بحضور نائبي رئيس جامعة عبد المالك السعدي بتطوان و عميد كلية الاداب و العلوم الانسانية بمرتيل و أعضاء طاقمها الاداري و أساتذة مختلف الشعب بها و ضيوفها من مرتيل و تطوان و من خارجهما ، و عميد كلية أصول الدين ، فضلا عن السيد باشا مدينة مرتيل ممثلا للسيد عامل عمالة المضيق الفنيدق و العميدين السابقين للكلية الدكتور سيدي محمد ياملاحي الوزاني والدكتور عبد العزيز العلاتي والعديد من الطلبة والطلبة الباحثين ، ألقى العميد السابق للكلية ، المكلف حاليا بمهمة بالديوان الملكي الدكتور محمد الكتاني، صباح يوم الخميس الفاتح من نونبر2010، الدرس الافتتاحي للموسم الجامعي 2010-2011 في موضوع : العلوم الانسانية و رهانات التنمية بالمغرب. قدم الدكتور محمد سعد الزموري عميد الكلية للدرس الافتتاحي بالترحيب بالدكتور الكتاني باعتباره أحد مؤسسي الجامعة المغربية ، و هو واحد من الحاضرين في المشهد الثقافي و المشاركين في صنعه ، كما أنه مؤسس هذه الكلية و واضع قواعدها العلمية الأولى، و قد كان فيها أستاذا و شيخا للعديد من أساتذتها و طلبتها . و في كلمته عبر السيد نائب رئيس الجامعة عن اعتزاز الكلية ، على غرار الكليات العريقة ، أن يلقي درسها الافتتاحي علم من أعلامها . و قد اختارت الكلية الدكتور الكتاني للحديث في الموضوع بالنظر إلى ما تعرفه منطقة الشمال من مشاريع تنموية رائدة. و هو حجة في الفكروعدة في حلبة الآداب و مرجع في الفقه . و قد تخرج على يديه العديد من النبغاء و المفكرين و الأساتذة الجامعيين. و هو من الرعيل الأول المؤسس للجامعة المغربية. الدكتور الكتاني عبر في البداية عن اعتزازه بحضوره بين أطر الكلية و طلبتها. وقد فضل الا يخاطب شعبة من شعبها دون باقي الشعب بل تناول موضوعا مشتركا بينها و هو البحث العلمي و علاقته بالتنمية ، باعتبار أن هذه الأخيرة اصبحت محورا لكل السياسات الهادفة إلى القضاء على الفقر والتخلف وخلق مجتمع عادل و ديموقراطي تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس. و هي ، أي التنمية البشرية ، التي تعتمد البحث العلمي حول بيئتها و مواردها و تاهيل العنصر البشري من أجل الابداع و المنافسة و المقاولة المناضلة ، لذا يجب ان تنخرط الهيئات و المؤسسات و النخب - و في مقدمتها الجامعة المغربية كمؤسسة مستقلة في تسييرها- وتعقد الشراكات مع باقي المؤسسات والمقاولات بالمغرب والخارج. و إذا كان لا مجال للمفاضلة بين مختلف مواد الجامعة، فماذا يمكن لكلية الآداب و العلوم الانسانية أن تفعل في ورش البحث العلمي و خاصة العلوم الإنسانية، يقول الدكتور الكتاني ، لكسب رهانات التنمية و التقدم؟ جاءت إجابة الدكتور المحاضر من خلال ثلاثة محاور : - المحور الأول حول مفهوم العلوم الانسانية و سياق ظهورها التاريخي في أوربا الحديثة لتصبح في خدمة المجتمع بصفة مباشرة . -المحور الثاني حول مفهوم التنمية و رهاناتها . -المحور الثالث حول آفاق التنمية التي يمكن أن ينهض بها البحث العلمي في كليات الآداب و العلوم الانسانية. - المحور الأول : ألقى الدكتور المحاضر نظرة حول السياق التاريخي الذي ظهرت فيه العلوم الانسانية في أوربا منذ القرن 17 على يد فرانسيس بيكون الذي قال أن لا قيمة للمعرفة إلا في ما تفيده من حيث تجعل الانسان يسيطر على الطبيعة لفائدة حياته. و بالتالي تحولت المعرفة إلى تكنولوجيا و مهدت للثورة الصناعية في الغرب. و بعدها جاء تصنيف علوم المادة و علوم الفكر ليتناول مفكرون الطبيعة البشرية مثل جون لوك – بيركلي – هيوم- ديكارت. و ظهر علم الانتروبولوجيا في القرن 19، و هو العلم الذي يهتم بالانسان في سياقه التاريخي و دور البيئة و التاريخ في الحياة الانسانية في إطار حركية تاريخية متقدمة، ليتبلور بعد ذلك مفهوم العلوم الانسانية على يد العديد من المفكرين الأوربيين . و بعد إلقاء نظرة موجزة عن نشأة العلوم الانسانية و مناهجها، تسائل الدكتور الكتاني حول ماذا فعل المفكرون المسلمون في مجال العلوم الانسانية ؟ و طلب الجواب من الأساتذة الحاضرين في قاعة هذا الدرس الأكاديمي.. أما جوابه هو، فهو أن ابن خلدون يبقى نموذجا للعالم المسلم بما جاء به من نظرية في العمران و العلوم الاسلامية، و أنه لم يلق التجاوب المنتظر من طرف الذين جاؤوا من بعده ليصبح نهاية طريق بالنسبة للعالم الاسلامي الذي لم يستفق من غفوته إلا في القرن 19 على إثر الغزو الأوروبي ، لتبقى مقدمة ابن خلدون من المعادن النفيسة التي يجب سبر أغوارها من طرف الباحثين. واختتم الحديث في هذا المحور بتأكيده على ضرورة حماية البيئة و العنصر البشري، الذي يبقى تحديا عالميا، في ظل الاستغلال المفرط للموارد الطبيعية ،وعلى ضرورة استثمار العلم و التكنولوجيا في التنمية ،أي ضرورة البحث العلمي، و أعطى نمودج ما شاهده و تعرف عليه عن قرب خلال إحدى زياراته لمدينة بوسطن الأمريكية حيث أن الحلاق لا يمكنه مزاولة مهنة الحلاقة هناك إذا لم يتوفر على تكوين علمي في هذا المجال. و من هنا الحاجة الماسة الحاجة إلى التقنية لدى العديد من الأساتذة حتى لا يبقوا أميين.. - المحور الثاني : اتخذ مفهوم التنمية في عصرنا ،مع ظهور علم اجتماع التنمية ، ثلاث مسارات : * مسار التنمية الاقتصادية اذي يعني الزيادة في الانتاج و رفع الدخل الفردي و البحث عن المصادر المدرة للدخل لتأهيل العنصر البشري والابتكار و المنافسة و الاندماج في سوق الشغل . *مسار التنمية السياسية بترسيخ دولة الحق و القانون و إشاعة قيم الديموقراطية و حقوق الانسان و الولاء للدولة، أي المواطنة بعيدا عن أية نعرة عرقية أو قبلية . *مسار التنمية البشرية الشاملة عن طريق تقليص الفوارق الاجتماعية و تكافؤ الفرص و الحكامة الجيدة وتفعيل الشراكة للتدبير الأمثل للشأن العام دون إهمال أي عنصر بشري . لذا فالتنمية مسألة بشرية و ثقافية و تعليمية و وعي بهوية و غيرة على الوحدة الوطنية. و في المغرب كما في باقي العالم يبقى نمط التنمية الاقتصادية البشرية ، التكنولوجيا و التكوين و حماية البيئة و نمط السياسة و الهوية الثقافية و المثل العليا والقيم الأخلاقية و حقوق الانسان و الأمن الاجتماعي ، تبقى كلها في مواجهة التطرف و العنف. و تبقى المعرفة العلمية قاطرة تجر كل قاطرات المؤسسات الاقتصادية و السياسية و من بينها العلوم الانسانية التي تروم تأهيل الموارد البشرية من أجل الابداع و القيم، و لا تقبل التنمية التجزيء بين ما هواقتصادي و ثقافي و سياسي. والخلاصة أن التاريخ - الجغرافيا- اللغات- الآداب- الفلسفة ، كلها مواد كانت مرتبطة بواقع مجتمعاتها في أوربا و تطورت عبر مراحل انتقالية. المحور الثالث: تساءل الدكتور المحاضر إذا كانت شعب العلوم المادية ترتبط بشراكات عديدة مع المؤسسات و الشركات، فماذا فعلت شعب العلوم الانسانية في هذا الباب؟ و خلص في النهاية إلى التأكيد على أهمية المطالب التالية: - ضرورة الحفاظ على الخصوصية الوطنية: اللغة الوطنية في مواجهة شراسة اللغات العالمية و دور اللغة في بناء المواطنة. و هنا دور كليات الآداب و العلوم الانسانية في التواصل و التكوين و الوعي بأهمية الهوية الوطنية على أساس معرفة التاريخ الوطني و آدابه و فنونه قصد الاعتزاز به و الغيرة عليه. وبالتالي يجب دراسة المغرب في أبعاده الحضارية و الفكرية و الثقافية فضلا عن وحدته الترابية . - ضرورة العناية اللازمة بخريطة الوضع الثقافي في بلادنا و التحسيس بغنى الثقافة المغربية و انفتاحها على باقي اللغات و الثقافات من طرف شعب اللغات الفرنسية و الانجليزية و الاسبانية ، و ضرورة التضامن بينها لإيجاد الملفات المشتركة التي تخدم البلاد و ثقافتها للاقتراب من هوية المغرب الحضارية التي كتب حولها بمختلف اللغات: تاريخ- رحلات. و ذلك لأن المغرب له جدور إفريقية و تهب عليه رياح حضارة شمالية من البحر الأبيض المتوسط . و هو بحاجة لتنمية جدوره و روافده باعتباره كان و لا يزال بلدا لملتقى الحضارات و الثقافات. و يبقى هذا العمل من صميم دور كليات الآداب و العلوم الانسانية ، إذ يجب تنمية قدرات الطلبة على الابتكار و ليس على الحفظ ،و على التفكير المنهجي و الانتاج الفكري لتكون المردودية الحقيقية لكليات الآداب و العلوم الانسانية. و يتطلب الأمر ضرورة فتح أوراش و تقديم حوافز و جوائز للمعنيين من أساتذة و طلبة باحثين. وفي الأخير ضرورة تنمية الشخصية الروحية و الفكرية والجمع بين الحرية والمسؤولية والعلم والبحث من أجل التقدم. وفي الأخير إذا كان البحث العلمي، يقول الدكتور الكتاني، يحضى بالأولوية في العلوم المادية بما ينتجه، فالبيئة بمعناها الشامل تحتاج إلى تنمية قدرات الانسان فكرا و وجدانا و أخلاقا ، حتى لا يبقى ضحية الاغتراب و التهميش و الاقصاء ، و حتى يندمج في مجتمعه و عالمه و يحيى حياة كريمة لائقة به كإنسان. و هو رهان لا يقل أهمية عن الرهانات الأخرى ، أي رهان التنمية البشرية الشاملة.