عجيب هذا الزمان الذي عاد فيه عمال بعض الأقاليم كسلطة آلهة اليونان والرومان وأرباب شعوب من جديد حيث اتضح لدينا اليوم كما في السابق آلهة ليسوا في السماء السبع بل يمشون على الأرض , وكل يحكم في دائرة نفوذه كيفما يبغي ويشاء بل يصف نفسه مالكا وملكا, وحتى دواوينهم اختاروا لهم أسماء وصفات , و أنصارهم والمهرجين لهم يثنون عليهم بصفات لم يسمعها غيرنا, وحتى آلهة اليونان والرومان أضحوا خجولين مستصغرين وهوامش قياسا مع صفات وثنايا بعض عمالنا على الأقاليم في الوقت الراهن , ففي الوقت الذي يجلس فيه رجال السلطة ينتظرون في قاعة الاجتماعات دخول عامل الإقليم , يباغتهم واحد من الديوان ويطرق عليهم الباب قائلا ( قفوا لعامل الإقليم ) وكأن الرجل في رأي موظف الديوان جاء سرا من كوكب ما إلى هذا الإقليم بهدف زعزعة الاستقرار أو الانتقام من الأجهزة الأمنية بما فيهم الموظفين , في حين يبدوا أن الرجل هادئا رزينا ومتزنا وليس عليه علامات الانفعال وفي قمة التواضع وليس من العمال الذين يعتبرون انتقادهم من قبل الآخرين نوعا من الكفر والشرك ويزعمون أن الاعتراضات على السلطة شكلا من أشكال الضلالة , ولكن محيطه يطرح علامات استفهام ؟ فإذا كان برنامج حوار استضاف البارحة أمين عام لحزب مشارك في الحكومة , وردا على جواب إحدى الصحفيين قال , يجب تغيير السادة الولاة والعمال باعتبار علاقاتهم وقربهم من بعض الأحزاب السياسية ' فلكل يعرف أن عامل إقليمالخميسات كان بالأمس يعمل بجانب السيد كاتب الدولة سابقا , ورغم قربه من هذا المربع لم يستغل قرابته سياسيا بعدما عينه جلالة الملك على هذا الإقليم , والذليل على ذلك أنه لحد الآن لم نلاحظ عليه تعاطفا مع حزب الأصالة والمعاصرة , أو بدا نفوره من حزب التجمع الوطني للأحرار, ولم يغض بصره على الأحزاب الأخرى المنافسة , حيث يظل رجل الثقة وممثل الملك بالإقليم بميزة حسن جدا , وهو الذي قال بأول اجتماع له أن التقدير والتقديس هو للحق وقيمته، أما الأشخاص فنتبعهم عندما يتبعون الحق، ونبتعد عنهم عندما يتخلون عنه , وصدق من قال لا تقيسوا الحق بالرجال، ولكن قيسوا الرجال بالحق . فإذا كان كذلك هذا تقييم لحياة رجل سلطة , فهذا لا يعني أن الرجل كامل ومتكامل , حيث أن هناك هفوات يمكن أن يسقط فيها مثله مثل سائر البشر , وعلى سبيل المثال ما يقع بكواليس الكتابة العامة للعمالة شيء غريب , حيث ينطلق داعية التغيير بصفته موظف سامي بعمالة الخميسات في عمله الإداري اليومي على أساس امتلاك إيديولوجيا مخالفة لما كان عليه سلفه الذي تربع على جناح الكتابة العامة أزيد من خمس سنوات يصول ويجول , هذه الايدولوجيا تعتبر من أهم وسائل تعبئة بعض رؤساء الأقسام الذين يسعون لإقناع المواطنين وحشد دعمهم على طريق التغيير, وهذه الخطة يمكن لمسها في المجتمعات التي تبحث عن طريقة تسيير أكثر استقرارا وتعبيرا عن تطلعات المواطنين المتضررين , والسؤال هل حقا هناك إيديولوجيا مخالفة لإيديولوجية الكاتب العام السابق الذي تم نقله إلى إحدى المدن , بمعنى أليس التقييم نفسه أيديولوجية قائمة بذاتها ؟ ففي الوقت الذي يرفض العقيد تعليمات الموظف السامي , وبكلماته الاحتجاجية يرد عليه ( أنفذ تعليماتكم سيدي إذا كنتم تمارسون اختصاصات السيد العامل بالنيابة أما الآن فأنا لست تحت أوامركم ) هنا يمكن لنا القول بأن الكاتب العام السابق لا يختلف عن الموظف السامي الحالي في الممارسة الإدارية الشخصية حيث يمارس دوره ليس كإداري فحسب بل كسياسي وكأنه شخصية دبلوماسية داخل إدارة تابعة لوزارة الداخلية , وهذا الشعور يؤدي إلا الإحباط في نفس المتتبع للشأن المحلي الذي أحس أن الموظف السامي وقع أسير للمنصب والجاه والسلطة . فكيف يرد الموظف السامي الذي وكلت له كافة المسؤوليات بهذه العمالة حول ما يجري بديوان هذه العمالة التي يتوافد عليها المقاولين طيلة أيام السبت والأحد , وكيف تم ترك أبواب مكتب السلطات الإقليمية التي عرفت إصلاح مكيفاتها التي كانت عاطلة بل مرمية داخل المكتب؟ ولماذا رفضت بعض النقابات التواصل مع الموظف السامي إلى حين تدخل السلطات الإقليمية التي تحضا باحترام كل أطياف المجتمع المدني ؟ وكيف تم توزيع الميزانية التي حصل عليها الإقليم من الجهة بمكتب هذا الأخير ؟ ولماذا رفض جل رؤساء الأقسام التعامل مع هذا الموظف السامي ؟ وكيف تم توزيع بعض سيارات الدولة ؟ وعلى أي مقياس اعتمدت الإدارة ؟ ومن الذي يحرض بعض الجمعيات على رئاسة المجلس البلدي ؟ ولماذا لم يستوعب الموظف السامي قرار عامل الإقليم الذي رفض بشكل قطعي درهم واحد من ميزانية العاملة لتغطية مصاريفه الشخصية ؟ والدليل على ذلك أن عامل الإقليم كلف واحد من أقاربه لسد حاجيات مطبخه من راتبه الشهري , ألا يكفي أن نقول أن السلطات الإقليمية وضعت حدا للفوضى والرشوة والزبونية وتركت الباب مفتوح من ورائها للآخرين ؟ فإذا كان من واجبات المواطنة الحقة والانتماء للوطن والوفاء له على جميع أبنائه المحافظة على الممتلكات العامة التي هي جزء من مكتسباتنا جميعا , بنيناها بجهدنا وعرقنا ومالنا وتضحياتنا , وتعلقت بها آمالنا وتطلعاتنا لغد جميل مشرق بهي , فميزانية الدولة تشكو وإن كانت جمادات من عبث العابثين و المستهترين الذين يستغلون الفرص وحياء السلطات الإقليمية لقضاء مآربهم الشخصية مستغلين بذلك عدم التواصل بين السلطات الإقليمية والمواطنين مبررين مواقفهم بأن من يريد مقابلة السلطات يجب أن ينتظر إلى حين تقديم ورقة تعريفية عن الشخص وانتماءه السياسي وكذا سوابقه , وكأنه هو ضرب البيت الأبيض أو مسئول على تنظيم القاعدة بدول الساحل , وهذه المقاربة الاجتماعية حاولوا بعض المسئولين نشرها وتداولها لتشويه المشهد السياسي والإداري في نفس الوقت ؟ فهل السلطات الإقليمية على علم بما يجري ويدور داخل مقر عملها ؟..