صدر العدد الثالث والرابع ، من المجلة المتوسطية للأشكال الحضارية المتخصصة في المواضيع العلمية الأكاديمية المتوسطية " سيميائيات " ، في حلة أنيقة وبغلاف يضم لوحة اسبانية تمثل طرد الأندلسيين من مدينتهم ، وأخرى لفسيفساء مزخرفة بأشكال حيوانات و أشجار وخضرة تمثل الحضارة الإسلامية بالأندلس . و قد شمل عدة أبحاث ومقالات ودراسات لباحثين من الضفتين المتوسطيتين. وبهذا العدد، تخرج "مجلة سيميائيات" - حسب محرريها- من " من طور الولادة و التجريب، إلى طور النمو والامتداد في فضاء ثقافي وفكري مطبوع، رغم انحصار دائرة القراءة في شريحة من المثقفين ورجال التعليم و الطلبة بالجامعات المغربية، محاولة منها لتجاوز هذا الواقع الجديد ، إلى جانب مجلات مغربية وعربية ودولية أخرى محكمة ، لحضور شكل أخر من المعرفة واستمراريتها لدى جمهور صغير من القراء على أمل أن يتوسع في الغد". يتميز هذا العدد بملف خاص عن ذكرى مرور أربعمائة سنة على تغريب الأندلسيين (1609-2009) نظرا لما يعتري الموضوع - حسب المجلة - من خطورة، وكذا عواقبه الحضارية على دول العدوتين زمنئذ، ولما عرفته الإنسانية من مآسي معاصرة متشابهة على رأسها نكبة فلسطين سنة 1948، وما تبعتها من سياسة الميز العنصري والتهجير اللذان ما فتئت تنهجهما الدولة الصهيونية في حق الفلسطينيين. وقد استهل الباحثون الأكاديميون: إدريس بوهليلة، نزار التجديتي و مصطفى الهرار العمراني هذا العدد بحوار جماعي مع الباحث امحمد بن عبود ، الرائد المتخصص في التاريخ الأندلسي، وقفوا فيه على مساره التربوي وحيثياته وبعض المحطات في مسيرته العلمية الجامعية، بدءا من دراسته بالمدرسة الأمريكية بطنجة، مرورا بدراسته الجامعية بالولايات المتحدةالأمريكية واسكتلندا، حيث سجل بإدنبرة رسالته مع ألمع المستشرقين البريطانيين، وهو الأستاذ وليام مونتغمري واط سنة 1978، وانتهاء بالتحاقه بالمعهد الجامعي للبحث العلمي بالرباط سنة 1978، وحصول أطروحته التي ترجمها من الانجليزية (التاريخ السياسي والاجتماعي لاشبيلية في عهد الطوائف) على "جائزة المغرب للعلوم الإنسانية" سنة 1983. و ضم العدد دراسة مفصلة للباحث الأكاديمي عبد العزيز السعود، سلط الضوء من خلالها على السياق التاريخي لقرار طرد الأندلسيين، وما سبقته من " محاولات استيعاب الموريسكيين". و وقف الباحث الأكاديمي نزار التجديتي في دراسته لصور من محنة الأندلسيين قبل الطرد وبعده، من خلال شهادة الرحالة الأندلسي أحمد بن قاسم الحجري، عبر محاور تحمل عناوين: الجنس السردي الناظم للرحلة، زمن الكتابة، رحلة فريدة، ازدواجية الشخصية، وأخيرا صورة الإنسان المتوازنة. و خلص في الأخير أن الحجري يرجع أسباب الخلافات الكبرى بين الأندلسيين المنصرين والنصارى القدامى في اسبانيا إلى العامل الديني(التوحيد في مقابل الشرك)، باعتبار أنه إذا كان الأندلسيون في عصره قد انتهوا إلى القبول بالتخلي عن جل مظاهر هويتهم الاجتماعية والثقافية المتميزة (اللغة،اللباس، العادات و التقاليد)، فإنهم ظلوا في الخفاء متمسكين بالسمة التوحيدية لهويتهم الدينية. هذا، وقد تضمن هذا العدد المزدوج، مساهمات علمية رصينة من الضفة الأخرى، استهلها الباحث الفرنسي جان بيير ديديو ببحث وضع فيه المسألة الأندلسية في إطارها الاسباني، تحت عنوان " الأندلسيون غرباء في أرضهم"،والكاتب الاسباني خوان غويتسولو بمقال رابع يؤكد فيه أنه:" منذ خمسة قرون مازلت اسبانيا تؤدي الثمن غاليا على تنكرها لأرثها العربي و اليهودي"، ترجمه من الفرنسية وعلق عليه الباحث الأكاديمي عبد الواحد حمود (أكاديمية مرسيليا). و في باب الوثائق والمصادر ضمن بحث للباحث والأكاديمي إدريس بوهليلة محقق الكتاب القيم في جزئيه :" الحلل البهية في ذكر بعض أخبار الدولة العلوية ، وعد بعض مفاخرها اللامتناهية " لمحمد المشرفي، وقف من خلاله على عوامل تكوين الدولة العلوية من خلال المصادرالتاريخية، نظرا للأهمية التاريخية للمصادر العلوية في تأريخ تكوين الدولة العلوية وتبيان العوامل المساهمة فيه، في ظل قلة ، بل وندرة المراجع والدراسات في مثل هذا المواضيع التاريخية. وقد قسم الأستاذ ادريس بوهليلة هذه العوامل ،حسب الترتيب الموضوعاتي للعناوين التي استخلص من خلالها متونها ، إلى قسمين: أولهما مرتبط بعوامل ذاتية، أدرج فيها العناصر التالية: النسب الشريف، الإرادة السياسية، الأخلاق (الصفات الحميدة) و الشجاعة. والثاني مرتبط بعوامل موضوعية أدرج فيه العناصر التالية: الوضعية السياسية الانقسامية، الدعاية(الإعلام)، البيعة، القوة، العنف (الحرب)، الموارد المالية، وأخيرا تأليف الجيش. و أعطى تعاريف شاملة لمؤرخي تكوين الدولة العلوية، وهم على التوالي: أبو محمد عبد السلام بن الطيب القادري، وأحمد بن عبد العزيز العلوي، ومحمد الصغير الافراني، ومحمد بن الطيب القادري، ومحمد بن عبد السلام الرباطي الضعيف، وأخيرا أحمد بن خالد الناصري. و في "باب المراجعات" أغني العدد بعدة قراءات نقدية يدور بعضها حول مواضيع أدبية وعلمية وتربوية . و في القسم الفرنسي من العدد، ملف خاص تحت عنوان" من شبه الجزيرة العربية إلى بلاد حوارزم : اللغة و الأدب والعلوم في العصر الكلاسيكي" أشرف على موضوعه وقدمه الباحث والأكاديمي الأخضر السوامي من جامعة السوربون 8، و هو يضم موضوعا لاتخفى أهميته المعرفية ،و يتعلق بعلاقة العلوم العربية القديمة بالابستمولوجيا المعاصرة. وختم العدد، بحوار أجراه الأستاذان نزار التجديتي و عبد الواحد حمودان مع الأستاذ والمترجم الفرنسي المعروف في الدراسات اللاتينية جان بيير شوسري لابري في موضوع " آداب الحديث مع الآخر والاستماع إليه ينبغي أن تكون أولوية عصرنا".