ارتبط اسمه ببرامج المسابقات في المغرب، كما عمل لسنوات على نقل أسرار البحار إلى المغاربة بأسلوب سهل قريب من طريقة تخاطبهم اليومية، قبل أن يجد نفسه اليوم بعيدا عن عالم التلفزيون الذي تراجعت فيه البرامج المخصصة للتعريف بخيرات ومميزات الوطن، أما برامج المسابقات فأصبحت شيئا من ماض تلفزيوني لا أحد يتفاءل بأنه سيعود يوما. محمد البوعناني، الرجل النحيل صاحب الابتسامة الدائمة وروح الدعابة، عاش حياته بين ضفاف البحار والمجلدات الأدبية، كما أنه يستحق بامتياز لقب سيد البحار في المغرب، فالرجل الذي توارى عن الأنظار حاليا حقق معادلة صنع أي برنامج ناجح، تقديم المعلومة المفيدة في طابع ترفيهي، معتمدا على قدرة لا متناهية على الحكي، استقاها من تكوينه كمعلم ومن تمكنه الشديد من الدارجة المغربية الأصيلة. وحسب المقربين من البوعناني فإن غنى معارفه لا يوازيه إلا إنسانيته العميقة، التي انعكست بصورة مباشرة على شعره، حيث أبدع قصائد أكد العديد من النقاد أنها تخفي وراءها شاعرا مرهفا، هو نفسه الرجل الذي وقف يوما أمام الأمراء في دولة الإمارات لإلقاء قصيدة طالب فيها حكام الخليج بعدم معاقبة الشعب العراقي بسبب ما قامت به حكومته، في الوقت الذي كان فيه الكل ينادي بمعاقبة العراق.. يتذكره متفرجو تلفزوين الأبيض والأسود ببرنامج المفاتيح السبعة، وهو برنامج مسابقات بدون جوائز ولا هدايا، لكن بمعلومات غزيرة واستفادة كانتا تتماشيان مع مغرب كانت فيه العديد من الأشياء الجميلة . أيام الخميس كان محمد البوعناني يطل على المشاهدين، ويخاطبهم بلهجة شمالية محببة وبلكنة زيلاشية ألفها الجمهور، والذي اكتشفها المشاهد في برامج أخرى خصصها البوعناني للتعريف بالمغرب البحري من خلال تقديم معلومات مفيدة غنية. اسمه الكامل هو محمد عبد السلام بن العربي البوعناني، ولد عام 1929في مدينة أصيلة. حفظ القرآن في المدرسة القرآنية، وبعد أن أنهى الدراسة الابتدائية انتقل إلى تطوان فأنهى دراسته الثانوية، ثم التحق بالمدرسة العليا للمعلمين وتخرج منها 1950. عمل مدرسا بالريف، ثم تطوان، ثم جذبته الإذاعة فترك مهنة التعليم ليعمل بالإذاعة المغربية بالرباط، ثم بالقسم العربي لإذاعة باريس. وبعد استقلال المغرب التحق مرة أخرى بإذاعة المملكة المغربية كرئيس للبرامج. تولى رئاسة تحرير مجلتي "الفنون" و "حدائق "، كما عمل مراسلاً لعدد من الصحف العربية المشرقية. أنتج للإذاعة عشرات البرامج، كما قدم العديد من المسابقات الثقافية بالتلفزيون. ظهرت موهبته الشعرية في وقت مبكر، وبدأ ينشر قصائده في نهاية الأربعينيات بمجلات الأنيس والأنوار والمعرفة والآداب والزهور والأديب والدوحة وآفاق ودعوة الحق واللقاء والأسبوع المغربي والحرس الوطني والمجلة العربية والسنابل والفكر، وفي العديد من الصحف العربية الأخرى. ولأن الشاعر البوعناني يتمتع بروح متفائلة ومرحة، فقد حظيت الإذاعة المغربية بعدة برامج فكاهية أعدها وقدمها بنفسه، ونهل معظم مادتها من التراث المغربي الأصيل، محاولاً ربط الأجيال الجديدة بتراث الآباء والأجداد، دون أن ينسى معطيات العصر. وبعد غياب سنوات، كانت عودة محمد البوعناني من خلال برنامج "لو يحكي البحر" الذي قدم من خلاله مجموعة من الحلقات التي تناولت أسرار المحيط وعجائبه. لكن البوعناني الذي يعاني من متاعب صحية وجد صعوبة في التآلف مع قنوات لها رؤية خاصة للمنوعات والترفيه، حيث تعطى الأسبقية للصورة عن المعلومة، ليتراجع البوعناني من جديد مكتفيا باهتماماته الأدبية والجمعوية، بينما يظهر بين الفينة والأخرى في التكريمات التي تخصص له والتي تحمل معنى مزدوج: الاعتراف بالخدمات الجليلة التي قدمها للتلفزيون وتمرير رسالة مفادها أن زمنه الإعلامي قد انتهى ولم يعد هناك مجال له، فالمفاتيح بالرغم من أنها سبعة إلا أنها غير قادرة على فتح قناعات مسؤولي القنوات الباحثين عن فرجة منوعة فارغة من كل شيء.