الثورات العربية حراك شعبي من أجل التغيير وضبط خارجي لإعادة بنية الاقتصاديات العربية لتجاوز الأزمة المالية العالمية مراكش والمغرب في قلب السياسة العالمية ومعترك لها يعتبر الموقع الجيواستراتيجي للمغرب عاملا مؤثرا وفاعلا أساسيا في تحديد مختلف توجهاته واختياراته السياسية والاقتصادية، لما يمكن أن يحدثه أي تغيير في هذه السياسات من تأثير على دول الجوار وسياساتها وخاصة الأوربية منها على وجه التحديد، ويزداد الأمر أهمية بالنظر إلى إشراف المغرب على الضفة الجنوبية لمضيق جبل طارق وقربه من إسبانيا، التي لسرعان ما تتأثر سلبا بكل أعطاب الواقع المغربي، ولا أدل على ذلك سوى تأثر الجارة الشمالية بموجات الهجرة السرية وتهريب المخدرات انطلاقا من التراب المغربي وهي ظاهرة لا تقتصر فقط على أضرارها الاقتصادية ولكنها تمتد لتكشف عن خيوط أخرى مرتبطة بها مثل ظاهرة الفساد السياسي التي يشترك فيها المغرب وإسبانيا على حد سواء مع حفظ الفارق طبعا، وليس أبعد من فضيحة الراحل خيسوس خيل رئيس بلدية ماربيا، التي كشفت عن رشا وفساد مستفحل في الطبقة السياسية في إسبانيا، نفس الأمر ينطبق على ظاهرتي تبييض الأموال والإرهاب اللتين تشترك في المعاناة من ويلاتهما أيضا كل من الجارتين، ينضاف إلى ما سبق ما حدث مؤخرا من انتقال رياح التغيير والإصلاح العربي إلى أوربا عبر البوابة الإسبانية الأقرب إلى الجنوب. كل ذلك يدفع بالتأكيد بعدد من الدول الخارجية إلى محاولة فرض تأثيراتها وضغوطها على اختيارات المغرب في مواجهة حركات الإصلاح والتغيير الديموقراطي، بل ومحاولة محاصرة هذه الحركات تفاديا لأي انبهار مستقبلي بها لدى الشارع الغربي. ووفق أجواء التأثير والتأثر للسياسات الوطنية بالمغرب، وارتهانها بعدد من الخيارات الإقليمية ذات الارتباط أساسا بالسياسات الأمريكية والأوربية في المنطقة. في هذا السياق يؤكد اختيار مدينة مراكش لاحتضان مباراة المغرب والجزائر، مجددا كون المدينة كانت ولازالت في قلب السياسة الوطنية والدولية. وقد يكون مناسبا القول بأن المباراة لم تخل من جانبها السياسي برغم غلبة طابعها الرياضي. لكن الهزيمة الثقيلة للمنتخب الجزائري الشقيق بيوم السبت الماضي لا تخلو بالتأكيد من سياق سياسي تحاول الجماهير إقحامه فيه عنوة بالرغم من عدم توفر شروطه. مراكش التي كانت مؤخرا محط استهداف من طرف الإرهاب من خلال تفجير مقهى أركانة، والذي خلف عددا من الضحايا من عدة دول غربية أبرزها فرنسا، لذلك فإن الرد الدولي لم يأت متأخرا من خلال قتل بن لادن في العقب وبعدها بحوالي أسبوعين. وإذا كان توقيت تفجيرات أركانة قد تحكمت فيه جهات اعتبرها البعض محاولة لتعطيل مسلسل الإصلاح بالمغرب أو أنها جهات ناقمة على وحدته وأسسه التي انبنى عليها. فإن قتل بن لادن يوحي بشكل مباشر بأنه ليس سوى غضبة أمريكية ودولية بسبب استهداف مراكش وما تحمله من أهمية دولية عالمية بالنظر إلى طبيعتها ورمزيتها الاستراتيجية في الاهتمامات الدولية. وإلا يمكن التساؤل لماذا لم تبادر الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى قتل بن لادن من قبل هذا التوقيت برغم تمكنها من تحديد موقع بن لادن مدة ليست باليسيرة من قبل. مراكش التي كانت محضن ولادة المنظمة العالمية للتجارة OMC ** سنة 1994، ومن تم محطة للتأسيس لتفاهم اقتصادي دولي لوضع ضوابط اقتصادية جديدة للتجارة العالمية والعلاقات الدولية في هذا المجال. ومراكش أيضا كانت حلقة من بين حلقات مسلسل فضائح النخبة السياسية الفرنسية وبخاصة منها اليسار الاشتراكي، وذلك من خلال ما أثاره الوزير الفرنسي السابق جان لوك من تورط وزير سابق في الحكومة الفرنسية في قضية ممارسة جنسية مرتبطة بالأطفال القاصرين بمراكش، بل وتأكيد الوزير الفرنسي على أن الوزير المعني قد تعرضه للضبط متلبسا بجرمه قبل أن يتم التستر على القضية عبر تدخلات عليا. مراكش الرياضية والاقتصادية والسياسية ومحط الفضائح الجنسية. كل ذلك أردنا من خلاله أن نوطئ لقناعة مفادها أن اختيارات المغرب الكبرى لا يمكن أن تتم بمعزل عن إرادة الفاعلين الدوليين الكبار. وهو موقف يحيلنا بالطبع للتساؤل عن موقف هؤلاء الفاعلين من حركة المطالب بالإصلاح والتغيير في المغرب، وكذلك عن طبيعة اختيارات السياسات العمومية في المغرب. بالتأكيد فإنه لا يمكن فصل حركة التغيير والإصلاح الجارية بالمغرب عن التغيرات الحاصلة إقليميا بالمنطقة العربية، وبعيدا عن العواطف الجارفة والانبهار بمسار الثورات العربية التي لاشك أنها تستحوذ على اهتمام المتتبع العربي وتثير مشاعر تعاطفه، فإنه بالإمكان أن نقدم أحد القراءات المتعلقة بهذا الموضوع والتي لاشك لا تختلف عن عدد من التحليلات المتشائمة التي قدمها عدد من المتتبعين للشأن السياسي الإقليمي. وإذا كان النموذج المراكشي يجعلنا نسلم بصعوبة فصل الإرادة الوطنية عن الإرادة الدولية للفاعلين السياسيين الدوليين، فإن واقع الثورات العربية يمكن اعتباره حركة شعبية حرة مستقلة أو مستثارة في بعض الأحيان، تبقى خاضعة في المجمل لمقومات الضبط الأجنبي الذي يستغل أدوات التغيير المحلية لإعادة تشكيل البنية الاقتصادية لعدد من الدول العربية وبخاصة منها ذات الاقتصاديات الاحتكارية، وذلك خدمة لاقتصاديات الدول الغربية الكبرى التي تتطلع إلى أسواق اقتصادية عربية جديدة وفق منطق جديد يتجاوز حواجز احتكارات الأسر الحاكمة، وذلك من أجل تشكيل اقتصاديات جديدة أكثر تنافسية لكن بنفس مظاهر التحكم السياسي مع تخفيف وطأته بالطبع. كل ذلك قد يعد أحد السيناريوهات الأبشع صورة لتجاوز الأزمة المالية العالمية من الخارج، بعد أن فشلت كل حلول الداخل لدى الدول الغربية لتجاوز هذه الأزمة التي يبدو أنها مزمنة، مثلما فشلت أيضا في استجداء الدول البترولية الكبرى ومطالبتها بإنقاذ اقتصاديات الدول الغربية من الانهيار. وقد يذكرنا هذا الذي يحدث حاليا من حراك وتطاحن يعد الاقتصاد أحد خلفياته ومظاهره، بما لجأت إليه الدول الاقتصادية الكبرى إبان تطور الاقتصاد الكلاسيكي من حروب وتدافع لأجل إعادة تشكيل بنية الاقتصاد العالمي. ولعل أبرز هذه الأنظمة الاحتكارية الاقتصادية العربية النظام التونسي الذي وصل حد الاختناق بعد سيطرة عائلة آل الطرابلسي عائلة زوجة الرئيس بن علي على جميع منافذه، وهو ذات الأمر الحاصل بليبيا التي ضاقت درعا من تنفذ عائلة القذافي في كل مجالات الاقتصاد الليبي. ومصر لم تكن هي الأخرى استثناء عن هذه القاعدة فآل مبارك الذين قاموا بمص دم الشعب المصري وتجويعه ردحا من الزمن، قد ناءت بأموالهم المنهوبة عدد من الأبناك المصرية والأجنبية. أما اقتصاد اليمن وإن كان لا يعرف نفس البنية الاقتصادية الاحتكارية، فإنه بالمقابل اقتصاد تقليدي لم يستوعب بعد ثقافة الاستهلاك ولازال بعيد المنأى عن نفوذ أكبر تتطلع إليه الشركات الأجنبية في مجال فتح أسواق جديدة للاستهلاك. نفس الأمر ينطبق على سوريا ودول أخرى كذلك ... ولعل ما يؤيد هذا السيناريو هو استمرار الحرس القديم على رأس هرم السلطة السياسية وذلك بعد انتهاء أو قيام عدد من الثورات العربية، بكل من مصر وتونس وليبيا (قايد السبسي رئيس الجكومة التونسية الحالي هو وزير سابق)، لذلك فإن تأخير نجاح الثورة هنا أو هناك لن يكون سوى حرب جديدة للمواقع الاقتصادية بين الأقطاب الاقتصادية الكبرى وبخاصة منها الصين وروسيا اللتين تسعيان للدفاع عن مواقعهما الاقتصادية وبخاصة مع حليفيهما الأساسيين كل من ليبيا وروسيا، وذلك في مقابل رغبة شديدة من الغرب لإعادة بناء قواعد جديدة لاقتصاد المنطقة العربية. وقد يتساءل المرء بكل موضوعية عن موقع المغرب من معادلة الإصلاح والتغيير بالمنطقة. والحال أن حركة الإصلاح في المغرب سواء حركة 20 فبراير أو نداء الإصلاح الديمقراطي قد رفعوا جميعا من بين مطالبهم الإصلاح الاقتصادي بالإضافة إلى مطالب أخرى ذات طبيعة سياسية واجتماعية. ولعل أبرز شعار ما ردده الشارع كثيرا من خلال المناداة بإسقاط منير الماجدي الذي يمسك بخيوط السياسة والاقتصاد والرياضة والإعلام. وهكذا فقد نصت وثيقة نداء الإصلاح الديموقراطي في بندها السادس على ضرورة تعزيز الإصلاحات الدستورية والسياسية بإصلاحات في المجال الاقتصادي والاجتماعي تقطع مع الاحتكار وتنهي كل مظاهر استغلال النفوذ لكسب الثروة وتتصدى لاقتصاد الريع وتعمل على إقرار التنافسية والشفافية وبناء مقاولة وطنية عصرية ومواطنة، وخلق مناخ جدي للأعمال والاقتصاد وبناء تعاقد بين الفرقاء في الحقل الاجتماعي والاقتصادي يؤسس لسلم اجتماعي حقيقي ويستجيب للمطالب المشروعة لمختلف فئات المجتمع ويحقق العدالة بين الأفراد والفئات والجهات. إن مطالب الإصلاح الاقتصادي بالمغرب وإن كانت تترصدها جهات دولية بعينها سئمت غياب منافسة حقيقة في الاقتصاد الوطني، بل وتفرضها اتفاقيات أساسية للمغرب أهمها الوضع المتقدم الذي حازه في علاقته بالاتحاد الأوربي وما يفرضه ذلك من التزام وشرط أساسي بتكييف منظومته القانونية والاقتصادية والحقوقية وتأهيلها لواقع الاندماج في الاتحاد الأوربي. وبرغم وجود هذه المطالب الاقتصادية الخارجية فإنها تظل مطالب شعبية أصيلة يدرك المغاربة مدى الحاجة إليها لمنع مزيد من صرف أموال صندوق المقاصة في غير محلها، ووقف التعامل وفقا لاقتصاد الريع، وكذلك فتح آفاق جديدة للمنافسة الاقتصادية. وإذا كان مهرجان موازين الذي أبى إلا الاستمرار في وجه مطالب شعبية نادت بإسقاطه، مطالب لم تقتصر فقط على واقع الحركات الاحتجاجية التي صدحت بالقول "وما بغيناشي شاكيرا رخصونا فالكوميرا" وشعار "الشعب يريد إسقاط موازين" "فلوس الشعب فين مشات فموازين والحفلات"، جميعها مطالب تستهدف كسر احتكار اقتصادي مارسه الماجدي نموذج اللوحات الإشهارية على سبيل المثال، وشركة مغرب الثقافات المنظمة لمهرجان موازين، وكذلك القطع مع تطبيق النظرية البرلسكونية بالمغرب القائمة على احتكار السياسة والاقتصاد والإعلام، والتي أسقطتها بإيطاليا أياد مغربية. وإذا كانت مطالب الإصلاح بالمغرب قد فشلت في إسقاط موازين والشجرة الاقتصادية التي تأويه، فإن شاكيرا لم تسقط هي الأخرى، واستطاعت إلى جانب رفيقها في النضال في شريط زنكة زنكة أن تتجاوزا مطالب الرحيل التي ظلت تلاحقها في الشارع المغربي، تماما مثلما لازال العقيد القذافي يقاوم مطالب التغيير ببلده. حقيقة فإن رسالة المغرب كانت واضحة من خلال الإقبال على إصلاحات سياسية جريئة وشجاعة كما جاء به الخطاب الملكي بتاريخ 9 مارس، ونفس الأمر قد ينطبق على الجانب الاجتماعي من خلال توقيع الحكومة وكذا مجموعة من القطاعات الوزارية على عدد من الاتفاقات الاجتماعية التي لازالت تواجه مطالب حقيقة في الشارع المغربي. إلا أن مسار الإصلاح الاقتصادي وهو المقصود كما يبدو من عملية التغيير الإقليمية هذه لازال يعرف نوعا من التعثر، ربما يكون بسبب كون طبيعة المطالب الاقتصادية مطالب نخبوية تحركها في الغالب جهات اقتصادية داخلية أو أجنبية، لكن الحقيقة الواضحة للعيان أن المغرب ربما هو مقبل على إصلاحات دستورية مهمة يتطلب تعزيزها اعتماد إصلاحات سياسية حقيقية يصاحبها تنفيذ كل الاتفاقات الاجتماعية في أقرب الآجال. إلا أن إصلاح الاقتصاد ربما يبدو أنه يشهد بعض المبادرات الشكلية التي لم تغير من معالمه الحالية التي تجعل منه اقتصادا على المقاس الأوربي والغربي والذي قد لا تستوعب بنيته أية رجة لما سيكون لذلك من تأثيرات على الاقتصاديات المرتبطة به، لذلك فإن تعزيز ربطه بمنظومة اقتصادية أكثر متانة مثل المنظومة الخليجية لن يكون إلا في خدمة الاقتصاديات الغربية. وهكذا عرف المغرب عددا من المبادرات الاقتصادية نابعة كلها من مبادرات ملكية انطلقت بتعيين أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وتعيين رئيس جديد لمجلس المنافسة في الوقت الذي يبقى فيه الرهان على تعديل القانون الأساسي للمجلس الذي تم إنشاؤه قبل ثمان سنوات خيارا لازال مطروحا في المستقبل ليستمر المجلس بأعطابه الحالية إلى حين تحقيق مرور سلس للمجلس من دوره الاستشاري إلى الدور التقريري، وذلك للالتحاق بالركب الدولي في ما يتعلق بقضايا المنافسة، والوفاء بالتزامات دولية للمغرب خصوصا مع الاتحاد الأوروبي. أما في باب التخليق الاقتصادي فقد عرف المغرب تعيينا جديدا لرئيس الهيأة المركزية للوقاية من الرشوة *، وأخيرا ترؤس الوزير الأول بتاريخ 19 ماي 2011م اجتماعا للجنة الوطنية المكلفة بمناخ الأعمال والتي تم إحداثها سنة 2009، خصص للوقوف على حصيلة عمل اللجنة برسم سنة 2010 ودراسة مخطط عملها الجديد. بحيث يتعلق الأمر بأول اجتماع لهذه اللجنة ذات الطابع التقريري والتي تمت مأسستها سنة 2010 بموجب مرسوم، والمكونة من القطاعين العام والخاص، وقد تم وضع كافة التدابير المعتمدة بتشاور تام مع القطاع الخاص. وقد تبنت اللجنة في إطار مخطط عملها أربعة محاور رئيسية تستهدف تعزيز الاقتصاد الوطني ومناخ الأعمال، تتمثل هذه المحاور الأربعة في تبسيط وتعزيز شفافية المساطر الإدارية، من خلال تدابير ترمي إلى توحيد ونشر كل الإجراءات الإدارية المتعلقة بالمقاولات، وتسهيل تأسيسها وتبادل المعلومات بين الإدارات حول المقاولات ووضع آلية للحماية من تعسف الإدارة.وكذلك اتخاذ عدد من التدابير للوقاية من الرشوة. وقد دعا رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب محمد حوراني بهذه المناسبة إلى تسريع وتيرة الإصلاحات الجارية بالمغرب بهدف تحسين مناخ الأعمال. وفي إطار الشق المتعلق بالجيل الجديد من الإصلاحات فإن اللجنة الوطنية المكلفة بمناخ الأعمال ستنكب على معالجة وإصلاح قانون المنافسة، والمساهمة في تخليق الحياة الاقتصادية وخاصة من خلال المساهمة بشكل فعال في تأسيس الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة وبوابتها الإلكترونية. ولا ينبغي الاعتقاد أبدا بأن إجراء إصلاحات مفصلية في الاقتصاد الوطني ينبغي أن يتجه بالأساس نحو تلبية مطالب الفاعلين الاقتصاديين الدوليين والوطنيين ولكنه يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الأهمية القصوى التي يحظى بها الاقتصاد الاجتماعي والسياسات الاجتماعية ومدى ارتباطهما بحالة الاستقرار الاجتماعي للوطن والمواطن. مطلب سعت ويجب أن تسعى إليه الحكومة أكثر من أي وقت مضى من خلال تعزيز الدور الاجتماعي للمالية العمومية، وكذلك من خلال ما يجب أن يحظى به هذا المطلب ضمن اهتمامات المقاولة المغربية. وكذلك من خلال وضع آليات تشريعية وقانونية واضحة للتمييز بين حدود السلطة والمال، وحدود السياسة والسياسيين ومجال المال والأعمال، قد تساهم في تجنب مظاهر الفساد السياسي مستقبلا وكذلك التخفيف من وطأة اللوبيات الاقتصادية في البرلمان المغربي. في هذا السياق يأتي كلام السيد محمد حوراني رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب في إطار الندوة الوطنية التي نظمها المركز الأبحاث القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالدار البيضاء بتاريخ 1يونيو 2011م والتي أكد من خلالها على أن "رؤية 2020" للاتحاد تمثل خارطة طريق تمكن المقاولة المغربية من المشاركة الفعالة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمملكة. وأضاف حوراني، أن هذه الرؤية تقوم على مقاربة ساهم في صياغتها مختلف شركاء القطاع الخاص، من خلال اقتراح تصور عن الاقتصاد المغربي في أفق عام 2020 عبر نموذج للتنمية وأهداف ماكرو اقتصادية يتعين تحقيقها من وجهة نظر القطاع الخاص. أما الأوراش الوطنية التي ينبغي تدعيمها في العشرية 2011- 2020، فتتعلق -حسب السيد حوراني- بتعزيز تنافسية المقاولات وخفض تكاليف الإنتاج، وتوفير تعليم وتكوين ملائمين، وتشجيع الابتكار وانتشار التكنولوجيات الحديثة للإعلام والاتصال، وتهيئة إطار ملائم للعدالة ومناخ الأعمال، وتحفيز الاستثمار والادخار والتمويل، وتعزيز التنمية المستدامة وروح المسؤولية الاجتماعية. لكن حفاظ النظام الاقتصادي المغربي على وضعه السابق الذي يغلب عليه طابع اقتصاد الريع والاقتصاد غير المهيكل ربما شكل موضع قلق كبير بالنسبة لعدد من السفارات الأجنبية بالمغرب كما تسرب في أحد الجرائد الوطنية ، خاصة بعد أن تيقنت هذه الجهات أن حركة التغيير والإصلاح في المغرب قد توقفت عند حجرة الاقتصاد الصماء. وأن هذا القلق ربما يتعزز بشكل أكبر لدى الاقتصاديين المغاربة خاصة بعد ما تسرب في أحد الصحف كذلك عن وزير السياحة المغربي السابق عادل الدويري حول حملة للمراجعة الضريبية في حق أصحاب الشركات الذي ناصروا حركة الاحتجاج بالشارع المغربي. قلق لم يعد قاصرا على السفارات الأجنبية بالمغرب أو أصحاب الشركات أنفسهم، بل إنه أصبح من شواغل عدد من زبناء أحد مقاولات البناء الكبرى في المغرب والتابعة لميلود الشعبي، حيث أن الأخير كان أحد الوجوه الاقتصادية البارزة التي نزلت إلى الشارع لدعم حركة 20 فبراير بعدما تأخرت كثيرا في الزمن لترفع عددا من مطالبه القديمة بخصوص الإصلاح الاقتصادي. زبناء هذه الشركة بطنجة وهم بالآلاف ممن اقتنوا عدد من السكنات بعدد من عماراتها قد ملوا كثيرا الانتظار لأكثر من أربع سنوات في انتظار جاهزية السكن وفك عقدة البيروقراطية الإدارية التي يروج الحديث بشدة أنها سيف عقابي يتم تسليطه في وجه كل مطالب بالإصلاح الاقتصادي، ويذهب ضحيته عدد كبير من جدا من الموظفين بطنجة ومن بينهم أفراد كثر من أسرة التعليم بطنجة . وعموما فإن الجواب عن السؤال الأول الذي طرح في بداية المقال يجعلنا ننظر باحتياط شديد إلى أفق لتغييرات والإصلاحات الإقليمية الجارية، وأنها لا تتم بمعزل عن إرادة الفاعل الدولي في مجال الاقتصاد وإرادته الضبطية، هذا الأخير الذي لا شك يتطلع إلى انفتاح اقتصادي عربي أكبر يفك من عسرته المالية والاقتصادية من دون تقديم تنازلات سياسية كبيرة في مقابل ذلك. ولا شك أن الدعم الدولي الذي حظي به المغرب مؤخرا سواء من خلال إشادة رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية باراك أوباما بالإصلاحات السياسية التي أقدم عليها المغرب، أو من خلال الموقع الجديد للسياسة الخارجية للمغرب ورهان قطب الدول الأعضاء في الاتحاد من أجل المتوسط على استقرار المغرب ودوام اختياراته الحالية، وقد تبين ذلك بالملموس من خلال تصويت تلك الدول بالإجماع على السيد يوسف العمراني ( الكاتب العام لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون المغربية ) بتاريخ 25 ماي الماضي أمينا عاما للاتحاد من أجل المتوسط. إلا أن هذه الرهانات والارتباطات الدولية للسياسة المغربية بالخارج ألا تجعل اختيارات السياسات العمومية الوطنية متصلة ليس فقط بالمشروع الحداثي الذي تراهن عليه الدولة المغربية كسبيل لتحقيق اندماج أفضل ضمن منظومة المجتمع الدولي والأوربي منه على وجه الخصوص، حتى أنه قد أصبح أي اختلاف مع هذا المشروع المستند إلى اختيارات فوقية وليست توافقية نوعا من الردة السياسية على ثابت من الثوابت الوطنية غير المنصوص عليها في الدستور الحالي، وأن معاداة الحزب الذي يحمل هذا المشروع في وقت سابق تهمة قد تستوجب الاعتقال أو التضييق. . وبغض النظر عن طبيعة هذا المشروع وكنهه ومدى ارتباطه الوثيق بتحديد أولويات السياسات العمومية بالمغرب، فإن مستقبل تطبيق هذا المشروع تحمل نوعا من القلق بخصوص مستقبل الأحزاب التي لا تدور في فلكه، وكونه يحمل تناقضات خطيرة متعلقة بمدى قدرته على ضمان منطق الاختلاف وحرية الممارسة السياسية والديمقراطية الحقيقية. لذلك فإن استيعابه لتجربة حزب ذي مرجعية إسلامية لازال يواجه صعوبات جمة في مواجهة رغبات إقصائية سابقة، كما أن مشروع الحداثة لازال يقاوم بعنف كل محاولات لتوسيع التمثيل السياسي ليشمل مكونات أخرى من التيار الإسلامي. لذلك نجد رغبته معدومة في الحوار والتفاهم معها وهو ما يبدو أنه قد التقى مع رغبة أكيدة من الطرف الآخر في اعتماد خيار تصعيدي وحيد هو خيار التغيير الراديكالي. إن فصل حركة التغيير والإصلاح بالمغرب عن محيطها الدولي ربما يقدم تحليلا ناقصا وغير متماسك عن مستقبل الوضع في المغرب، لكن استحضار واقع التفاعلات السياسية الدولية قد يقدم لنا عددا من الإجابات عن الواقع المغربي ، ومن ضمنه إيجاد بعض الدوافع التي جعلت الحرس القديم بالمغرب يتحرك من أجل قمع عدد من الحركات الاحتجاجية وتكسير عظامها والعودة بنا سنوات طويلة إلى الوراء، وذلك بسبب ما قد يعتبره بعض مناصري المشروع الحداثي بالمغرب من صعوبة لاستيعاب الواقع المغربي ومن خلال موقعه الجيواستراتيجي لفاعلين راديكاليين جدد في المشهد السياسي المغربي سواء من قطب اليمين أو اليسار، يعيدون ترتيب أولويات السياسة والاقتصاد بالمغرب، ويربك عددا من حسابات الداخل والخارج. وعموما فإن ما تسعى إليه بعض الجهات من دسترة حقيقية لمبادئ الحداثة قد تشكل في جانب منها خطرا على المرجعية الإسلامية الأساسية في تحديد الهوية المغربية ومكون أساس في الوحدة الوطنية. لذلك لم يكن مستغربا أن تتحرك عدد من الجهات الفاعلة بالمغرب ومن ضمنها حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح لتحصين هذه المرجعية إيمانا منها بمحوريتها في تحقيق الانتماء الحضاري للمغاربة، ولكونها أيضا أحد مقومات التوافق والوحدة والوطنية، بل إنها أيضا سبب وجودي لهذه الهيئات المذكورة التي قد تواجه مجددا مخاطر الاستئصال في حال حدوث أي تراجعات في الدستور المقبل في مجال المرجعية الدينية والحقوقية والديموقراطية . وأخيرا فإن الاعتراف بوجود إكراهات لميكانيزمات للضبط الخارجي والتحكم في مسارات حركات الإصلاح والتغيير العربي، لا ينبغي أن يدفعنا لليأس والقول بأن هذه الحركات هي مجرد مسرحيات محبوكة الإخراج، ولكنها حركات وطنية أصيلة فاعلة ومؤثرة في التغيير والإصلاح الحاصل ببلدنا، وتعبر عن وعي حضاري متميز بلغته المجتمعات العربية حاليا، ولا يمكن حصره فقط في مطالب الشارع ولا في تعداد المتظاهرين، ولكنها مرحلة يجب أن تدرك السلطة الحاكمة وكل أفراد المجتمع بأنهم معنيون بها جميعا لتحقيق انتقال سلس نحو ديموقراطية حقيقية ومجتمع بدون رشوة أو فساد، لاشك أنه يعتمد في نموذجه المغربي خيارا أمثل في الاعتدال والوسطية في سبيل تحقيق أهداف الإصلاح والتغيير. * أحدثت الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة في 13 مارس 2007، والتي تعود جذورها إلى الاتفاقية التي وقعها المغرب مع الأممالمتحدة لمكافحة الفساد في 9 دجنبر 2003، وتم التصديق عليها يوم 9 ماي 2007م وقد أنيط بالهيئة، في بداية الأمر، مهمة استشارية من خلال تنسيق سياسات الوقاية من الرشوة والإشراف عليها والسهر على تتبع تنفيذها وجمع ونشر المعلومات في هذا المجال، والقيام بدراسات حول ظاهرة الرشوة، والقيام بأعمال تحسيسية وتواصلية، واقتراح التدابير اللازم اتخاذها للتقليص من ظاهرة الرشوة في المجتمع المغربي. إلا أن الاختصاصات التي خولت للهيأة والآليات القانونية التي وضعت رهن إشارتها لم تكن كفيلة بتشييد منظومة وطنية حقيقية للنزاهة، ومواكبة للإصلاحات الدستورية والسياسية الاقتصادية التي يشهدها المغرب، وقد صدرت تعليمات ملكية عليا للحكومة قصد إعادة النظر في الإطار التشريعي المنظم لهذه للهيأة، في اتجاه توسيع اختصاصاتها وتقوية طرق عملها. ** بادر عدد من الدبلوماسيين والسياسيون من دول مختلفة شهر يناير من سنة 1948م إلى التوقيع على الاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية والتجارة التي أصبحت تعرف فيما بعد بمنظمة ال GATT( اتفاقية الجات Trade & General Agreement on Tariffs )، وأسسوا بذلك منظمة متعددة الأطراف وضعت القواعد التي تحكم التجارة الدولية. الاتفاقية العامة للتعرفة والتجارة كانت حينئذ تطوراً فريداً وخطة جذرية بالنظر إلى أن عمليات التبادل التجاري كانت تجري وفقاً لاعتبارات المصالح الوطنية للدول. لكنه وفي العام 1994م انقضى عمر المنظمة لتحل محلها المنظمة العالمية للتجارةOrganisation Mondial du Commerce OMC بموجب اتفاقية مراكش، ودخلت حيز التطبيق يوم فاتح يناير من سنة 1995، ويوجد مقر المنظمة بجنيف في سويسرا. وقد ضمت في البداية 123 دولة عضواً قبل أن يصل إلى حدود 142 عضوا سنة 2001 بعد انضمام دولة مولدوفا، وتقوم الدول الأعضاء مجتمعة ب 90 في المئة من حركة التبادل التجاري الدولي. وكان الهدف من إنشاء منظمة الاتفاقية العامة للتعرفة والتجارة خلق مناخ للتجارة الدولية يسوده الانسجام وقائم على المنافسة الشريفة وتكافؤ الفرص.