إن مصطلح صحافة ينصرف في الواقع إلى فئات عديدة من وسائل الإعلام انطلاقا من الصحافة المكتوبة ومرورا بالإذاعة والتلفزة و إنتهاء بالإعلام البديل الذي يتداول الخبر عبر شبكة الانترنت . والشرطة مؤسسة عمومية إلزامية للحفاظ على الأمن والطمأنينة والسكينة ، والصحافة بكل منابرها وأنواعها ترمي هي الأخرى إلى خدمة الوطن والمواطن وتوعية الثاني لتحقيق الصالح العام ، وتساهم مساهمة فعالة في الوقاية من الجريمة ولا يمكن أن ينكر احدا الآثار الاجابية والدور الوقائي الذي يمكن أن تضطلع به حملات التوعية بمخاطر الأمراض والمخدرات أو التحسيس بأخطار داء الرشوة وكذا جرائم العرض التي نقرأها يوميا على صفحات الجرائد الوطنية وكذا بعض المواقع بالانترنت وبذلك تعتبر هي الأخرى سلطة رابعة وشريكا في القرار السياسي والاجتماعي... ما هي نقط الخلاف بين الشرطة من بوليس ودرك و جمارك وقواد وباشوات و ... والصحافي من جهة أخرى؟ حيث أجهزة الشرطة ووسائل الإعلام تهدف لمحاربة الظاهرة الإجرامية والتصدي لأسبابها وتداعياتها مع اختلاف المرجعية القانونية والمهنية وتباين في الآليات وكذا أساليب العمل ، وهكذا تقاطع في الأدوار والأهداف أفرز نوعا من القلق المتبادل بين جهاز الأمن والصحافي أو الإعلامي ، وسبب ذلك أن وسائل الأمن تعتبر نفسها الجهة الرسمية والوصية على النظم و الأعراف والمسؤولة عن حماية الأموال و الممتلكات في مقابل ذلك هناك من الصحافة من ينظر إلى الشرطي أو رجل الضابطة القضائية بصورة ضعيفة لا يقوى على مواجهة الانحراف والإجرام أو حسب زعمهم قد يتساهل في مأموريته أو يتورط بربط علاقات مع المنحرفين والمهربين و أباطرة المخدرات وبذلك يشارك بدوره في الإجرام والإخلال بالأمن للحصول على منافع مالية. وحيث ينظر الصحافي أيضا للأمني و الشرطي وكذا غيرهما من أبناء المخزن على أنهم نقيض مع الحرية وحقوق الإنسان وحاجزا بين الإعلامي والوصول إلى المعلومة سيما أنه مع الثورة التي تعرفها الوسائل الحديثة للإعلام والتواصل أصبح الحق في الوصول إلى المعلومات حقا ومطلبا لا يقتصر على المهنيين والمتخصصين في مجال الإعلام فقط مثل الصحفيين أو الباحثين بل بات مطلبا يرفعه المواطنون وكل الفاعلين في المجتمع المدني حيث جعل منه المغرب حقا دستوريا حسب الفصل 27 من الدستور الجديد الذي ينص على ما يلي: (للمواطنين والمواطنات حق الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام) كما ينص الفصل 28 من الدستور على ما يلي: (حرية الصحافة مضمونة ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية للجميع الحق في التعبير ونشر الأخبار والأفكار والآراء بكل حرية ومن غير قيد عدا ما ينص عليه القانون صراحة). وحيث هكذا أصبح من المستحيل وفقا للدستور الجديد أن يتسوف أو يتذرع أي مسؤول بذرائع واهية أو سلطوية لحرمان المواطنة والمواطن من حقه الدستوري في الوصول إلى المعلومة . وحيث أن طمس و إخفاء معالم بعض الجرائم من قبل المسؤولين كالرشوة على سبيل المثال التي تقع باستمرار ودون معارض أو منازع في جل القطاعات وحرمان المواطن و الصحافي من الحصول عليها من منبعها لفضحها رغم ذيوعها بالأزقة عمل يخالف الدستور و القانون والفصل الأول من الظهير الشريف المؤرخ في 15 نوفمبر 1958 بشأن قانون الصحافة كما يخالف الفصلين 10 و 11 من بيان إعلان حقوق الإنسان و المواطن الصادر سنة 1789 والذي وافق عليه المغرب أسوة بغيره من الأمم حيث أكدت المادة 15 منه على أن (للمجتمع الحق في طلب محاسبة أي موظف عمومي من إدارته). إذن كل مواطن مغربي له الحق في التعبير والكتابة والطبع بحرية و أعود لأقول أنه يستحيل على الإعلام أن يكتب المعقول والمصداقية ما لم يسمح للصحافي بأدائه مهامه على أحسن وجه وحيث طالما أن الصحافة شرعت لمحاربة الفساد وخدمة المصلحة العامة فإنه من واجب رجال المخزن والمنتمين للقضاء وعلى وجه الخصوص بهذا الإقليم السعيد أن يتعاملوا مع العمل الصحفي بالمفهوم الجديد للسلطة وفي نطاق الفصل 27 من الدستور للارتقاء بصحافتنا إلى مستوى التقدم والاحترافية الذي يؤهلها للاضطلاع بدورها الكامل في المساهمة في بناء المجتمع الديمقراطي وبذلك أمر صاحب الجلالة في رسالته السامية بمناسبة اليوم الوطني للإعلام بتاريخ 15 نونبر 2002. وحيث تبعا للوظيفة الاجتماعية لكل من الشرطي أو الأمني والصحافي أو الإعلامي ووحدة الرسالة التي يؤديها كل طرف والهدف الاستراتيجي المشترك ينبغي التفكير في آليات عملية تيسر حصول الصحافي أو الإعلامي على المعلومة الأمنية بالسرعة والسهولة اللازمة ليتسنى لها معالجتها في إبانها وبالكيفية المناسبة ، على أن مسارعة أجهزة الأمن إلى تمرير المعلومات للصحافة سوف يحقق أهدافا كثيرة أولها دعم مصداقيتها أمام أفراد المجتمع الذين يتوصلون بالأخبار الأمنية في حينها ومن مصدر رسمي مما يجعلهم يحرصون على الاستماع إلى البيانات الصادرة عن تلك الأجهزة كما سيعزز من جهة أخرى مصداقية وسائل الإعلام لأنها ستكون سباقة إلى تناول الخبر ومعالجته انطلاقا من مصدره الرسمي ووفق رسالتها الإعلامية التي تخدم المجتمع عموما. وحيث في نفس الوقت يجب على رجال السلطة والأمن التصدي والوقوف بكل حزم ضد أشباه الصحافيين والنصابين الذين يتسكعون في الأزقة بحقائب سوداء وبأيديهم بطائق المهنة وشارات على سياراتهم وعددهم كبير جدا زاعمين الانتماء لهذه المهنة وعالم الإعلام والصحافة بريء منهم براءة الذئب من دم يوسف سيما وأن هذه المهنة الشريفة التي يتطاولون عليها تتطلب مستوى ثقافي معين ولها مؤسساتها ومعاهدها...