التاريخ يحمل عنوان لكل ما يجري ، ويحدد معنى لكل الاحداث ويدونها بكل حقيقتها وبأمانة، و الحقيقة في الريف يعرفها الجميع العدو قبل الصديق بفضل تضحيات الاجداد والاباء المُدونة في سجلاته بالدم والنار وظلت شاهدة الى اليوم... إننا ننتمي الى منطقة يصعب تجاوز ثوابتها وخصوصياتها وليس من السهل إسقاط أحكام مسبقة عنها تمس كرامة ساكنتها المعروفة بالقيم النبيلة وبالروح الوطنية الصادقة كما عبرت عنها في نضالها البطولي التحرري ضد الاطماع الاستعمارية ، وليس من السهل التعامل مع المنطقة بنوع من الاستثناء و كأن أزمات البلاد تنتهي هنا، لقد كنا منذ أمد بعيد حتى اليوم نناضل ضد كل أشكال الاستعمار والاستعباد والاضطهاد ، ولسنا ألعوبة في يد أحد كما يوهم البعض ، بل نحن صناع تاريخ المغرب الحديث ودوَّناه بدمائنا وتضحياتنا وصفحاته منشورة في جبال الريف وميدان القتال في بطولات دهار أبران ومعركة انوال الشموخ وفي سيدي بوعزي وتمسمان و قبائل أيث توزين وأيت ورياغل و ... ، لقد ناضلنا ضد من إغتصب أراضينا ودنَّس تربتنا قبل الاستقلال وحتى بعده ، وتعرضنا لمؤمرات عديدة في الماضي من طرف المسماة الحركة الوطنية منذ الاستقلال الشكلي والى اليوم، وبالضبط في سنتي 58-59 ، كانتا جرحا عميقا في ذاكرتنا فيها قَُنْبَلت مداشر و قرى بأكملها من قبل القوات المغربية التي استعانة بطائرات فرنسية حوَّلت الريف الى حمام الدم ومقابر جماعية و فيه هُتِك عرض نسائه وكرامته إنها مؤامرة كبيرة تحالف عليه كل الاحزاب بحكم موقعها في صناعة القرار أنذاك ، أرادت محو الريف التحرري من الوجود وإنهاء الارتباط بقائد الريف مولاي موحند وبمشروعه التاريخي الانساني الاممي، إستمرت في مؤامرتها بنهج سياسية التهجير الجماعي الى اوربا وابعاد سكانه من نسيم المقاومة المُنْبِت على أرض الريف ، وحكم عليه بواقع التهميش والعزلة كعقاب جماعي لمن لازال مرتبط بأرضه . فما تعرض له الريف بالماضي خلَّف آثارا عميقة وجروحا لن تندمل تناقلت عبر الاجيال في ذاكرة أبنائه ، فكل ما يجري بداخله يمثل صيرورة طبيعية ويتحرك بوعي جماعي وليس بعفوي كما يُراج ، بل هو تفاعل بين وجدان الريف بقضاياه فيسري في شريانه وعيا سياسيا متجدرا مستقلا لا يقبل الاضطهاد والحكرة ، وهويته متأصلة بثوابت الانتماء من لغته الام الريفية - الامازيغية وتراثه العريق وجغرافيته الغنية بالثروات الطبيعية (الجبلية والسهلية) ، وللمعرفة أكثر فهو لا يستنسخ تجارب أحد بل يعتمد على منهجية خاصة به و يمتلك أدواته الخاصة للدفاع وحماية كينونته وهويته وتراثه وثرواته كما فعل في الماضي بمنهجية عبد الكريم الخطابي وسلام أمزيان و حدو أقشيش ولا يمكن لأحد أن ينْسُج قصاصاته كما يحلو له. فعراقة تاريخه وتجربته العميقة في النضال الوطني التحرري أُعْتُبِر نموذجا عالميا و مدرسة يتعلم منها كل الثوار لِخلاَص الشعوب من الاستعماروالعبودية و بناء مؤسساته بشكل مستقل من التبعية كما كان ذلك في تجربة الجمهورية وانتفاضة ̈عهد إقبارن ̈ الذي أبان أهل الريف مرة أخرى عن نضجا و وعيا سياسيا كبيرين من خلال إنتظامهم الجماعي لحماية الريف من المؤامرة التي استمرات سنوات تتجدد على حساب الظروف والسياقات تلتجأ الى كل الوسائل مخلفة ضحايا بالاف من الشهداء والمعتقلين، وعمدت على نشر انشودة العصيان والتمرد وعدم الطاعة لتشويه صورة ابناء الريف وإستهلكتها بكثرة في دواليب الدولة خلال خمسين سنة مضت، من قبيل لا وجود للحكم السلطاني لدى أهل الريف ولا علاقتهم بالملكية و أن الاحتقان دائم بينه وبين سلطات المركز، فهذا يعكس الحقد الدفين من أصحاب القرار لأنه ببساطة رفعت ساكنة الريف مطالب سياسية واقتصادية و اجتماعية للحد من العبث الذي يمارسه الحزب الحاكم انذاك بُعيْد مرحلة الاستقلال ومن أجل ايقاف نزيف المؤامرة من قِبل حزب الاستقلال الذي استشعر بنشوء وعيا بديلا عنه ومتقدما لبناء الدولة المغربية المؤسساتية المستقلة من التبعية لفرنسا ، و الحد من الظلم والتهميش واعادة الاعتبار لرموز المنطقة مجاهدي الريف ومقاتلي جيش التحرير، فالمطالب التي علنها سكان الريف تتأسس على أرضية جوهرية مبنية على تقاسم السطلة بين أبناء المنطقة والسلطة المركزية ، ومنذ تلك المرحلة صنف الريف ضمن طابوهات الاستثناء وشهدت المنطقة العديد من الاحتجاجات والاضرابات في عهد الحسن الثاني ونُسِجت في حقه مئات الالاف من التقارير الاستخبارية السوداوية التي زُجَّت بالعديد من الضحايا أبناء الريف في السجون، وكان بداية تباعد العلاقة بين القصر والريف وخلق واقع التوتر بشكل دائم وعدم الاستقرارو الثقة، و في كل مرحلة يعاقب أهل الريف بهمجية ودموية وقتل كما حدث في سنة 1984 وغيرها لَِدرج أهله معذبون ومنسيون فوق الارض . وفي مرحلة محمد السادس اتجهت الامور نحو منحى مغاير لما كان سائد ، لتنكشف الامور علنا لدى الجميع و يصطدم العهد الجديد بحقائق قاسية على الميدان تراكمت لعقود، ومحاولة منه إدراك ما حصل دون النبش في الملفات القديمة بلغة المصالحة ومن أجل محو آثار الانتهاكات الجسيمة تم فتح صفحة جديدة مبنية على طي صفحة الماضي ورد الاعتبار والانصاف ومحاولة فك العزلة ورفع التهميش للقضاء على تركة الماضي وتصفيتها ، وخلق دينامية جديدة تعكس رؤية تدبير الحكم من خلال الالتجاء الى الهامش و ضمان انتقال العرش بأمان وسلام تحقيقا للاستقرار ، لكن تطلعات الشعب وانتظاراته و آماله في مغرب جديد يقطع الصلة مع العهد القديم ويحلم بالغد الافضل لم تتحقق بعد باعتبار نفس العائلات المهيمنة على ثروات البلاد باقية تكس حجم الفوارق الكبيرة داخل الوطن، ونفس مناهج التسيير للمؤسسات العمومية ، نفس الهواجس الامنية التي دفعت الاجهزة الاستخباراتية لفرض حالة الطوارئ بشكل غير مباشر عبر ترهيب المواطنين وقمعهم وكم افواههم داخل الريف كما حصل في تماسينت و ميضار وبوكيدارن ومجموع من مداشر وقرى الريف لاسيما أنها تعتقل من تريد وتهدد وتخطف وتقتل من تريد ...، ونفس الامتيازات للمسؤولين المقربين بالمركز وعائلاتهم لا شيء جديد في طبيعة وبنية الحكم ، اما غالبية ابناء الشعب هم على حافة الموت لا كرامة و لا عيش كريم ولا وطن يحميهم ، هم في معاناة دائمة يفتقدون لأبسط الشروط للحياة الانسانية -غياب السكن والتطبيب - وتفشي مظاهر الفقر بكل أصنافه ، وشبابه يعاملون بقمع شديد و بدونية ويزجُّون في السجون ، إنها حكاية لا تنتهي بل في كل فصل تبقى حكايات مؤلمة وقاسية ، في انتظار نهاية لكل هذا يبقى المستقبل غامض ومفتوح على كل الاحتمالات . إنها حقيقة لا بد من الوقوف عندها قبل إصدار الحكم على الريف وإتهامه بالانفصال والاوباش و بالنزعة العنصرية ، ولابد من إدراك لمسارالاحداث والوقائع التي راكمها جيدا، ولا بد من كشف المستورعن المؤامرات التي دُبِرت للمنطقة وما لحقها من الضربات المؤلمة وطعونات الغدر في الماضي من طرف القائمين على الشأن العمومي سواءً بالريف أو خارجه و من مصلحتهم البقاء الوضع على ما هو عليه للإستفادة أكثر، فمطالب أهل الريف لم تتبدل منذ خمسين سنة بل ملحاحية طرحها يزداد أكثر لتصفة تركة الماضي وإزالة التهم التي شوهت رمزية وتاريخ المنطقة لاسيما أصبحت تعرف بثالوث الغضب ̈ الانفصال- الهجرة- المخدرات ̈ ولََزِم ذلك عقود عديدة ، وهذا ما يؤكد أكثر غياب للمدينة المدنية التي يغلب عليها طابع العسكرة من خلال وجدود للعديد من الثكنات والقواعد والحاميات العسكرية نموذجها الحسيمة وهي في أصلها مخططات تخريبة تضرب عمق الاستراتيجي للريف بالمنطقة ودوره الحضاري والتاريخي والاممي باعتباره عنوان لتاريخ الشعوب المعاصرفي الاستقلال والنضال الوطني . إذن كل ما حدث في الماضي ويحدث اليوم كان بتخطيط عال المستوى من قبل أعداء الوطن والكرامة و التغيير و أعداء الريف ، من مصلحتهم استمرار الاحتقان بين الهامش والمركز من أجل الترويج لدعاية أن ذلك مستهدف من جهات أجنبية تريد تخريب البلاد ، وأن المرحلة تقتضي الصرامة والقبضة الحديدية، بل هم على خطأ فادح فالوطن يحتمي بأبنائه والعكس صحيح ، وأهم سلاح الذي يجب الاشهار به وتعميمه على كل الوطن هو القضاء على المفسدين واقامة الديمقراطية واشراك الجميع في قرارات البلاد ، وتذكروا جيدا أن الفقر والازمة و الافاق المسدودة تولد الانفجار والغضب والعصيان ، ومهما بررتم وتفننتم في الكلام ، فإياكم من بركان الغضب الذي يثور من الشعب و حممه تخترق كل أحصنة الفساد وقلاع الحاكمين . الشباب الذين خرجوا الى الشوارع في الريف يوم 20 فبراير مطالبهم سياسية ذات سقف اجتماعي واقتصادي تصبو نحو ريف الكرامة والعيش الكريم وضمان الاستقرار لكل العائلات، و واعون جيدا بأحقية ومشروعية مطالبهم وهم مدركون أنه مهما طال الزمن لا بد من النصر في النهاية وإحقاق العدالة ، وأن الذين أعاثوا فسادا سيحاكمون لا محالة لتلاعبهم بأموال الشعب و ثرواتهم ، و أن تلك المجالس الفاسدة التي أنتجتها الانتخابات المزورة يجب محاسبتها والقضاء عاى المحسوبية والزبونية ، وأنهم يعلقون كل الآمال على شرفاء الريف والوطن ، وفي نفس الوقت هم شرارة تحرق كل الانذال ، وقنبلة تنفجر في وجه مروجي الاوهام ، وشعارهم ثابت الكرامة والعيش الكريم و أجسادهم جسر العبور الى الغد الافضل ، وأن لا القتل والاعتقال سيوقف زحف الربيع.