الدكتور العبادي في محاضرة تكريمية للدكتور بنونة بكلية الآداب بتطوان : يجب على النخب تحمل مسؤولياتها لتأسيس قيم مغربية تتفاعل مع القيم الكونية نظمت كلية الآداب والعلوم الانسانية بمرتيل يوم الثلاثاء 15 مارس 2011 ب" قاعة الندوات الدكتور محمد الكتاني" حفلا تكريميا على شرف الدكتور مصطفى بنونة الرئيس السابق لجامعة عبد الملك السعدي ، بحضور ثلة من عمداء المؤسسات الجامعية والأساتذة الجامعيين و وطلبة الكلية، افتتح اللقاء الدكتور عبد الرحمن بودرع بكلمة ترحيبية أبان من خلالها المعاني العميقة من وراء تكريم علم من أعلام الجامعة الوطنية المغربية . بعدها قدم الدكتور أحمد العبادي الأمين العام للرابطة المحمدية لعلماء المغرب محاضرة في موضوع :" نظرات في العلاقة بين الدين والقيم والسياسة والحريات في سياقنا المغربي الراهن". تناول من خلال أربعة عناصر وهي : الدين- القيم - السياسة - الحريات ، وذلك من خلال الوقوف على الواقع المشخص العيني والمعاش، باعتبار أن الدين يمثل بحد ذاته العلاقة والصلة الجامعة بين باقي العناصر السالفة الذكر. وحسب الدكتور العبادي فإن الحديث عن الدين يعتبر حديثا عن رؤية للكون ومصدر للأجوبة العميقة (كما في الأسئلة الوجودية عند جون بول سارتر حول الكون).وهذا ما يعزز قوة الدين بحكم أن الانسان بدون الدين يفتقر للأجوبة الواضحة لهذا الوجود. و يبقى أن فهم الدين - حسب الدكتور العبادي- يتم من خلال شقين: يتمثل الشق الأول في اعتبار الدين تصورا ومعتقدا وتشريعا مطلقا،أما الشق الثاني فيتمثل في اعتبار النظر للدين من خلال تشخصه وتلبسه في الواقع العيني المشخص. بعدها انتقل الدكتور إلى الحديث عن مسألة القيم والتي تتجلى من خلال الوعي والاستبصار بالمعتقدات والتصورات والتمثلات. فالقيم هي تلك المعايير التي من خلالها نميز بين الحسن والقبيح والخطأ والصواب وكل المتضادات والتقسيمات التي انغمست فيها الفرق الكلامية عبر التاريخ. والحديث عن القيم ليس حديثا جامدا ، بل هو حديث ديناميكي يعرف حركية مستمرة ،خصوصا في مجتمع تتهدده مخاطر الغزو الثقافي والقيم الجديدة في إطار جو الممانعة والكفاح ضد القيم الفاسدة. وتبقى قيم الخير دائما واضحة، ويمكن رصدها في مختلف الديانات . وأوضح الدكتور العبادي أن الحديث عن السياسة سيكون من خلال تجلية وتبيان دور السياسة في محاولة نقل المعيش الإنساني في إطار جميع عناصره إلى مرتبة المثال. ومصطلح " السياسة "، يقول العلامة العبادي ،غريب عن المنظومة الإسلامية. وهو من "ساس يسوس الدابة" أي روضها حتى لا تحرن.والواقع الاسلامي ليس فيه أصل لكلمة السياسة، بل إنها وصلت من خلال الترجمة لتصف واقعا معينا. وإلى جانب السياسة نجد مصطلح " الإمامة " ومن الإمامة تتفرع الأمة أي كل تجمع بشري يجمعه تنظيم وتشريع في الإنفتاح الدائم على الابداع الغير المتناهي. وقد كان الكثير من مفكري الاسلام يتحرجون من إطلاق كلمة السياسة مجردة بل يقرنونها دائما كقولهم " السياسة الشرعية". وقد كثر الحديث عن مشروع المجتمع يكون فيه الابداع حاضرا،كما يكون فيه إرساء لمجموعة من التمثلات،وبشرط أن يفهمها الجميع ليكون هناك تناغم وتراص للصفوف. وهذا لا يتأتى إلا عندما يكون هناك وعي مشترك يجمع الجميع حول أهمية المشروع المجتمعي. وأوضح الدكتور في السياق ذاته أنه لا يمكن تبني مذهبيات ونظريات نشأت في بيئة وخصوصيات معينة من طرف مجتمع مغاير (كتبني الماركسية بالمغرب)فالإنزال للمذهب أو النظرية في حالة التنافر يستحيل. وللإشارة فالواقع المغربي الراهن في حركية مستمرة،خصوصا ونحن أمام ثورة " الياسمين" و " ثورة الفل" ونعيش واقع اكتشاف الثورة الرقمية التي أعطت امتدادا لا متناهيا لكل ساكنة هذا الكوكب.وفي هذه الحركية لا يحق للكبار فرض رقابتهم على الشباب. فالواقع المغربي تغير ،فعند رصد ما وقع في تونس ومصر وما يقع في ليبيا واليمن والبحرين،نرى انبثاق الرغبة والاستعداد والقيم الخلاقة في الدين الإسلامي ، لكن في الآن ذاته يجب الحذر من الإنزياح والإختراق لقوى أخرى تترصد، ولهذا تبرز ضرورة الضبط والصد لإمكانية الإختراق والإنزياح. ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه بقوة - حسب الدكتور العبادي- هو: ما هي التجليات البحثية والإضافات النوعية لمختلف المكونات السياسية المغربية على الوضع السياسي الراهن؟ فالكثير من الأحزاب لها مؤسسات للتفكير والتنظير (مؤسسة علال الفاسي- مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد - مؤسسة عزيز بلال) غير أن هذه المؤسسات تبقى قاصرة عن بلوغ أهداف التفكير، لصعوبة التوظيف العقلاني والواقعي.ولهذا يجب على النخب تحمل مسؤولياتها لتأسيس قيم مغربية تتفاعل مع القيم الكونية. و ختم الدكتور المحاضر بتأكيده على الأهمية التي يجب أن تعطى للبحث العلمي بالنظر إلى دوره في بناء المجتمع في عالم يتغير باستمرار، و بالتالي ضرورة القيام بتجارب علمية مرتبطة بواقع مجتمعنا و مبادئنا بعيدا عن أي استلاب أو استتباع ، للتحرر من الأعراف و التقاليد ما لم تكن ثوابت، أي أن نعيد اختراع ذاتنا بذاتنا لتحقيق ذاتنا في هذا الكون المتجدد، وللعلماء و الباحثين و المثقفين دور في هذا المسعى. وبعد ه تناول الكلمة عميد كلية الدكتور سعد الزموري، رحب من خلالها بالمحتفى به الدكتور مصطفى بنونة ( دكتوراة الدولة في الفيزياء- عضو بالمجلس الأعلى للتعليم- رئيس سابق لجامعة عبد الملك السعدي- رئيس لجنة المشاريع بميناء طنجة المتوسطي) . ونوه بالدكتور أحمد العبادي و بمساهمته في الحفل التكريمي بمحاضرته القيمة و أشاد بعلمه الغزير وفكره المعتدل ورؤياه الواسعة، وهي خصال ميزت الفكر الإسلامي قديما وما زالت تميزه حديثا، الأمر الذي يتماشى مع دعوة صاحب الجلالة الملك محمد السادس باعتبار الإسلام رسالة حضارية وإنسانية. و أكد السيد العميد أنه منذ توليه مسؤولية عمادة الكلية وهو يسعى جاهدا للتأسيس لثقافة الاعتراف ، حيث تم في نفس الصدد القيام بتكريم عمداء سابقين وموظفة إدارية ، و أن التكريم والاحتفاء بالأستاذ والدكتور مصطفى بنونة هو اعتراف برجل قدم خدمات جليلة للجامعة المغربية ، مضحيا بصحته ووقته وعلمه ،ضاربا المثل الأعلى في حسن التدبير وسعة الصدر والحكمة وتمام الأمانة. و أن الكلية حريصة على أن تكون أسبق من غيرها إلى شكر الدكتور لما عرفته على عهده من نمو وتطور. وشكر الجميع على تلبية الدعوة من عمداء المؤسسات الجامعية و في مقدمتهم الدكتور أحمد الموساوي نائب رئيس الجامعة ،و اللجنة التنظيمية بإشراف الدكتور مصطفى الغاشي على ما بذلته من جهد لإنجاح هذا الحفل و عموم الطلبة الذين الذين تابعوا أطواره . وتناول الكلمة كل من الدكتور أحمد الموساوي والدكتور مصطفى حنفي باسم هيئة التدريس بالكلية ، تعرضا من خلالها لأهم خصال و فضائل الدكتور مصطفى بنونة و ثمنا عاليا مثل هذه المبادرات. وفي كلمة المحتفى به أوضح الدكتور بنونة أنه أخذ الكثير من العبر من خلال المحاضرة و التي فيها كل معاني العمل والإيمان والريادة و الحكامة. و أكد على ضرورة استحضار التقييم الذاتي لأعمالنا- وهذا ما قامت به الجامعة من خلال الحكامة- وفعالية التسيير والوقوف على نقط القوة والضعف للوصول لأفضل النتائج. و وقع كل من الدكتور الزموري والدكتور العبادي شراكة بين كلية الآداب والعلوم الانسانية بمرتيل والرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب. و اختتم الحفل بتقديم هدايا رمزية للدكتور مصطفى بنونة والدكتور أحمد العبادي.