإصلاحات السياسية و الدستورية و الترابية .. العميقة ، التي حظيت بتقدير ملفت من قبل القوى الدولية و الوطنية . مما أدى إلى إعادة الاعتبار للدينامكية السياسة عبر النقاش المفتوح حول راهن البلد و مستقبله بدون أية طابوهات ، فتم الإنصات إلى أصحاب " الموالاة " و أصحاب " الممانعة " ، كل ذلك و الشوارع المغربية تعرف مسيرات احتجاجية حضارية قل نظيرها في البلدان العربية الأخرى ، ليكون الرد مرة أخرى من قبل العاهل المغربي الملك محمد السادس ، عبر أهم خطاب في تاريخ المغرب الحديث ( 17 – 060- 2011 ) حيث تم الوفاء و الالتزام المطلقين بالعهود المعبر عنها سابقا ، و بالخصوص الإعلان الرسمي عن الوثيقة الأسمى للوطن ؛ الدستور الجديد ، الذي صيغ و لأول مرة من قبل مغاربة و لكل المغاربة . فهل وافق الدستور الذي سيصوت عليه الشعب المغربي في فاتح يوليو المقبل أفق انتظار أنصار التغيير؟ 3 - دستور يتماهى مع اللحظة المغربية المخصوصة : يمكن القول دون الخوف من السقوط في المبالغة انه ليس هناك دستور في العالم يحظى بمقبولية كل هيئات المجتمع و أطيافه ، لذلك تتسم دساتير أرقى الدول ديمقراطية بالتوافق كما هو في علم المبتدئين في عالم الساسة . و إذا استثنينا ثالوث العدم في المملكة المغربية : الجماعة الدينية المسماة ب " العدل و الإحسان " التي تحلم بنموذج مجتمعي يتعارض و تطلعات الشعب المغربي ، و منطق القرن الواحد و العشرين ، و الحزب اليساري المجهري " النهج الديمقراطي ّ الذي يتحدى المشاعر المغربية في الدفاع عن أطروحة العدو الانفصالية ، و التقوقع في شرنقة أجواء الحرب الكونية الباردة ، و الجمعية " المغربية" لحقوق الإنسان المدافعة بشراسة عن حق تقرير المصير ل " شعبها الصحراوي " ، قلت إذا استثنينا هذا المثلث العدمي ، فإننا يمكن أن نتحاور و نختلف في عدد غير قليل من الفصول و المواد التي تستدعي التوقف ، فالدستور في المحصلة الأخيرة ليس كتابا منزلا بقدر ما انه اجتهاد بشري يروم أجرأة الحياة العامة و ماسستها ، و إقامة تنظيمات ديمقراطية لتحقيق إقلاع تاريخي و تنموي يلبي طموحات أراد الشعب . و بالعودة إلى نص الدستور و التأمل في مضامينه يمكن القول بأن إضافات نوعية ألحقت بالفاعلية السياسية ببلادنا ، على رأسها دسترة مختلف حقوق الإنسان و ضمان ممارستها كما هو متعارف عليها دوليا ، و الولادة الديمقراطية للسلطة التنفيذية على أن يكون رئيس الحكومة هو القائد الفعلي ، و ترسيخ السلطة القضائية المستقلة ، و دسترة مغرب الجهات في إطار الوحدة الترابية ، و التأكيد على ميكانيزمات الحكامة الجيدة و تخليق الحياة العامة و محاربة الفساد .. قد لا تلبي هذه التغييرات الجوهرية كل التطلعات و الانتظارات ، غير أنها تطابق مستلزمات اللحظة المغربية في سياق دولي قلق ، و جوار جغرافي عدائي قل نظيره في العالم ، و نخب سياسية مترهلة و متجاوزة ! فلتكن الثورة المغربية الخضراء نموذجا للبلدان العربية و العالم ثاليثية في النجابة السياسية ، و الإنصات إلى نبض الشارع و التحاور الإيجابي مع المواطنين ، بدل انتهاج " سياسة " الأرض المحروقة و الدفع بالبلاد و العباد إلى المجهول و الدمار .. دار دار !! * باحث في قضايا الفكر و السياسة